شباب الموصل يرمّمون مدينتهم: "خلّوها أجمل"

شباب الموصل يرمّمون مدينتهم: "خلّوها أجمل"

06 مارس 2021
أحد المحال في المدينة القديمة (إسماعيل عدنان/ فرانس برس)
+ الخط -

تحوّل شباب الموصل، المحافظة العراقية الأكثر تضرراً نتيجة للحرب ضد تنظيم "داعش"، إلى رمز، هم الذين يعملون تطوعياً لإعادة الحياة إلى مدينتهم من خلال حملات عدة، من بينها "خلّوها أجمل" التي انطلقت منذ يناير/ كانون الثاني 2017 وتهدف إلى إعادة إعمارها. وعلى الرغم من مرور أكثر من ثلاثة أعوام على تحرير مدينة الموصل، إلا أن آثار الدمار الناتجة عن الحرب ما زالت ظاهرة، إذ إن 80 في المائة من المدينة دمّرت من جراء الحرب بحسب تقارير رسمية عراقية. التقارير نفسها تفيد بأنّ كلفة إعادة إعمار المحافظة تتجاوز 40 مليار دولار.
وفي وقت وقفت الجهات الحكومية شبه عاجزة أمام الدمار الكبير الذي حلّ بالمدينة بعد تحريرها، حمل شباب الموصل على عاتقهم إعادة ترميم وتأهيل مدينتهم بما يستطيعون تطوعياً، وتمكنوا من الحصول على دعم من منظمات إنسانية محلية ودولية. "خلّوها أجمل" هي إحدى الحملات التطوعية التي عرفتها الموصل. ومنذ انطلاقها، حقق الشباب إنجازات عدة. وتتركز أعمالها على ترميم المحال التجارية في المدينة القديمة التي تضررت بفعل الحرب، وخصوصاً تلك التي لا يملك أصحابها المال. وفي وقت يقول سكان الموصل والمنتفعون من هذه الحملة إنهم مدينون للشباب المتطوعين، يرى هؤلاء أن ما فعلوه واجب عليهم. ويوضح منسق حملة "خلوها أجمل" الناشط محمد مسعود جمعة، لـ "العربي الجديد"، أن المتطوعين أخذوا على عاتقهم مواصلة إعادة الإعمار، وخصوصاً أن محافظتهم تعرضت لدمار كبير أثر على معظم أحيائها، لا سيما المدينة القديمة.
انطلقت الحملة في يناير/ كانون الثاني عام 2017، أي بعد ستة أشهر من بدء عملية تحرير الموصل التي انطلقت في أكتوبر/ تشرين الأول عام 2016 وانتهت في يوليو/ تموز عام 2017. يضيف أنه في الموصل العديد من الحملات والفرق التطوعية، مضيفاً أن "بعض الحملات والمجموعات تعنى بالجانب الصحي، في وقت تعمل أخرى في المجال التوعوي أو البيئي أو إزالة الأنقاض. أما عملنا، فتركز على إعادة الإعمار نتيجة الحرب. يتطلب الوضع الكثير من العمل، وقد ساهم في عودة الحياة إلى المناطق التي شهدت معارك شرسة. نستهدف في عملنا هذه المناطق ونركز عليها أكثر من غيرها لأنها الأكثر تضرراً".

(من صفحة الحملة على فيسبوك)
(من صفحة الحملة على فيسبوك)

ويُواصل جمعة حديثه قائلاً إن الحملة "قائمة على ثلاثة أسس أولها المتطوعون الذين لا يتقاضون أي مقابل، وثانيها التبرعات الخيرية التي يتبرع بها مواطنون، وأصبح هناك ثقة كبيرة بنا من قبل أهالي الموصل، وثالثها الشراكات مع المنظمات المحلية والدولية".

ويوضح أنّ هذه الشراكات تساعد الحملة في بناء وإعادة إعمار المدينة، مضيفاً: "عملنا وحده لن يكون كافياً قياساً بالدمار الكبير الموجود في الموصل. لذلك، نعتمد على هذه المنظمات". وينفي جمعة وجود دعم من قبل الجهات الحكومية لهم، لكنه يقول إن "هناك تسهيلات حكومية لعملهم"، موضحاً أنّ "أعمال الإعمار تحتاج إلى موافقة من البلدية والدفاع المدني والمحافظة، ما يساعدنا في عملنا لأننا لن نستطيع العمل من دون وجود هذه التسهيلات".
وكان للحملات التطوعية دور بارز في الموصل، ما زاد من ثقة السكان بهذه المبادرات.

من صفحة الحملة على فيسبوك
(من صفحة الحملة على فيسبوك)

ويوضح جمعة أن هذه الثقة هي التي شجعت الناس على التبرع للحملة. ويقول: "سنُعيد إعمار المحلات والمنازل القديمة والمدارس. الكثير من الناس يتبرعون من داخل المدينة ومن خارجها أيضاً. هؤلاء المتبرعون يرفضون أن تذكر أسماؤهم. والمتبرعون يدعمون حملتنا من خلال التعليق بعبارة خلوها أجمل على مواقع التواصل الاجتماعي"،  الأمر الذي زاد من انتشار الحملة. 

من صفحة الحملة على فيسبوك
(من صفحة الحملة على فيسبوك)

في هذا الإطار، يقول ناشطون وإعلاميون مطلعون على الحملة إنه ستكون هناك تعويضات حكومية للمتضررين، لكنها تتأخر كثيراً. لذلك، يلجأ أصحاب المحلات إلى المتطوعين والشباب الذين يعملون في مجال الإعمار. ويوضح ياسر كوياني، وهو إعلامي وناشط في مجال الإغاثة في الموصل، إن الحملة "مهمة جداً وسمحت لعدد كبير من الموصليين بمزاولة أعمالهم مرة أخرى، وفتحت أبواب رزق لكثيرين ورممت المحلات ودعمت أصحابها معنوياً ومادياً". يضيف كوياني المطلع على الحملات التطوعية التي يتبناها شباب الموصل، خلال حديثه لـ "العربي الجديد"، إن "أصحاب المحال المتضررين سعداء بهذه الحملة. لقد تمكنوا من العودة إلى مزاولة عملهم وفتح محلاتهم من جديد". من جهة أخرى، يؤكد أن الحملة تساهم في الانتعاش الاقتصادي للمدينة.

قضايا وناس
التحديثات الحية

وما زالت حملة "خلوها أجمل" تتلقى طلبات من مواطنين تعرضت محالهم لأضرار من أجل ترميمها. سعيد الهدو هو أحد هؤلاء الذين لبت الحملة نداءهم، ورممت محله ليستأنف عمله في بيع المواد الغذائية. يقول لـ "العربي الجديد" إنّ محله أحرق ودمّر من قبل تنظيم داعش، ولم يكن يملك المال لترميمه، وهو حال غالبية سكان الموصل الذين فقدوا ممتلكاتهم وأموالهم ومصادر دخلهم. يضيف الهدو الذي يقع محله في المدينة القديمة أنه "لولا الحملات التطوعية لما استطاع كثيرون مزاولة أعمالهم مجدداً"، مشيراً إلى أن الحملة أعادت ترميم خمسة عشر محلاً في الشارع الذي يقع فيه محله.

المساهمون