سورية: الصلح العشائري يعوّض القانون المفقود

سورية: الصلح العشائري يعوّض القانون المفقود

19 يناير 2022
عشائر سورية واجهة القانون العادل (عامر المحباني/ فرانس برس)
+ الخط -

يلجأ سوريون كُثر إلى ما يعرف بالصلح العشائري لحلّ خلافاتهم بالاعتماد على أعراف وتقاليد وعادات متوارثة من عهود طويلة. ويشرف وجهاء ذوي مكانة اجتماعية تحظى باحترام على تنفيذ أحكامها التي تنتج حلولاً مستدامة، ما يعزز دورهم في ظلّ ضعف سطوة القانون وتعدد سلطات الأمر الواقع.
يقول عضو "تجمع أحرار حوران" الإعلامي عقبة زوباني لـ"العربي الجديد": "الصلح العشائري المعتمد لحلّ النزاعات في درعا عادة قديمة لا تزال مستمرة. قديماً، اعتادت الناس أن تحل خلافاتها عشائرياً عن طريق أعيان المنطقة التي حصلت فيها المشكلة. وفي حال كانت المشكلة كبيرة وذات تأثير على العلاقات بين العشائر المتخاصمة، يأتي أعيان من مناطق أخرى لبحث الحلول". لكنه يستدرك بأن "الوضع بالغ التعقيد اليوم فالصلح قد تليه عمليات أمنية بين المتخاصمين، وتحديداً اغتيالات لتجنب جر العشيرتين إلى نزاع مسلح كبير. وهذا ما شهدناه في الفترة الأخيرة".

ويلفت إلى أنّ "وجهاء ومشايخ وأعيان يتمسكون بالصلح الذي قد يتأثر بدوره باغتيال شخصيات بارزة لها حاضنة شعبية تصدرت دائماً حل النزاعات، مثل عضو اللجنة المركزية الشيخ أحمد البقيرات الذي اغتيل بالرصاص قرب بلدة تل شهاب غرب درعا في 9 ديسمبر/ كانون الأول الماضي".
ويبدو أنّ دور وجهاء ومشايخ عقد الصلح العشائري والسلم الأهلي في السويداء ليس أقل من أولئك في درعا. يقول الناشط الاجتماعي في السويداء، أبو جمال معروف، وهو اسم مستعار لأسباب أمنية، لـ"العربي الجديد": "عطّل النظام القانون والقضاء في السويداء بحجة وجود عصابات، ما عزز من دور مشايخ العقل (رجال الدين الموحدون الدروز) والوجهاء التقليديين في حلّ الخلافات، وجعلهم المقصد الأول للناس في حل كل أنواع القضايا، من الخلافات الزوجية والعائلية إلى النزاعات الاقتصادية وقضايا القتل". يضيف: "أنشأت دار الطائفة الدرزية في السويداء برئاسة شيخ العقل يوسف جربوع لجنة لحل النزاعات اعتمدت الأعراف والتقاليد في حل مئات من القضايا. والناس ترى أن الحل العشائري أكثر سرعة، ويضمن الحصول على تكريم معنوي اجتماعي حتى إذا تحمل الطرفان بعض الخسائر". 

الصورة
أحكام الصلح نافذة ومحترمة (لؤي بشارة/ فرانس برس)
أحكام الصلح نافذة ومحترمة (لؤي بشارة/ فرانس برس)

ورغم أنّ أشكال الصلح العشائري تغيّرت لكن قواسمها المشتركة تظهر بوضوح في المناطق السورية. ويقول رئيس "مجلس الأعيان في شمال شرقي سورية" حكم خلو، لـ"العربي الجديد": "هيئة الأعيان في شمال وشرق سورية المدنية المستقلة جهة فاعلة في قضايا الصلح في المجتمع إلى جانب الوجهاء والأعيان ورجال الدين، وأيضاً لجان الصلح التابعة للإدارة الذاتية". ويوضح أنّ "المجلس يهتم بقضايا الثأر والقتل وخلافات الأراضي، وكل المواضيع التي تنشب بين أطراف المجتمع وحتى بقضايا عالقة مع مؤسسات إدارية، بتأثير الثقافة المجتمعية التي تقبل بالأعراف والقيم والتقاليد المجتمعية وتثق بها". ويرى أنّ "السلطات المحلية وبينها قوات الأمن الكردية (الأسايش) وقوات سورية الديمقراطية (قسد) تقدم كل المساعدة لإقرار السلم المجتمعي وتحقيق العدالة، وحلولها مستدامة إلا في حالات قليلة". ويؤكد "تدخل مجلس الأعيان في شمال شرقي سورية في عشرات الحوادث، منها قتل أفراد من قبيلة الشرابيين العربية شاباً كردياً من الأسايش كان يقوم بواجبه الأمني. وقد تنازل أب القتيل رغم الجرح المعنوي الكبير عن كل حقوقه، وسامح القتلة من دون مقابل على صعيد الفدية أو الدم. ونصبت خيمة جمعت مكونات الأشوريين والكرد والعرب لتقبل التعازي وإعلان الصلح". 

الجريمة والعقاب
التحديثات الحية

من جهته، يقول الناشط الإعلامي أحمد زرزور، المقيم في مخيمات أطمة، لـ"العربي الجديد": "الصلح العشائري قائم ونافذ، ويحلّ الخلافات غالباً بين أبناء العشيرة الواحدة وبين عشائر عدة، وتخضع أحكامه لأعراف وتقاليد لا تتواجد في القوانين المدنية النافذة". يتابع: "يتولى عمليات الصلح وجهاء، أو ما يعرف بمجلس شورى العشائر أو مجلس الصلح العام. والسلطة الحالية تدعم القرارات وتؤيدها لأنها تنهي المشاكل وتزيل التوترات، والمجتمع يحترم ما يصدر عنها. وشهدت مخيمات أطمة أخيراً اتفاق صلح بين عشيرتين نشب خلاف مسلح بين أبنائهما في ريف حماة الشرقي عام 2014، ما تسبب في مقتل شخصين".

المساهمون