زفاف الأسير المحرر محمد رشدان.. صمود في سجون الاحتلال ينتهي بالزواج

زفاف الأسير المحرر محمد رشدان.. 22 عاماً من الصمود في سجون الاحتلال تتوج بالزواج

04 اغسطس 2023
كان زفاف الفلسطيني محمد رشدان مميزاً بحضور طفلته سما (العربي الجديد)
+ الخط -

لم يكن حفل زفاف الأسير الفلسطيني المحرر محمد رشدان، الذي أفرج عنه في الخامس والعشرين من الشهر الماضي بعد 22 سنة قضاها في سجون الاحتلال الإسرائيلي، اعتيادياً، فقد حمل بين يديه طفلته "سما" التي تبلغ من العمر أربعين يوماً فقط، ورأت النور ووالدها أسير، بعد أن خرجت "نطفة مهربة"، لتكون سفيرة جديدة من سفراء الحرية.

رغبة بكفالة أيتام تنتهي بالزواج

القصة بدأت عام 2017 بعدما أبلغ رشدان عائلته التي تعود أصولها إلى قرية عينابوس، الواقعة جنوب مدينة نابلس شمالي الضفة الغربية المحتلة، برغبته بكفالة أيتام، وبالفعل توجهت والدته وشقيقته الكبرى إلى إحدى الجمعيات الخيرية في المدينة، وهناك تعرفوا إلى ابتهال ميعاري، وهي الموظفة تعمل في الجمعية، ليكتب القدر لها أن تصبح خطيبته لاحقاً.

يقول رشدان لـ"العربي الجديد": "حدثتني أمي وشقيقتي عن ابتهال، وفيها كل الصفات التي أبحث عنها في شريكة العمر، فوافقت على الفكرة، وعندما عرضاها عليها، وافقت بعد مشورة أهلها طبعاً، وتم عقد القران، ولاحقاً بدأت تزورني في السجن، حيث كان يسود الانسجام الفكري الكامل بيننا".

لم يجد رشدان أي مانع في كون خطيبته أرملة لشهيد ارتقى باغتيال الاحتلال له في مايو/أيار 2003، ولها منه ولد وبنت كانت تحملها في أحشائها يوم استشهاده.

رشدان الذي اعتقل في يوليو/تموز 2001، كان يبلغ من العمر أربعة وعشرون عاماً، انتسب إلى الجامعة العبرية المفتوحة، لكن الاحتلال الإسرائيلي عاقب الأسرى، وتحديداً المحسوبين على حركة "حماس"، بحرمانهم من إكمال الدراسة عقب خطف كتائب القسام ثلاثة مستوطنين وقتلهم في مدينة الخليل عام 2014.

ومع فتح باب الانتساب للأسرى إلى الجامعات الفلسطينية، نال رشدان شهادتي البكالوريوس والماجستير في العلوم السياسية من جامعة القدس في بلدة أبو ديس جنوب شرق القدس.

أطفال النطف المهربة.. أمل الحياة

كان رشدان من أشد المؤيدين لفكرة تهريب الأسرى، وخاصة المحكومين بالمؤبدات والأحكام العالية، النطف، ويقول: "حتى إنني خاطبت مجلس الإفتاء الأعلى بذلك عام 2004، ومع نجاح أول عملية بميلاد الطفل مهند نجل الأسير القائد عمار الزبن عام 2012، عشنا فرحة منقطعة النظير، وراح الأسرى يتسابقون في إرسال نطفهم، التي كانت تسفر - بفضل الله ثم بفضل تسخير العلم لخدمة الإنسانية - عن ميلاد أبناء للمعتقلين، حتى وصل عددهم اليوم إلى أكثر من 120 طفلاً وطفلة".

صعوبة بإقناع الأهل

لم يفكر محمد وخطيبته ابتهال بالأمر، خاصة أنه كان قريباً نسبياً من الحرية، لكنهما عادا وناقشا الموضوع بإسهاب.

تقول الزوجة: "حقيقة ومع كل الانسجام والتوافق، لكن إقناع المحيطين بنا لم يكن أمراً سهلاً، ما تطلب منّا الحصول على فتوى خاصة من دائرة الإفتاء الفلسطينية أجازت لنا البدء بعملية توفير النطف والتلقيح، حيث بررت موافقتها بأنه يجري علينا ما يجري على بقية الأزواج تماماً".

وبالفعل، خضعت ابتهال ميعاري لعملية الزراعة بعد وصول النطف المهربة، ومن ثم بدأت مرحلة الحمل، وتقول: "خلال هذه الفترة كان محمد يتابعني وكأنه معي ولا يفارقني، يهتم بأدق التفاصيل، ما خفف عني كثيراً".

ميلاد سما والزواج

جاء اليوم الموعود ورأت "سما" النور، في العشرين من شهر يونيو/ حزيران الماضي، وتقول ابتهال: "نحن على قناعة تامة أن الأبناء هم أحد أهم أسباب الاستقرار الأسري والعاطفي والنفسي، وهو ما تحقق بميلاد ابنتنا".

وتتوالى المناسبات السعيدة، ويحتضن رشدان لأول مرة في حياته طفلته عقب تحرره، وبعدها بيومين فقط، يقرران أن يقيما حفل الزفاف الخاص بهما، لتزين "سما" المنصة، ويقول رشدان: "إن سما أجمل ما في الفرح والكون".

ويؤكد الزوجان أن ما فعلاه كان عن قناعة تامة، وهي رسالة تشكل تحدياً للاحتلال الإسرائيلي بأن كل محاولاته لتغييب وعزل الأسرى عن الوجود ستفشل لا محالة.

مشهد للصمود

الدكتور سالم أبو خيزران مدير "مركز رزان التخصصي لعلاج العقم وأطفال الأنابيب"، الذي يتبنى متابعة عمليات التلقيح والحمل والميلاد مجاناً لكافة زوجات الأسرى في الضفة الغربية، يصف في حديثه لـ"العربي الجديد" قصة محمد وابتهال بأنها مشهد جديد من مشاهد الصمود والتحدي الفلسطينيين، وهي حكاية نجاح وانتصار للعدالة والقيم الإنسانية.

يقول أبو خيزران: "هناك شق إنساني لا يمكن تغافله، يتمثل بوجود خوف مشروع لدى الحركة الأسيرة أن (يفوت القطار) على الأسرى وزوجاتهم مع تقدم العمر بهم، ولا سيما أنّ سنّ الإنجاب محدود للنساء خاصة".

وتشير الإحصائيات الرسمية لهيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينية إلى أنّ قرابة 35% من الأسرى هم من فئة المتزوجين، ومنهم محكومون بالمؤبد أو السجن مدى الحياة.

ويلفت أبو خيزران إلى أن عملهم يستند إلى فتوى شرعية وحاضنة وطنية ومجتمعية، ساهمتا في تقبل كثير من العائلات لفكرة الحمل في ظل وجود الزوج بعيداً في الأسر داخل سجون الاحتلال.

يقول أبو خيزران: "نراعي عوامل عدة، أهمها سنّ الزوجة، وحالتها الصحية، ومدة الحكم الذي يقضيه الزوج، وخلاف ذلك، نطلب من الزوجين فتوى خاصة، كما فعلنا مع محمد وابتهال، لكننا بكل الأحوال ومع ميلاد كل مولود نشعر أن أمل الحرية دنا أكثر فأكثر".

المساهمون