زراعة التين... العملة الذهبية لأهالي قرية "تل" غرب نابلس

زراعة التين... العملة الذهبية لأهالي قرية "تل" غرب نابلس

09 سبتمبر 2022
يعتاش أهل القرية من التين بشكل أساسي منذ مئات السنين (العربي الجديد)
+ الخط -

منذ أكثر من خمسة عقود والمزارع الفلسطيني علي عصيدة (70 عاماً) من قرية "تل" الواقعة إلى الغرب من مدينة نابلس شمالي الضفة الغربية يُمضي معظم أيامه بين أشجار التين، يعتني بها ويُقلّمها إن لزم الأمر، يجمع الثمار وينظفها من الأعشاب المحيطة بها، كما أنه يداويها إن أصيبت شجرة بداء أو تعرضت ساق للكسر.

"بترول تل"

الرجل الذي يشغل حالياً منصب نائب رئيس مجلس قروي "تل"، يقول لـ"العربي الجديد"، اليوم الجمعة، إنّ "(التين، وتل) اسمان لا يفترقان، فنقول (تلاوي يا تين)، لأنها شجرة مباركة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فقد ذكرت في القرآن الكريم، كما أنها (البترول) الذي يعتاش منه أهل القرية بشكل أساسي منذ مئات السنين، لذلك نشأنا تحت ظلالها، وأكلنا من خيرها، فكانت مصدر الرزق الرئيسي لنا".

الصورة
زراعة التين في نابلس (العربي الجديد)
شجرة التين مصدر رزق أهالي القرية (العربي الجديد)

ويبدأ موسم جني التين في قرية تل، في شهر يوليو/ تموز من كل عام، لكن ذروته في شهر أغسطس/ آب حتى أواسط سبتمبر/ أيلول، وما يميز زراعة التين في "تل" طبيعة التربة، والطقس المعتدل خلال السنة والبارد شتاء، كما أن التين ليس بحاجة للري.

وتنتج قرية "تل" في الموسم الذهبي نحو 15 طناً من التين، لكن في ظل الزحف العمراني تراجعت الكمية بشكل ملحوظ.

الصورة
زراعة التين في نابلس (العربي الجديد)
تنتج قرية "تل" في الموسم الذهبي نحو 15 طناً من التين (العربي الجديد)

تين حتى الشتاء

المزارع عصيدة لا يغادر أرضه إلا في أوائل ديسمبر/ كانون الأول، نظراً لأنها مزروعة بالتين "العناقي" -أي للحبة عنق-، مشيراً إلى أنه صنف معطاء مقارنة بالأصناف الأخرى، ويعدّ هذا النوع من أشهر الأنواع على مستوى فلسطين، وهو يمتاز بحلاوة طعمه، إضافة لكبر حجم الحبة، وتحمله لعوامل الطقس والنقل نظراً لشكله الكمثري وقشرته الصلبة.

يسهب عصيدة في وصف هذا الصنف من التين قائلاً: "تستمر الشجرة في إنتاجها لفترة طويلة قد تصل إلى بداية فصل الشتاء، أذكر أننا في بعض السنوات كنّا نجني ثمار التين في شهر ديسمبر/ كانون الأول، لذلك نوليها الاهتمام الكبير، ونداويها إن تعرضت لأي أذى أو أمراض".

يخرج عصيدة من تحت شجرة تين عناقي ضخمة حاملاً بيده علبة مليئة بثمار التين التي جمعها لتوه، قائلاً: "الشجرة كالإنسان، بحاجة إلى عناية مستمرة، وإقراراً بفضل شجرة التين علينا القيام بما نستطيع للحفاظ عليها حتى تعمر فترة أطول وتنتج أفضل الثمار".

الصورة
زراعة التين في نابلس (العربي الجديد)
أهل القرية استطاعوا الحفاظ عليها كثروة وطنية (العربي الجديد)

ومن المعروف أنّ شجرة التين غير معمرة كالزيتون، فهي تعيش بين 50-70 عاماً فقط، قبل أن تموت، بسبب ما يعرف بحيوان "حفار الساق"، لكن أهل القرية استطاعوا الحفاظ عليها كثروة وطنية، من خلال تجديدها ونقلها من مكان إلى آخر، إن اضطر الأمر إلى ذلك، إضافة لتجريب وسائل حماية كثيرة، واستخدام أفضل أنواع العلاجات في حال أصيبت بفيروس أو مرض معين.

جهد مضاعف

العمل في موسم التين يحتاج جهداً عائلياً وليس فردياً، فالأسرة من كبيرها لصغيرها لديهم من المهام التي تبدأ غالباً بعد صلاة الفجر مباشرة، ولا تنتهي إلا بتسويق المنتج كاملاً.

تقول الحاجة خديجة حسين "أم فادي" لـ"العربي الجديد": "منذ أن كنت طفلة وحتى اليوم، وأنا أعمل في موسم التين، بدءاً بالاهتمام بالأرض، مروراً بعملية دهن حبات التين بالزيت لتسريع نضوجها، وصولاً إلى القطف والتعبئة، وكل هذه الأعمال التي أقوم بها بكل سرور، تحتاج إلى معاونة من بقية أفراد العائلة".

الصورة
زراعة التين في نابلس (العربي الجديد)
كل عائلة في "تِل" يصل إليها خير الموسم (العربي الجديد)

اليوم أم فادي باتت جدة لأكثر من خمسة عشر حفيداً، وجميعهم تقريباً انخرطوا مع بقية أفراد الأسرة بالعمل خلال هذا الموسم، وتقول: "يأتي التين في موسم الصيف الحار، لذلك نباشر العمل قبل شروق الشمس، ونخصص مهمة رئيسية في كل يوم، وأصعبها التي تحتاج جهداً هي دهن كل حبات التين بالزيت، لمساعدتها على النضج بشكل أسرع، فتحتاج الثمرة بعدها أسبوعاً فقط حتى تنضج، وعلى النقيض إذا لم يتم دهنها بالزيت سيستمر الموسم لفترة طويلة تؤدي إلى تلف الثمار، وأقل شجرة تين تحمل ما لا يقل عن 500 حبة تين، تخيل الجهد الكبير الذي نبذله في دهنها!".

ومع النضوج تبدأ عملية القطاف، وهي أيضاً مهمة شاقة، إذ يتسلق الصغار والشباب الشجرة لجلب حبات التين من أعلاها، فيما تشكل النسوة حلقة حول الشجرة لقطف ما تصل إليه أيديهن.

وتشير أم فادي إلى أن قرية "تل" بأكملها تتحول إلى خلية نحل في موسم التين، فمَن لا يملك أرضاً مزروعة بالتين، يعمل إما بضمان الأراضي، أو تسويق المحصول، أو العمل في جني الثمار، ما يعني أن كل عائلة في "تِل" يصل إليها خير الموسم.

عوائق وتحديات

تنتج قرية "تل" ما يزيد على ثلثي الكمية المنتجة في فلسطين، ومن أبرز الأصناف؛ العناقي، الخرتماني، الحماضي، السماري، البياضي، الحماري، الموازي، الخضاري، وغيرها من أنواع التين، هي الأجود والأحلى طعماً مما تنتجه قرية "تِل"، ويباع في أسواق الضفة الغربية من شمالها لجنوبها.

لكن هناك تحديات كثيرة قد تهدد هذه الشجرة "الاستراتيجية"، أبرزها انتشار الأوبئة والآفات، والامتداد العمراني الذي أتى على الأراضي المزروعة بالتين، لكن التحدي الأبرز هو تذبذب السعر، وصعوبة الوصول إلى أسواق جديدة لتسويق التين.

الصورة
زراعة التين في نابلس (العربي الجديد)
هناك تحديات كثيرة قد تهدد هذه الشجرة "الاستراتيجية" (العربي الجديد)

يقول عضو مجلس قروي "تل" عمر اشتية، إنّ المجلس القروي بالتعاون مع وزارة الزراعة نظم خلال السنوات الماضية، مهرجانات تسويقية لفتح أسواق جديدة للتين، سعياً لتسويقه في إطار أوسع من القرية والقرى المجاورة، ومدينة نابلس التي تعد السوق الأبرز.

ويتابع اشتية، "لكن كانت الحاجة ماسة للدخول إلى أسواق أخرى، في جنوب الضفة مثل الخليل وبيت لحم، وفي القدس والداخل الفلسطيني المحتل عام 1948، خاصة في المواسم ذات الإنتاج الغزير، فوجود كميات كبيرة من التين مع أسواق محدودة سيهوي بالسعر، لأن المعروض سيكون أكثر من المطلوب، لكن يبدو أن تلك المهرجات لم تحقق الغاية منها".

ويدعو اشتية الجهات المختصة إلى دعم مزارعي قرية "تل" للحفاظ على هذا المنتوج الوطني العريق، ويقول: "لا يمكن لنا يوماً أن نتخيل وجود تين مستورد في الأسواق الفلسطينية".

المساهمون