شح الأدوية في السوق الأفغاني... طالبان تواجه مافيا استيراد الدواء

شح الأدوية في السوق الأفغاني... طالبان تواجه مافيا استيراد الدواء

24 اغسطس 2022
ندرة الأدوية في صيدليات كابول (أندرو رينيسين/Getty)
+ الخط -

ظل القطاع الصحي في أفغانستان على مدار عقود يعتمد بشكل شبه كامل على الأدوية المستوردة، والتي يدخل بعضها إلى البلاد بطرق غير قانونية من خلال التهريب عبر الحدود من دول الجوار، خاصة من باكستان وإيران، في ظل فساد، أو لامبالاة من الحكومات المتعاقبة.
ومعظم الأدوية المهربة، وكذلك بعض الأدوية المستوردة، لم تكن تتوافق مع المواصفات الصحية اللازمة، حسب ما أكدته وزارة الصحة الأفغانية في عهد الرئيس أشرف غني، كما تؤكده حالياً حكومة طالبان، مع فارق وحيد يتمثل في أن الأخيرة قررت التصدي لعمليات التهريب، ما تسبب في ندرة الأدوية الباكستانية والإيرانية في السوق الأفغاني، إذ كان جلها يصل إلى البلاد بطرق غير قانونية.
وقالت وزارة الصحة التابعة لحكومة طالبان في 20 أغسطس/ آب الجاري، إن 90 في المائة من الأدوية في السوق الأفغاني مستوردة، وإن الحكومة السابقة لم تتخذ الخطوات اللازمة من أجل القضاء على الفساد في سوق الأدوية، مؤكدة أنها لن تسمح لأحد أن يواصل اللعب بصحة المواطنين.
وأشارت وزارة الصحة إلى أنه "خلال العقدين الماضيين، لم يتم تأسيس مختبر واحد من أجل فحص أو تحليل الأدوية المستوردة، وتعمل الحكومة حالياً على إنشاء مختبرات في كل المنافذ الحدودية من أجل فحص الدواء القادم إلى البلاد قبل السماح بدخوله".
وقال رئيس إدارة الأدوية والغذاء في وزارة الصحة الأفغانية، عبد الباري عمر، خلال مؤتمر صحافي في العاصمة كابول، إنه "خلال الأشهر الأربعة الماضية، استوردت أفغانستان 546 حاوية أدوية، وقامت سلطات الحدود بفحص كل ما تم استيراده خلال تلك الفترة. في السابق 90 في المائة من الأدوية كانت تدخل إلى أفغانستان بشكل غير قانوني، ومن دون أي فحص، والبلاد تعتمد على الأدوية الأجنبية، إذ إن نحو 10 في المائة فقط من الأدوية تنتجه المصانع المحلية".
وأضاف عمر أن "وزارة الصحة تسعى إلى استيراد كل ما تحتاجه البلاد من الأدوية، لكنها تعمل في ذات الوقت على رفع وتيرة إنتاج مصانع الدواء المحلية، وتأسيس قطاع للصحة الوطنية بدلاً من الاحتياج إلى الاستيراد من أي دولة أخرى، ولكن هذا يحتاج إلى فترة من الزمن. في السابق، كان يسمح لأكثر من تاجر بأن ينقل الأدوية في حاوية واحدة، والآن لا يسمح بذلك لأنه يتيح مجالاً للفساد، كما لا يسمح حالياً بنقل الأدوية من الدول المختلفة إلا بعد الفحص والتحليل، ووزارة الصحة عينت طاقماً تقنياً في المعابر الأفغانية الثمانية من أجل هذا الغرض".
وباتت معابر تورخم، وغلام خان، وسبين بولدك، ونيمروز، وإسلام قلعة، وتورغندي، وأقينه، وحيرتان، تضم معملاً متخصصاً للتحليل، وبالتالي لا يسمح بدخول الأدوية غير المطابقة للمواصفات عبر أي منها.
وحول التعامل مع مستوردي الأدوية غير المطابقة للمعايير، أو عبر طرق غير قانونية، قال رئيس إدارة الأدوية والغذاء إن وزارة الصحة لن تكتفي بالغرامات المالية، بل ستتم إحالة الملفات إلى المحاكم لتتم ملاحقة المتورطين قانونياً.

الصورة
أصناف عدة من الأدوية غير متوفرة في أفغانستان (مسعود حسيني/فرانس برس)
أصناف عدة من الأدوية غير متوفرة في أفغانستان (مسعود حسيني/فرانس برس)

وفي حين تتحدث وزارة الصحة عن خطوات جديدة من أجل إجراء تغييرات إيجابية في قطاع الصحة، وخصوصاً ملف استيراد الأدوية، يشكو أصحاب الصيدليات من شح كبير في الأدوية الضرورية، لكنهم في الوقت نفسه يرحبون بما تقوم به حكومة طالبان لضبط السوق، ومنع دخول الأدوية الفاسدة، أو غير المطابقة للمواصفات.
يقول نذير محمد، وهو صاحب صيدلية في العاصمة كابول، لـ"العربي الجديد"، إن "المعضلة الأساسية أن المريض الأفغاني يحتاج إلى الأدوية، وكثير من الأصناف نفدت من الأسواق، ولا يمكننا توفيرها بسبب الخطوات الأخيرة التي تتبعها حكومة طالبان. نرحب بتلك الخطوات الضرورية، لكن الأمر يحتاج إلى التدرج، ولا يمكن تطبيقها مرة واحدة لأنها ستؤدي إلى شح الأدوية، بالتالي سيعاني المرضى والتجار على حد سواء".

ويضيف الصيدلي الأفغاني أن "قلة المعروض من الأدوية في السوق تؤدي بشكل طبيعي إلى ارتفاع أسعارها، بالإضافة إلى أن ذلك يؤدي إلى أنواع أخرى من الفساد، فكبار التجار يلجؤون إلى تخزين الأدوية التي يحتاج إليها المواطنون، وتقليل المعروض منها في السوق بهدف زيادة أرباحهم".
ويعاني آلاف المواطنين من قلة الأدوية في الأسواق، يقول الأفغاني محمد إدريس، من منطقة خير خانه في العاصمة، لـ"العربي الجديد"، إن منزله يضم أكثر من مريض، فأمه وأبوه يعانيان من أمراض الشيخوخة، مثل القلب والسكري، وعندما يذهبان إلى الطبيب يكون همي الأول هو كيفية توفير الدواء لهما، موضحاً: "في السابق كانت الأدوية موجودة، ومعظمها كانت باكستانية، ولكن حالياً، كثير من تلك الأدوية غائبة عن السوق، وهذه معضلة كبيرة بالنسبة لنا".
ويقول حمد سعيد يوسفي، وهو أحد تجار الأدوية، لـ"العربي الجديد"، إن "الأدوية موجودة، لكن أصحاب الصيدليات لا يرغبون بها لأنها ليست باكستانية، بل هي إما من بنغلادش أو تركيا أو الهند، وبالتالي فإن الربح فيها قليل مقارنة بالأدوية التي كانت تأتي من باكستان عبر طرق غير شرعية، وبالتالي لا يتم دفع ضرائب أو جمارك عنها. طالبان أُوقفت تلك الممارسات؛ ورد أصحاب الصيدليات برفض الأدوية الأخرى قليلة الربح من أجل الضغط على الحكومة".

المساهمون