صرخة من دارفور.. لا جراد ولا ورق شجر فمَن ينقذ أطفالنا من الموت؟

صرخة من دارفور.. لا جراد ولا ورق شجر فمَن ينقذ أطفالنا من الموت؟

14 مارس 2024
نازحون فارون من الصراع في السودان يصطفون للحصول على مياه الشرب (فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- في دارفور بالسودان، يعاني النازحون من ظروف مأساوية بسبب نقص الغذاء الشديد، حيث يضطرون للاعتماد على أوراق الأشجار والجراد كمصادر غذائية. النساء والرجال يواجهون خطر الاغتصاب والقتل عند محاولة جلب الطعام.
- انسحاب بعثة "يوناميد" أدى إلى تدهور الوضع الأمني وتفاقم الأزمة الإنسانية، مع انتقادات لغياب الدعم الدولي وتجاهل العالم لمعاناة سكان دارفور.
- يوجه يعقوب محمد عبد الله فوري نداءً عاجلاً للمجتمع الدولي لإنقاذ النازحين، مؤكدًا على الحاجة الماسة للغذاء والحماية، خاصة للأطفال والنساء وكبار السن، في ظل تحذيرات من تحول الأزمة إلى أكبر أزمة جوع في العالم.

في إقليم دارفور غربيَّ السودان، حيث الصراع يهدد الحاضر والمستقبل، تزداد مأساة النازحين مع دخول فصل الصيف، فحتى أوراق الأشجار التي كانت تُستخدَم كطعام للأطفال باتت صعبة المنال، تاركة إياهم يواجهون موتًا محققًا جراء الجوع.

يصف المنسق العام لمعسكرات النازحين واللاجئين في دارفور، يعقوب محمد عبد الله فوري، في مقابلة مع "الأناضول"، الوضع بـ"المأساوي"، فمع غياب المساعدات الدولية، وعدم قدرة النساء على الخروج من المخيمات لجلب الطعام خوفًا من الاغتصاب، يزداد الخطر على حياة الأطفال بشكل مخيف.

يقول فوري، الذي يقيم في مخيم "كلمة" بمدينة نيالا في ولاية جنوب دارفور، إنه "حتى أوراق الأشجار انعدمت، والجراد لم يعد موجودًا لسدّ جوع الأطفال في مخيمات النازحين في دارفور".

ويضيف موضحاً: "كانت النساء تحضر أوراق الأشجار، وبخاصة اللالوب (الهجليج) وتضعها على النار لتُعدّ منها حساءً للأطفال، كذلك كُنّ يمسكن الجراد ليتناولوه، وكل ذلك أصبح غير موجود الآن".

فالنساء في مخيم "كلمة" ومخيمات النازحين الأخرى بدارفور، وفق فوري، لم يعدنَ يخرجنَ من المخيمات خوفًا من الاغتصاب، وكذلك الرجال الذين قد يتعرضون للقتل؛ بسبب الوضع الأمني السيّئ بعد مغادرة البعثة المختلطة للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي (يوناميد) دارفور. لذا، لم يعد بالإمكان حتى توفير أوراق الأشجار أو الجراد.

وتابع فوري: "الآن بدأ الناس يموتون جوعًا"، دون تقديم إحصاءات بهذا الخصوص.

وأردف: "الأمم المتحدة غائبة في دارفور الآن، ونحن رفضنا خروج قوات يوناميد، لكن لم يستجب لنا أحد، لا دول العالم، ولا المنظمات الأممية و الحقوقية".

وكانت بعثة "يوناميد" قد انسحبت من دارفور نهائياً في يونيو/ حزيران 2021 بعد حوالى 14 عاماً على تأسيسها كقوة حفظ سلام أممية على خلفية نزاع بين القوات الحكومية وحركات مسلحة أودى بحياة حوالى 300 ألف، وشرّد نحو 2.5 مليون آخرين.

وجاء انسحاب البعثة آنذاك استجابةً لضغوط من الحكومة السودانية، التي كانت ترى أن الأوضاع الأمنية تحسنت في دارفور، وأن استمرار وجود البعثة يُعَدّ "انتقاصاً لسيادة البلاد".

 "العالم تركنا وحدنا"

المنسق العام لمعسكرات النازحين واللاجئين في دارفور يعقوب محمد عبد الله فوري، واصل الشكوى من التجاهل الدولي للأوضاع المأسوية في مخيمات النزوح بدافور، قائلاً: "العالم تركنا وحدنا مع الناس أنفسهم الذين يقتلوننا (لم يوضح من يقصد)، ولم يقف أحد معنا". وأضاف مستدركًا: "لكننا لم نيأس، وما زلنا ندعو ونطالب العالم لإغاثتنا".

وتقع 4 من عواصم ولايات دارفور الخمس تحت سيطرة قوات "الدعم السريع" التي تخوض حرباً منذ قرابة عام مع قوات الجيش التي تسيطر على ولاية شمال دارفور وعاصمتها الفاشر.

ويقع مخيم "كلمة" في مدينة نيالا التي سيطرت عليها قوات الدعم السريع، وهو من أكبر المخيمات اكتظاظاً بالنازحين الذين لجأوا إليه بعد اندلاع الحرب في البلاد في إبريل/ نيسان العام الماضي، حيث يقدَّر عدد النازحين فيه بأكثر من 90 ألفًا.

وفند فوري حجج البعض لعدم إيصال المساعدات إلى دارفور، وقال: "كل من يتحدث عن حجج الطرق والمسارات (في إشارة إلى كونها غير آمنة في ظل الحرب) لتوصيل الإغاثة، فهذا غير مبرر، فهناك طرق يمكن من طريقها إيصال المساعدات الإنسانية".

ولم يحدد الطرق التي يمكن من خلالها إيصال المساعدات، لكن الحكومة السودانية أبلغت الأمم المتحدة، الأسبوع الماضي، موافقتها على استخدام معبر حدودي من تشاد إلى الفاشر لدخول المساعدات الإنسانية، إلى جانب مسارات أخرى من جنوب السودان ومصر ورحلات جوية عند الحاجة، حسب بيان لوزارة الخارجية السودانية.

وزاد فوري: "نحن نعيش معاناة أكثر من 20 سنة، والعالم كله حكم علينا بالموت، ونحن بشر لا يمكن أن يتركونا هكذا، نحن بشر وعلى العالم إنقاذنا". وأضاف: "نطالب بإغاثتنا، وخصوصاً الأطفال والنساء وكبار السن".

وتابع: "بالنسبة إلى النساء الحوامل لا يوجد وصف يقال؛ فالوضع بالنسبة إليهنّ كارثي، وهذه أكبر فضيحة للمجتمع الدولي والعالم ولكل من لديه ضمير". وبحسرة واضحة أضاف: "إذا لحقونا بالإغاثة الحمد لله، وإذا لم يلحقونا فنحن ننتظر الموت".

وأكد فوري أنهم لم يتسلموا أي مساعدة غذائية منذ نحو عام من أي جهة في العالم. يأتي ذلك بينما أصبحت الحياة في تلك المخيمات مرهونة ببقايا قليلة من المساعدات الدولية التي أُرسِلَت في السابق، إضافة إلى من يخاطر بحياته للخروج من المخيمات والوصول إلى مراكز المدن لإحضار قوت يومه منها.

وأردف: "الأطفال والنساء وكبار السنّ يموتون، ونحن أصبح لا حول لنا ولا قوة". وتابع قائلاً: "الوضع كارثي، والأمن غير متوافر، ولا يمكن أن نطلع من مخيمات النزوح، والأمم المتحدة والعالم يعلمون بحال المخيمات في دارفور ولا يحتاجون لمن ينبههم".

ولا تتوافر أرقام محلية أو دولية بنسب الجوع في إقليم دارفور بمفرده، لكن برنامج الأغذية العالمي حذّر، عبر بيان في 6 مارس/ آذار الجاري، من الحرب الدائرة في السودان منذ قرابة 11 شهراً، وأنها "قد تخلّف أكبر أزمة جوع في العالم" في بلد يشهد أساساً أكبر أزمة نزوح على المستوى الدولي.

وبحسب آخر تقرير للبرنامج في 5 فبراير/ شباط الماضي، فإن حوالى 18 مليون سوداني يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد، وأصبح 5 ملايين منهم على شفا المجاعة.

نداء لإنقاذ النازحين في مخيمات دارفور

وجّه فوري نداءً إلى العالم، قائلاً: "كل من يسمع صوتنا عبر وكالة الأناضول وعنده ضمير عليه أن يتحرك حتى نظل أحياء".

وبدأت مخيمات اللجوء في دارفور عندما نزح السكان من القرى إلى المدن الكبيرة بحثاً عن الأمان بعد اندلاع الحرب هناك في عام 2003 بين القوات الحكومية وفصائل مسلحة متمردة. وبحسب آخر تقديرات حكومية في عام 2019، بلغ عدد هؤلاء النازحين أكثر من مليون و900 ألف.

وتفاقمت أزمة النازحين في دارفور مع ظهور بوادر أزمة جوع طاحنة جراء الاشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وتعطّل وصول المساعدات الإنسانية، بحسب شهود تحدثوا للأناضول الثلاثاء.

والاثنين، نشر متحدث منسقية النازحين واللاجئين في دارفور آدم رحال، على "فيسبوك"، صوراً لأطفال ولاجئين يعانون من سوء التغذية في معسكرات النزوح. ونشر في وقت سابق فيديو يظهر أطفالاً أعمارهم أقل من خمس سنوات يعانون من سوء تغذية في مخيم "كلمة" للنازحين.

والجمعة، قالت المديرة التنفيذية لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة كاثرين راسيل، في بيان، إن "الحرب الوحشية في السودان تدفع البلاد نحو المجاعة والخسائر الكارثية في الأرواح، وخصوصاً بين الأطفال".

وذكرت أن هناك أدلة على "ارتفاع معدلات وفيات الأطفال المرتبطة بسوء التغذية، وخصوصاً بين الأطفال النازحين".

ومنذ منتصف إبريل/ نيسان 2023 يخوض الجيش السوداني و"الدعم السريع" حرباً خلّفت حوالى 13 ألفاً و900 قتيل وأكثر من 8 ملايين نازح ولاجئ، وفقاً للأمم المتحدة.

(الأناضول)

المساهمون