دوامة عنف بلا ردع في شمال غرب باكستان

دوامة عنف بلا ردع في شمال غرب باكستان

24 أكتوبر 2022
تتحجج أجهزة الأمن الباكستانية بعدم قدرتها على لجم العنف (صابر مظهر/الأناضول)
+ الخط -

يواجه سكان مناطق شمال غربي باكستان، منذ مدة، أعمال عنف ينفذها مسلحون في الشوارع الرئيسية. ونظم سكان احتجاجات للمطالبة بحسم السلطات الوضع الأمني، قبل أن تستهدف هجمات دموية حافلات مدارس.

في وقت تستمر التظاهرات في مناطق شمال غربي باكستان، وتحديداً في منطقة وادي سوات السياحية الراقية وأخرى مجاورة، ضد موجات العنف الجديد التي طاولت شرائح مختلفة، أثار الهجوم المسلح الذي استهدف حافلة مدرسية وأدى إلى مقتل سائقها وجرح ثلاثة طلاب، في 10 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، قلق المواطنين بشكل كبير، خاصة أن اليوم ذاته شهد شن هجوم آخر في منطقة دير المجاورة، وأسفر عن جرح 4 طلاب.
وبعد الهجوم على الحافلة في وادي سوات، حمل مئات من السكان، بينهم أفراد ينتمون إلى قبائل، جثمان السائق، ونظموا اعتصاماً لمدة يومين في غول باغ. وأيد المجلس القبلي المعروف محلياً باسم "سوات جرغا" الاعتصام، وشارك أعضاؤه فيه، فيما أصرّ المعتصمون على رفض دفن جثمان السائق حتى تتحرك الشرطة وأجهزة الأمن لاعتقال الضالعين في القضية التي أكدوا أنها "إرهابية، ونفِذت لبث الذعر بين السكان".
وبعد يومين من المفاوضات، رضيت القبائل بدفن جثمان السائق بأمل أن تتحرك أجهزة الأمن لاعتقال ومقاضاة الضالعين في الحادث، وكذلك في الهجوم على طلاب مدرسة منطقة دير، وهو ما وعدت به الحكومة.
وكان رئيس المجلس القبلي في سوات، فواد خان، حدد في كلمة ألقاها أمام متظاهرين المطالب بتقديم أجهزة الأمن توضيحات في شأن الهجومين على الطلاب، "فالظاهرة خطرة وتبث الذعر والخوف في صفوف المواطنين، وقد تجبر كثيرين ممن يستطيعون العيش في مناطق أخرى على الخروج من المنطقة، وهو ما تريد أن تحققه بعض الجهات". 
كما طالب الأجهزة ذاتها بكشف ملابسات قتل شاب وأبيه اتهما بالانتماء إلى حركة "طالبان باكستان"، في حين أنهما من أبناء القبائل. وشدد على أن المطلب الأول والأخير للسكان هو توفير الأمن والسلام في وادي سوات، وعدم تكرار حوادث عام 2009 لأنهم غير مستعدين لترك منازلهم هذه المرة.
وشهدت منطقة وادي سوات تظاهرات ومسيرات احتجاج خلال فترات متقطعة منذ أن ظهر المسلحون بشكل مفاجئ فيها، واستهدفوا قوات الشرطة والأمن وزعماء قبليين في شوارع رئيسة، لا سيما الموالين للحكومة والأمن والشرطة. ثم أجج الهجوم الأول على الحافلة المدرسية في منطقة محصنة أمنياً، والثاني في اليوم ذاته على مجموعة طلاب في منطقة دير المجاورة، هذه التظاهرات، التي اكتسبت زخما أكبر بعدما زاد عدد المشاركين فيها للتعبير عن خشيتهم من تكرار سيناريو عام 2009 عندما سيطرت "طالبان باكستان" على المنطقة، ما دفع الجيش إلى إطلاق عملية واسعة ضدها جعلت المنطقة السياحية أثرا بعد عين.

وقال الزعيم القبلي محمد مولى لـ"العربي الجديد": "لن نترك منطقتنا هذه المرة كي تصبح مرتعاً للمسلحين وميداناً للصراعات بين الجماعات المسلحة من جهة، ومن جهة أخرى بينها وبين القوات الباكستانية. نعرف ما حل بنا حين أغلقت طالبان باكستان مدارس البنات وفرّ الناس من المنطقة، وأصبحوا نازحين في مختلف مناطق البلاد، وحل بهم الفقر والعوز، وحرم جيل كامل من التعليم، وقتل وجرح آلاف، وأصبح آلاف في عداد المفقودين لا يُعرف مصيرهم حتى الآن. نتمسك بالموت هنا أو العيش في منازلنا، وإذا عجزت أجهزة الأمن عن التصدي للمسلحين فسندافع عن أراضينا، فنحن قبائل لنا نظام وكلمة، وقرارنا الحالي عدم الخروج من المنطقة، وسنرى ماذا سيحصل في المستقبل".

وأكد المولى أن الهجوم على أطفال المدرسة زرع الرعب والخوف في نفوس الآباء والأمهات، رغم أنهم يواصلون إرسال أطفالهم إلى المدارس، في حين لا يتردد في اتهام الحكومة بـ"تلفيق التقارير، فالجميع يعرف أن الهجوم على حافلة المدرسة كان عملاً إرهابياً، لكن تقرير الشرطة أورد أنه نتج من خصام شخصي، وهذا زعم غير صحيح، فهو جاء ضمن سلسلة هجمات إرهابية، ما أغضب القبائل، وأجبر الشرطة على تعديل التقرير، وقبلوا أن الهجوم عملية إرهابية".

الصورة
يريد الباكستانيون الأمن والسلام (قيصر خان/ الأناضول)
يريد الباكستانيون الأمن والسلام (قيصر خان/ الأناضول)

من جانبها، طالبت الناشطة في مجال التعليم والحاصلة على جائزة نوبل للسلام ملالا يوسفزاي، وهي من سكان وادي سوات وتعرضت لعملية اغتيال بسبب مواقفها لدعم تعليم الفتيات في أكتوبر/ تشرين الأول عام 2012، ومرت بمرحلة صحية حرجة بعدما أصيبت برصاصة في رأسها قبل أن تشفى وتستأنف نشاطها في دعم تعليم الفتيات. وقالت لوسيلة إعلامية مقرها كراتشي في 13 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري: "ما يحصل في وادي سوات خصوصاً وشمال غرب باكستان عموماً مؤسف للغاية ومقلق، وحين سمعت نبأ الهجوم على حافلة مدرسية دُهشت، وتذكرت الحالة التي عشتها". 
وناشدت ملالا، التي تزور باكستان حالياً، الحكومة والمؤسسة العسكرية، خاصة الاستخبارات، العمل لمنع موقع منطقة وادي سوات السياحية الراقية في أتون الحرب مجدداً "فالمنطقة لا تتحمل ذلك، والشعب المظلوم واجه الكثير من مآسي الحرب، وهو فعلياً في حال تعاف، لكن مؤشرات حرب جديدة بدأت تظهر".
وكان وزير الدفاع الباكستاني خواجة آصف صرح، في 15 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، بأن المخاطر الأمنية زادت في شمال غرب البلاد، خاصة في وادي سوات. وألقى باللائمة على الحكومة المحلية لإقليم خيبربختونخوا (شمال غرب) التي يرأسها حزب رئيس الوزراء السابق عمران خان، المعارض للحكومة حالياً، مؤكداً أن "الحكومة المركزية ستبذل قصارى جهدها لإحلال الأمن في شمال غرب البلاد، لكن المسؤولية الأولى تقع على عاتق الحكومة المحلية".
وبين وعود الحكومة المركزية واتهامها الحكومة المحلية بالتباطؤ، يضيع الأمن في وادي سوات الذي بات جميع مواطنيه في دائرة الخطر، خصوصاً شريحة الطلاب، وهو ما يقلق قادة القبائل.

المساهمون