طرابلس الفقيرة... الإهمال يقتل تلميذة لبنانية على مقاعد الدراسة

طرابلس الفقيرة... الإهمال والفساد يقتلان تلميذة لبنانية على مقاعد الدراسة

04 نوفمبر 2022
زملاء ماغي خارج المدرسة (العربي الجديد)
+ الخط -

شهدت منطقة جبل محسن في مدينة طرابلس، شمالي لبنان، فاجعة جديدة تمثلت بسقوط سقف في صف مدرسي فوق رؤوس التلاميذ ووفاة تلميذة وجرح أخرى. ما حدث جريمة وليس مجرد قضاء وقدر، في ظل الفساد والإهمال وغياب المحاسبة.  
أمام منزل الضحية ماغي محمود (16 عاماً) في أطراف حي الوادي المؤدي إلى ثانوية طرابلس المختلطة الثانية الرسمية، والمعروفة باسم "مدرسة الأميركان"، تجمهر، وحتى ساعات متأخرة من ليل أول من أمس، عشرات الشبان الذين قطعوا الطريق أمام حاجز الجيش، وعلت أصوات غاضبة على الطبقة السياسية التي يحملونها مسؤولية وفاة ابنتهم، مطالبين بمحاسبة كل مسؤول عن مقتلها على مقعد الدراسة.

بكاء وشكوى وقهر
على أصوات الرصاص، شيعت جبل محسن ضحيتها التي لم تقتل غدراً بجولات عنف طائفية، بل قتلت على مقعدها الدراسي حيث يفترض أن تكون في مأمن من أي سوء، ليباغتها القدر وتكون في الحصة الثانية ضحية إهمال رسمي ممنهج لا يحاسب المسؤول عنه ولا يسأل عن جريمته.
وعقب التشييع، عاد والد ماغي إلى منزله لتقبل العزاء مع عائلته وجيرانه، فيما غصت غرفة المعزيات بنساء اتشحن بالسواد، وحاولن التخفيف عن والدة الضحية التي لم تتوقف عيناها عن ذرف الدموع. يقول عم الضحية أبو حسن إن ابنة شقيقه لم تقترف أي خطأ يتسبب بمصرعها بهذه الصورة. ماغي الملاك الطاهر، التي ذهبت إلى خالقها وهي جالسة على مقعدها الدراسي، وإلى جانبها زميلتها شذا درويش، وهما في الصف العاشر ثانوي في مدرسة تفتقر للحد الأدنى من المقومات من كهرباء وتدفئة وتكييف. هي من تلاميذ طرابلس الفقيرة الذين أجبرتهم الظروف الاقتصادية على الالتحاق بالتعليم الرسمي، الذي يفتقد للحد الأدنى من الظروف اللوجستية والتعليمية مع تزايد الانهيار وغياب الحلول المنطقية.
  
شهادات التلاميذ
على مرأى من العناصر الأمنية المنتشرة في محيط منزل التلميذة التي قضت أول من أمس، منع الشبان الغاضبين وسائل الإعلام من الدخول إلى منزل الضحية، تعبيراً عن غضب وقهر وشعور بأنهم متروكون لمصائرهم المجهولة، فيما وقف تلاميذ المدرسة التي شهدت هذه الجريمة على عتبة المنزل. فالكارثة تجمعهم.
يقول عمران (15 عاماً)، وهو تلميذ في الصف التاسع في المدرسة، إنه خلال حصة الرياضيات، "سمع تلاميذ المدرسة صوتاً قوياً، اعتقدنا للوهلة الأولى أنه انفجار قنبلة في استعادة لمشهدية جولات العنف التي شهدتها المنطقة خلال سنوات خلت". يضيف أن "المعلمة حاولت منعنا من الخروج ريثما تتحدث مع المديرة، لكننا غافلناها وتوجهنا إلى الصف الذي خرج منه الصوت".

يتابع: "بعد ثوان عدة، دوى الصراخ في صف ماغي وبدأت المعلمة تطلب الاستغاثة وتصرخ: أطلبوا الاسعاف بسرعة. وحين وصلنا إلى الصف، رأينا مشهداً مرعباً... حجر كبير من الباطون سقط على أحد المقاعد حيث رأينا دماء. عرفنا أن زميلتنا كانت تحت الحجر".    
ويقول عمران: "بعد دقائق، وصلت سيارة الصليب الأحمر وأُخرجنا سريعاً من الردهة المؤدية إلى الصف، لكننا رأينا مشهداً لا ينسى... ماغي لدى إسعافها وقد أصيبت بتشوهات بالغة برأسها ووجهها، لنسمع صوتاً يقول إنها توفيت. هذا أسوأ ما شهده التلاميذ ويصعب نسيان هذه الصور". 
من جهتها، تقول التلميذة في الصف العاشر جنى عباس إن التلاميذ، ومنذ العام الماضي، كانوا يشكون لإدارتهم من وجود تشققات في مبنى المدرسة. ومؤخراً، أزيل أحد الجدران الفاصل بين غرفتين واستبدل ببناء قنطرة حجرية. تضيف: "العام الماضي، هبط حائط بعد تقديمنا شكاوى مستمرة عن رداءة الجدران والأسقف"، مؤكدة أن "ما سقط هو القنطرة التي وضعت العام الماضي بسبب ثقل السقف بعد فتح غرفتين بعضهما على بعض".

مدرسة الأميركان
مدرسة الأميركان (العربي الجديد)

في السياق، يقول أحد أفراد الهيئة التعليمية لـ"العربي الجديد" إنّه "قبل مدّة، ولضرورة توسعة إحدى غرف الصفوف، ارتأت إدارة المدرسة إزالة جدار فاصل بين غرفتَين واستبدلته بقنطرة حجرية. وحينها، كشف مفتشون من وزارة التربية والتعليم العالي على مبنى المدرسة وجزموا بأنه لا يوجد خطر على الرغم من أنّ المبنى قديم". يضيف: "لكنّ المفاجأة اليوم كانت بسقوط القنطرة على التلاميذ مخلّفة قتيلة وجريحة".

شذا تبكي زميلتها
ونُقلت التلميذة الجريحة شذا درويش إلى مستشفى النيني وسط طرابلس، هي التي كانت تجلس إلى جانب ماغي أثناء سقوط الحجر على رأس زميلتها. وأصيبت شذا بحسب الأطباء بكسر في الحوض، وأجريت لها عملية جراحية. تقول عمة شذا، سلام درويش، إنها تجاوزت الكارثة من الناحية الصحية، لكنها في حالة نفسية سيئة بعد علمها بموت ماغي زميلتها على نفس المقعد منذ سنوات، مشيرة إلى أنها لا تتوقف عن البكاء. تضيف إلى أنها تحتاج إلى المساعدة للتخلص من صدمة الحادثة والموت والدماء والصراخ.

تضيف أن عائلة شقيقها "لا تختلف عن عائلات جبل محسن. فالفقر يمنع الأهل من تسجيل أبنائهم في مدارس خاصة". وترى أن "أي كلام عن تحقيق ومحاسبة يبدو مكرراً. وهذا البلد لم يعد لنا والمحاسبة حلم كبير".
وحمّلت تلميذات في المدرسة أجهزة الدولة الرسمية، بما في ذلك وزارة التربية ومجلس الإنماء والإعمار وبلدية طرابلس، مسؤولية وفاة زميلتهنّ ماغي محمود، خصوصاً أنّ هذه المرجعيات هي المعنيّة بالصيانة والتجهيزات ومراقبة وضع المبنى. وسبق أن رُفع الصوت في أكثر من مرّة للتدخّل ومعالجة التشقّقات في جدران المدرسة الداخلية والخارجية.
وشدّدت التلميذات، خلال التجمّع، على أنهنّ لن يدخلنَ إلى المدرسة بعد اليوم، وعبّرنَ عن غضبهنّ من تقاعس المسؤولين وإهمالهم سلامتهنّ، في حين يُفترض بغرف الصف أن تكون آمنة لتلميذات لا يردنَ سوى التعلّم والحصول على شهادة لتحقيق مستقبلهنّ وطموحاتهنّ لا أمكنة لوفاة تلميذة في ربيع عمرها.

المساهمون