سجينات لبنان: الحق المسلوب في الرعاية الصحية

سجينات لبنان: الحق المسلوب في الرعاية الصحية

10 أكتوبر 2022
أوضاع سجينات لبنان متدهورة (حسين بيضون)
+ الخط -

تعاني نساء لبنان من أشكال الانتهاكات المختلفة، والتي تتفاقم بفعل الأزمة الاقتصادية، في حين أن السجينات يعانين مشكلات إضافية كونهن من بين الفئات الأكثر تهميشاً وضعفاً في المجتمع.

وتفتقد سجون النساء في لبنان إلى أبسط المعايير الإنسانية الدولية، وتعاني السجينات الحرمان من أدنى حقوق العيش ضمن ظروف صحية آدمية، على الرغم من تدخل الجمعيات المعنية لتأمين حاجياتهنّ الأساسية في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، إذ تلعب دوراً مساعداً ليس بديلاً عن دور الدولة، خصوصاً أن إضراب القضاة وتعطّل المحاكمات فاقم الأزمة.
يقول مصدرٌ من شعبة المعلومات (التابعة لقوى الأمن الداخلي)، لـ"العربي الجديد"، إن "وزارة الداخلية تقوم بكل الجهود المطلوبة لتحسين أوضاع السجناء والسجينات على حدٍّ سواء، وسبق أن جمعت المنظمات المحلية والدولية المعنية وكل الجهات المختصة لوضع الملف على طاولة البحث، وطلب المساعدة والدعم نظراً لسوء الأوضاع والمشاكل التي تتسع رقعتها بفعل الأزمة الاقتصادية".
يضيف المصدر الأمني: "صحيح أن أعداد السجينات أقلّ بكثير من الرجال، فهنّ لا يتخطين 300 سجينة من بين أكثر من 6 آلاف سجين في لبنان، بيد أن احتياجاتهنّ أكبر، صحياً، وغذائياً، وجسدياً، وحتى نفسياً، والجمعيات تلعب دوراً كبيراً، وكذلك إدارات السجون، لتأمين الحد الأدنى من الاحتياجات"، موضحاً أن "السجينات بينهن جنسيات مختلفة، والأجنبيات منهن عقوباتهن مرتبطة في الغالب بالإقامة غير الشرعية، أما اللبنانيات فدخلن السجن في جرائم منها الدعارة، وترويج أو تعاطي المخدرات، أو القتل، وغيرها".
من جهته، يؤكد مصدرٌ مسؤولٌ في وزارة الصحة، لـ"العربي الجديد"، أن الوزارة تولي اهتماماً بموضوع المساجين، سواء الرجال أو النساء، لكن هناك صعوبات مالية كبيرة، والسجينات يحتجن إلى رعاية أكبر، وميزانية عالية نسبياً باعتبار أن بينهن حوامل، أو مرضعات، وبالتالي يحتجن إلى حليب، وفيتامينات، ومدعمات غذائية وغيرها، وندعو كل الجمعيات المعنية، المحلية والدولية، إلى الدعم والمساعدة.
بدورها، توضح مديرة جمعية "دار الأمل"، هدى قرى، أن مشاكل السجينات زادت بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وخصوصاً مع ارتفاع كلفة المواصلات، وبُعد المسافات بين منازل العائلات والسجون الرئيسية الثلاثة الواقعة في زحلة (البقاع)، والقبة (شمال)، وبعبدا (جبل لبنان)، الأمر الذي يعرقل الزيارات كثيراً، وبالتالي يحول دون إيصال المستلزمات الأساسية لهنّ، ما يدفع الجمعيات إلى رفع الدعم، والتدخل للتغطية.
وتلفت قرى إلى أن جمعيتها موجودة منذ التسعينيات، وتحاول قدر الإمكان مواصلة تقديم المساعدات الاجتماعية، والنفسية، والقانونية، للسجينات، فضلاً عن إقامة ورش تدريب مهنية، بيد أن السجون نفسها تحتاج إلى إعادة تأهيل، وإلى صيانة مستمرة، وهناك نواقص كثيرة على مستوى مستلزمات النظافة الشخصية، والدولة عاجزة عن تأمينها.

الصورة
تحتاج سجينات لبنان إلى رعاية إضافية (حسين بيضون)
تحتاج السجينات إلى رعاية إضافية (حسين بيضون)

وتشير إلى أن "أزمة كورونا فاقمت أوضاع السجينات، وظهر النقص في المعقمات والكمامات وغيرها من وسائل الوقاية، ثم دفعت الأزمة الاقتصادية البلد إلى حافة الانهيار، وضربت الفئات الأكثر ضعفاً، ومنهنّ السجناء والسجينات، فارتفاع أسعار المحروقات يحول دون زيارة الأهل، خصوصاً أن أكثرية العائلات من الطبقة الفقيرة، ونحاول تأمين تكاليف الاتصال، سواء الهاتفي أو الزيارات، كي لا ينقطع التواصل بينهم، عدا عن المساعدة في تأمين تكاليف المحامين. لكن عدم البت بقضايا الموقوفات غير المحكومات وإضراب القضاة يؤديان إلى تأجيل الجلسات، ودخول نساء جديدات إلى السجون زاد من الاكتظاظ، وبالتالي زادت الاحتياجات".
وتضيف مديرة جمعية "دار الأمل": "الوضع الصحي صعبٌ، والسجينات بحاجة إلى أدوية، وبعضهنّ يحتاج إلى علاج متواصل، ونحاول تأمين ذلك رغم أن الكثير من الأصناف مقطوع، والمتوفر أصبحت أسعاره مرتفعة، خصوصاً أدوية الأمراض المزمنة، وقبل نحو شهر، نقلت إحدى السجينات من سجن القبة إلى المستشفى لإجراء عملية ولادة، فذهبت أخصائية اجتماعية معها، ونعمل على تأمين احتياجاتها من الحليب والحفاضات والفيتامينات وغيرها، خصوصاً أننا نشجع على بقاء الطفل خلال فترة الرضاعة مع الأم".

وتتابع: "تكاليف المستشفيات باهظة، والجمعية وحدها لا تملك أن تتكفل بها كاملة، كما أن السجينات عاجزات عن تأمين التكلفة، والدولة أيضاً غير قادرة على ذلك، ما يعرّض حياة بعض السجينات المريضات للخطر، وقد توفيت سجينة قبل 4 أشهر لأن وضعها الصحي كان يتطلب جراحة مكلفة جداً، وعندما تواصلت وزارة الداخلية معنا، استطعنا تأمين نصف المبلغ فقط، وعلى وزارة الصحة أن تتحمّل المسؤولية، خصوصاً إزاء السجينات اللواتي يعانين من أمراض مزمنة".
وتقول رئيسة جمعية "نضال لأجل الإنسان" ريما صليبا، لـ"العربي الجديد"، إن "مشاكل السجينات أكثر خصوصية من السجناء، إذ تزداد حاجتهنّ للرعاية الصحية، وكذا مستلزماتهنّ الأساسية التي باتت بعيدة عن متناول أيديهنّ"، مشددة على ضرورة الاهتمام المستمر بصحتهنّ الجسدية، والإنجابية، والوقائية، والغذائية.

الصورة
سجينات لبنان يفتدقن المستلزمات الشخصية (حسين بيضون)
لا تتوفر مستلزمات النظافة الشخصية للسجينات (حسين بيضون)

تشدد صليبا على ضرورة إخضاع السجينات لفحص سرطان الثدي، وإجراء فحص سرطان الرحم، لما لهما من تداعيات خطيرة على حياة السجينات، لا سيما أن عدد المصابات يرتفع عالمياً، وتشير إلى أهمية إجراء الفحوص الطبية بشكل دوري، وتحديد احتياجات النساء، وإعطاء أولوية للسجينات الحوامل اللواتي يحتجن إلى رعاية خاصة، ومتابعة مستمرة، وفيتامينات ومدعمات غذائية، عدا عن احتياجات ما بعد الولادة، إضافة إلى توفير الحاجات المرتبطة بالنظافة الشخصية، من فوط صحية، ومعقمات، وثياب داخلية، وشراشف، ومواد تنظيف.
وتؤكد أن حاجات المرأة الغذائية تختلف أيضاً عن الرجال، فنوعية الأكل مهمة للمرأة الحامل، أو التي أنجبت حديثاً، وهناك من يعانين من أنواع من الحساسية، أو أمراض مزمنة تحتاج إلى نظام غذائي معيّن، وتبعاً لذلك، يجب إجراء كشف صحي منذ لحظة التوقيف، وتجهيز ملف طبي لمتابعة حالتها، خصوصاً إذا كانت تعاني من أمراض مثل الضغط، أو السكري.
وتلفت صليبا إلى أن "هناك جلسات فردية وحلقات جماعية للسجينات لرفع المعنويات، خصوصاً أن بعضهن أصبحن عاجزات عن التواصل مع عائلاتهنّ في ظل ارتفاع تكلفة المواصلات التي تحول دون زيارتهنّ، وهذا يزيد من سوء أوضاعهنّ، عدا عن أن الأهالي باتوا أيضاً عاجزين عن تأمين الحاجات النسائية اليومية، مع ارتفاع الأسعار وتدهور القدرة الشرائية".
ولا تنكر رئيسة جمعية "نضال لأجل الإنسان" الجهد الذي تبذله قوى الأمن لمتابعة الوضع الصحي للسجينات، بيد أن هناك نقصا كبيرا يجب تغطيته في ظل الظروف الاقتصادية التي تمرّ بها البلاد، والتي طاولت الجمعيات الأهلية أيضاً، خصوصاً أن هناك جشعاً على مستوى الأسعار والتكاليف، سواء في المستشفيات أو المختبرات، والتي يطلب بعضها الدفع بالدولار الأميركي أو نقداً.

الصورة
أوضاع سجينات لبنان متدهورة (حسين بيضون)
حقوق السجينات ليست رفاهية (حسين بيضون)

من جهته، يقول رئيس المركز اللبناني لحقوق الإنسان وديع الأسمر، لـ"العربي الجديد"، إن "هناك نحو 250 سجينة في السجون اللبنانية، والقسم الأكبر منهنّ موقوفات بانتظار الأحكام. الوضع في السجون كارثي على المساجين كافة، وخصوصاً السجينات، وتداعيات غياب الحماية الصحية مؤذية أكثر للنساء مقارنة بالرجال"، لافتاً إلى تقييم أجراه المركز تضمن شكاوى للسجينات من سوء الرعاية الصحية، وتردي نوعية الطعام، وأماكن النوم، والوضع العام في السجون.
ويطالب المركز اللبناني لحقوق الإنسان بتعزيز الجهود الوقائية، وتعزيز ممارسات حقوق الإنسان في السجون، وخصوصاً سجون النساء، مشدداً على ضرورة ضمان معاملة السجينات بما يوافق معايير حقوق الإنسان في جميع المراحل، من الاعتقال والمحاكمة والسجن، مع إيلاء اهتمام أكبر لخصوصية المرأة في الحمل والرضاعة ورعاية الأطفال.

أُنتجت هذه المادة بدعم من برنامج "نساء في الأخبار" ضمن مبادرة كتابة التقارير حول الأثر الاجتماعي (SIRI)

المساهمون