صينيون يحيون ذكرى وفاة الطبيب لي وينليانغ

صينيون يحيون ذكرى وفاة الطبيب لي وينليانغ... أوّل المحذّرين من كورونا

07 فبراير 2022
إحياءً لذكرى وفاة الطبيب لي وين ليانغ (مارك رالستون/ فرانس برس)
+ الخط -

لا ينسى الصينيون الطبيب لي وينليانغ الذي كان أول من حذر من ظهور فيروس كورونا الجديد، والذي توفي من جراء إصابته بالفيروس، في الوقت الذي أجبرته السلطات على التراجع.

تفاعل رواد مواقع التواصل الاجتماعي الصينية مع الذكرى الثانية لوفاة الطبيب لي وينليانغ، الذي أطلق الإنذار الأول محذراً من ظهور فيروس غامض قبل إقرار السلطات الصينية بفيروس كورونا الجديد. وكان طبيب العيون الصيني أول من دق ناقوس الخطر في مستشفى ووهان المركزي، محذراً من تفشي الوباء، لكنّ تحذيره قوبل بموجة غضب من السلطات المحلية التي أجبرته على التراجع، قبل أن يُصاب هو نفسه بالفيروس ويتوفى في السادس من فبراير/ شباط 2020.

ومنذ مطلع الشهر الجاري، بدأ مستخدمو الإنترنت في الصين نشر مئات آلاف من التغريدات والرسائل على موقع "ويبو" (المعادل الصيني لموقع تويتر) يمجّدون فيها ويشيدون بدور الطبيب لي، الذي تتزامن ذكرى وفاته الثانية هذا العام مع حلول رأس السنة الصينية الجديدة، وفق التقويم القمري. وعمد الناشطون على الموقع إلى تهنئته بالعام الجديد، معربين عن امتنانهم له بسبب دوره البطولي.

في المقابل، حمّل آخرون الحكومة المسؤولية كونها لم تأخذ تحذيراته على محمل الجد، ما أدى لاحقاً إلى تفشي الوباء خارج مدينة ووهان وخارج الصين، وطالب هؤلاء باعتماد يوم السادس من فبراير/ شباط في كل عام مناسبة وطنية للاحتفاء بالكوادر الطبية وإسهاماتها في مكافحة فيروس كورونا الجديد.

وتقول تشو سان، وهي طالبة في جامعة ووهان، لـ "العربي الجديد"، إنه "بعد عامين من انتشار الفيروس، عادت الحياة إلى طبيعتها، لكن قلوبنا ما زال يعتصرها الألم بسبب ما حدث للطبيب لي وينليانغ". وتوضح أنه "بطل قومي يستحق التكريم والتقدير. نشعر أننا مدينون له بأرواحنا لأنه دفع حياته ثمناً للاستهتار بالوباء. كم كنت أتمنى لو أنه بيننا الآن ليرى كيف تغلبت الصين على الفيروس، وكيف عادت ووهان إلى إيقاعها الطبيعي، وكيف نشعر جميعنا بالخجل والذنب تجاه زوجته وولديه".

من جهته، يقول الباحث في معهد العلوم الوطنية بمقاطعة جيانغ شي، قوه لي خوا، إنها "ذكرى أليمة للشعب الصيني لأنها تذكرهم بعد عامين بالاستجابة الفوضوية لتفشي كورونا وانعدام الشفافية آنذاك". يضيف في حديثه لـ "العربي الجديد": "لاشك أن الحكومة ارتكبت أخطاء في المراحل الأولى لكنها تعاملت بشكل جيد في وقت لاحق، ولها الفضل لما وصلت إليه الصين اليوم، لكن هذا لا يغفل دور الطبيب لي في دق ناقوس الخطر، ربما كانت وفاته سبباً في حث السلطات على الاستجابة الفورية والتعامل بحزم، وإن كانت لم تعترف بشكل رسمي بأنه كان محقاً، وأن توبيخه كان أمراً اعتباطياً".

ولد لي وينليانغ في الثاني عشر من أكتوبر/ تشرين الأول 1986 في العاصمة الصينية بكين، وهو متزوج وأب لطفلين، أحدهما ولد بعد وفاته. بدأ في عام 2004 بدراسة الطب في جامعة ووهان، وحصل هناك على درجة الماجستير، ثم عمل في مدينة شيامن شرقي الصين لمدة ثلاث سنوات، قبل أن يعود إلى ووهان مرة أخرى في عام 2014 ليعمل طبيباً للعيون في المستشفى المركزي.

وفي الثلاثين من ديسمبر/ كانون الأول 2019، اطلع لي على تقرير لمريض أظهر نتيجة إيجابية لاختبار فيروس كورونا الجديد المرتبط بالمتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة (سارس) الذي ظهر في الصين عام 2003، فكتب رسالة نشرها ضمن مجموعة على تطبيق صيني "ويتشات" تضم عدداً من الأطباء العاملين في المستشفى، قال فيها إن هناك سبع حالات مؤكدة للسارس في سوق ووهان للمأكولات البحرية، مشيراً إلى احتمال أن يكون الفيروس فرعياً، وقدم نبذة عن خصائص المتحور الجديد، وأرفق مع الرسالة صورة عن التقرير ونتائج التصوير المقطعي للمريض.

الصورة
ذكرى وفاة الطبيب الصيني لي وينليانغ (أنتوني والاس/ فرانس برس)
سوف تبقى ذكراه خالدة (أنتوني والاس/ فرانس برس)

وفي وقت لاحق، سربت رسالة لي، وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، ما دفع شرطة ووهان إلى إصدار إشعار في الأول من يناير/ كانون الثاني، قالت فيه إن بعض مستخدمي الإنترنت نشروا وأرسلوا معلومات كاذبة من دون التحقق، ما تسبب بآثار اجتماعية سلبية. وبعد يومين، استدعي لي إلى مكتب الأمن العام في المدينة، وهناك تم توبيخه لنشره تعليقات خاطئة على الإنترنت بحسب بيان الشرطة، وأُجبر على التوقيع على ورقة أقرّ فيها بذنبه وتعهد بألا يقوم بذلك مرة أخرى.

وأصيب لي في الثامن من الشهر نفسه بفيروس كورونا الجديد عندما كان يشخص حالة مريض مصاب في المستشفى. وبعد يومين، ساءت حالته وظهرت عليه أعراض المرض، مثل السعال الجاف والحُمى الشديدة، فنُقل إلى العناية المركزة حيث وُضع في الحجر الصحي لتلقي العلاج، ونشر رسالة عبر الإنترنت تعهد فيها بالعودة إلى المستشفى بعد شفائه لمساعدة المصابين بالفيروس.

وفي السادس من فبراير/ شباط 2020، ذكرت وسائل إعلام صينية رسمية أن لي وينليانغ، توفي عن عمر يناهز 33 عاماً. غير أن مستشفى ووهان المركزي أصدر بياناً يتعارض مع خبر وفاته، جاء فيه أن لي في حالة حرجة وأن الكوادر الطبية تبذل قصارى جهدها لإنقاذه. لكن عاد المستشفى ليعلن وفاته بصورة رسمية في صباح اليوم التالي.

عقب شيوع الخبر، توافد عشرات الأشخاص إلى محيط مستشفى ووهان، ووضعوا أكاليل الزهور وأوقدوا الشموع تكريماً لروحه، بينما طالب ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي بحرية التعبير، وانتشرت تغريدات تدين الحكومة، لكنها حُذفت بعد ساعات قليلة من نشرها. من جانبها، أعربت منظمة الصحة العالمية في تغريدة لها عن حزنها لوفاة الطبيب لي وينليانغ، وأشارت إلى الحاجة للاحتفال بالجهود التي قام بها من أجل مكافحة فيروس كورونا الجديد.

يشار إلى أن الرئيس الصيني شي جين بينغ، كرّم في سبتمبر/ أيلول عام 2020 شخصيات كان لها إسهامات كبيرة في مكافحة فيروس كورونا الجديد، من بينهم خبير الأوبئة الشهير جونغ نانشان، غير أنه لم يرد في هذه المناسبة أي ذكر لمساهمة الطبيب لي وينليانغ، وهو أمر اعتبره مراقبون إمعاناً من السلطات الصينية في عدم الاعتراف بخطئها، وتجاهلاً متعمداً لأول طبيب حذر من انتشار الوباء.