سورية: السيارات مأوى لآلاف الناجين من الزلزال وسط البرد

سورية: السيارات مأوى لآلاف الناجين من الزلزال وسط البرد

07 فبراير 2023
ظروف جوية وإنسانية صعبة في إدلب بعد الزلزال (محمد سعيد/ الأناضول)
+ الخط -

ينشط الشقيقان محمود وعمار في شوارع مدينة إدلب تحت المطر منذ لحظة حدوث الزلزال القوي الذي ضرب جنوب تركيا، وأثرّ بشكل كبير على محافظات سورية عدة، ولا سيما في شمال سورية الذي يفتقر إلى جميع الإمكانيات والمساعدات. وما زال محمود وعمار مع أطفالهما وعائلتهما في ظروف مناخية وإنسانية شديدة الصعوبة حتى اللحظة. 
يخبر الشقيقان "العربي الجديد" أن الهزات الارتدادية المستمرة ترعب الأطفال والنساء، ما يجبرهما على مواصلة نقلهم من شارع إلى آخر وبين الحدائق العامة وغيرها من الأماكن المفتوحة خشية حصول هزة أرضية قوية قد لا يمكن تدارك أضرارها عبر مغادرة المنزل في حال حدثت في شكل مفاجئ. 
ويملك الشقيقان سيارة صغيرة تشكل مأوى لأفراد عائلتيهما بعد الزلزال. ورغم صعوبة هذا الأمر، لكن السيارة هي فعلياً الملاذ الوحيد المتاح لأفراد العائلتين على غرار آلاف العائلات في شمال غرب سورية، لا سيما في المناطق المحاذية للحدود مع تركيا، لمحاولة الهرب من الموت في ظل تخوف أفرادها من عودة الهزات القوية ما يدفعهم للعمل في الشوارع والأماكن المفتوحة وسط ظروف مناخية صعبة تقارب فيها درجة الحرارة الصفر، ويستمر فيها هطول الأمطار بغزارة. 

يقول عزيز المحمد الذي تشقق منزله في بلدة سرمدا المحاذية للحدود مع تركيا والتي تضررت بشدة من تبعات الزلزال، لـ"العربي الجديد": "أنا مسؤول عن 20 شخصاً هم أولادي وأولاد شقيقتي الأيتام إضافة إلى زوجتي، وقد عدت إلى المنزل رغم المخاطر لأن الأطفال يكادون أن يهلكوا من البرد، وليس في يدي حيلة سوى تسليم أمري إلى الله". 
ويرصد "العربي الجديد" انتشار سيارات كثيرة في الطرقات العامة البعيدة عن المباني والتي ينام فيها كثير من الناس الذين تركوا بيوتهم خوفاً من عودة الهزات الأرضية. ورغم ذلك لا تقيهم هذه السيارات من البرد والطقس القاسي. 
ويؤكد مسؤولو "وحدة تنسيق الدعم "أن عدد المباني المدمرة كلياً في مناطق سيطرة المعارضة السورية شمال غربي سوریة يبلغ 600، وتلك المدمرة جزئياً 1627، ويلفتون إلى أن عدد العائلات المتضررة من هذا الزلزال تجاوز 11 ألفاً وباتت بلا مأوى. 

الصورة
يكاد الناجون والأطفال أن يهلكوا من البرد (محمد سعيد/ الأناضول)
يكاد الناجون والأطفال أن يهلكوا من البرد (محمد سعيد/ الأناضول)

ويحدد هؤلاء أهم الاحتياجات الطارئة لمناطق شمال غرب سورية بفتح جسر جوي بین جنوب ترکیا وشمال غرب سورية لنقل الإصابات الحرجة إلى ترکیا، وإيصال المساعدات الطبیة بشكل عاجل لشمال غرب سوریة، إضافة إلى تأمين 4983 خيمة لإيواء العائلات التي فقدت المأوى، وكذلك نحو 25 ألف فرشة وبطانية، وتوزیع ألبسة شتوية على العائلات المتضررة باعتبارها ترکت المأوى من دون أن تستطيع التزود بألبسة مناسبة للظروف المناخية الباردة جداً. كما تطالب الوحدة بتوزيع 61 ألف وجبة غذائية يومياً من خلال مطابخ متنقلة تزود وجبات ساخنة، وتأمين مليون ونصف لیتر من وقود التدفئة الذي يكفي احتیاجات العائلات المتضررة لمدة شهر واحد، وتجهيز مراکز إيواء مزودة بتدفئة ومواد المأوى من بطانیات وفرشات، وفتح المدارس والمعاهد وتجهيزها بشكل عاجل لإيواء المتضررين مؤقتاً بالتنسيق مع القائمين على العملية التعليمية، ودعم المستشفيات ومراكز التبرع بالدم لإسعاف الجرحى وإنقاذ الأرواح. 

الصورة
لا تقي السيارات الناجين من البرد (عامر السيد علي)
لا تقي السيارات الناجين من البرد (عامر السيد علي)

وفي مناطق سيطرة النظام بمدينة حلب، يعاني الجرحى الذين خرجوا من المستشفيات من الآلام الشديدة نتيجة الإصابات التي أصابتهم من انهيار المباني. وهم يواجهون مع عائلاتهم أيضاً مشاكل التشرد وافتقاد المأوى، فضلاً عن الصدمات النفسية التي تملكت مئات منهم نتيجة المفاجأة والخوف والحزن على فقدان أقاربهم. 
تقول سيدة تقطن في حي الميدان بمدينة حلب لـ"العربي الجديد": "أنا عالقة مع 398 شخصاً جلهم من النساء والأطفال في قبو بلا طعام، ولا شيء يرد البرد، إذ لا توجد سوى 50 بطانية استطعنا حملها من بيوتنا التي لا نعلم شيئاً عن أضرارها". تضيف: "جلب شباب من إحدى الكنائس سندويشاً (شطيرة) لكل شخص، لكن ذلك لا يكفي خصوصاً أن الخوف يستمر من تطورات الزلزال". 
ويقول زهير العبد الله، وهو ناشط مدني، لـ"العربي الجديد": "كل مستشفيات مدينة حلب العامة التابعة للنظام السوري والخاصة ممتلئة عن آخرها، وتواجه النقص في غالبية الأدوية والأطقم والتجهيزات الطبية والخدمات، كما هناك نقص كبير في الآليات اللازمة لمساعدة من تهدمت منازلهم، لذا يعتبر الوضع الإنساني والطبي صعباً للغاية بدرجة لا يمكن وصفها". 

ويشير إلى "حاجة الناجين إلى أغطية لدرء البرد والدواء خاصة المسكنات التي انقطعت، ومستشفيات الجامعة والرازي وفريشو (القديس لويس) والأجاتي ومظلوميان والسلوم والطونيان والجابرية تحتاج جميعها إلى دعم سريع وأطباء وأدوية وأغطية. معظم السكان في أقبية أو في سياراتهم الخاصة بعيداً عن المباني، أو في شوارع وساحات لأن الخوف يتملكهم من الارتدادات". 
وفي اللاذقية تقول موظفة تقطن في ريف جبلة لـ"العربي الجديد": "اتضح النقص الحاد في المستشفيات العامة والخاصة منذ الباكر، ويعجز الجميع عن فعل شيء إلا انتظار المساعدات الإنسانية القادمة من دمشق". تضيف: "نمكث على تلة عالية، ولم نشعر سوى بهزات، لكن الذين نجوا من الموت يعيشون حتى اللحظة في السيارات والساحات العامة، والوضع مخيف جداً".

المساهمون