خارج الزمن... فهم "طالباني" ضيّق لحقوق الأفغانيات

خارج الزمن... فهم "طالباني" ضيّق لحقوق الأفغانيات

14 اغسطس 2022
أحلام الأفغانيات مستحيلة في ظل حكم "طالبان" (دانيال ليل/ فرانس برس)
+ الخط -

بين عامي و2001 و2021، أحرزت الأفغانيات تقدماً ملحوظاً وكبيراً في ظل الدعم والاهتمام الدولي بالحريات العامة وبقضاياهن تحديداً، والذي تجلى في صرف أموال ضخمة للغاية على المؤسسات التي تعنى بشؤونهن، مثل وزارة شؤون النساء، وفروع النساء في بعض الوزارات، ولجنة حقوق الإنسان، ومؤسسات دولية ومحلية أخرى. 
وأثمرت هذه الجهود سلوك البنات طريق المدارس، حتى في المناطق الريفية النائية التي تتجذر فيها الأعراف القبلية. كما دخلت المرأة البرلمان وتولت مناصب سيادية، وعملت بنجاح في حقول التجارة والاقتصاد والصناعة.
لكن مع سيطرة طالبان على كابول في 15 أغسطس/ آب 2021، ذهب كل ذلك التقدم أدراج الرياح، وكان من الطبيعي ألا تسمح "طالبان" للمرأة الأفغانية بالمكاسب التي حققتها في زمن الحكومات الديمقراطية، رغم أن مهتمين بالقضية كانوا يتوقعون أن تغيّر "طالبان" الصورة التي عرفت بها في تسعينيات القرن العشرين. 
ويرى محللون أن "طالبان" تغيّرت في جوانب كثيرة، لكن في ما يخص المرأة كان التغيير طفيفاً للغاية أو شبه معدوم. وقد ألغت فور عودتها إلى الحكم وزارة شؤون النساء، ولجنة حقوق الإنسان التي كانت تهتم أساساً بحقوق المرأة، كما منعت النساء من الذهاب إلى العمل إلا في قطاعات قليلة، مثل الصحة والتعليم والشرطة، علماً أنها كانت تشكل سابقاً نسبة كبيرة من الموظفين والعاملين في الدوائر الحكومية.

كل أنواع المناصب والعمل... ثم القيود
تقول النائبة والسفيرة الأفغانية السابقة في النرويج خلال عهد حكومة أشرف غني، شكريه باركزاي، لـ"العربي الجديد": "اضطلعت المرأة الأفغانية بدور كبير في تدوين دستور البلاد عام 2004، واستطاعت بدعم من المجتمع الدولي أن تحافظ على موقعها في الدستور، وتحصل لاحقاً على حقوقها، وشكلت نسبة 30 في المائة من موظفي الدولة في الخدمات العامة، وتولت مناصب وزارية وبرلمانية ودبلوماسية، وعينت في رئاسة البلدية، وعملت في التجارة ومجالات التعليم والثقافة، وخدمت بالتالي المجتمع كله. ومثّل ذلك إنجازاً كبيراً في مجتمع محافظ".
تضيف: "المعروف أن طالبان طبقت نهجاً خاصاً في التعامل مع النساء منذ أن ظهرت في قندهار في تسعينيات القرن العشرين، ثم حرمتها من كل حقوقها في التسعينيات، وكان هذا متوقعاً، وكررت ذلك حين سيطرت على كابول قبل سنة، وهو ما لم يقبله المجتمع الدولي الذي لم يعترف بحكومتها. وبلغ تدخل طالبان الحالي في شؤون المرأة الخاصة مثل الملابس وتغطية الوجه، ما يشير إلى أنها غير مؤهلة لحكم البلاد".
ولم تكتف "طالبان" بمنع النساء من الذهاب إلى مكاتب العمل والدوائر الحكومية، بل فرضت عليها قيوداً جديدة من شأنها أن تحد حركتها وحريتها، منها وضع غطاء الوجه في الأماكن العامة، مع تقديم إنذار لها في حال التخلف. ولم تقف الأمور عند هذا الحد، بل أمرت حكومة "طالبان" باعتقال كل صاحب منزل تخرج نساؤه من دون تغطية وجوههن، بحسب مرسوم أصدرته وزارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في 7 مايو/ أيار الماضي.

الصورة
أبعدت "طالبان" الأفغانيات عن غالبية الأعمال (ليليان سوانرومفا/ فرانس برس)
أبعدت "طالبان" الأفغانيات عن غالبية الأعمال (ليليان سوانرومفا/ فرانس برس)

أكل وشرب وإيواء فقط
تقول الناشطة الأفغانية التي عملت سابقاً في وزارة الشؤون الدينية حبيبة عبد الله لـ"العربي الجديد": "المشكلة الأساس لدى طالبان هي طريقة فهمها الدين عموماً وقضية النساء خصوصاً بأسلوب ضيّق جداً، في حين تحتاج البلاد إلى أمور أساسية كثيرة أخرى. وهكذا حرمت حكومة طالبان المرأة من العمل،  والدراسة، كما تحاول تجريدها من حقوقها الاجتماعية".
تضيف: "تنظر طالبان إلى المرأة في المدن كنظيرتها في الريف، وتحصر حقوقها في الأكل والشرب والإيواء، أما التعليم والعمل فحقوق للرجال فقط. وهذه نظرة خاطئة ومفهوم بعيد عن المساواة في الدين الإسلامي".
وفيما تضم أفغانستان عدداً كبيراً من الأرامل والنساء اللواتي خسرن رجالهن خلال الحروب التي استغرقت أربعة عقود، ويحتجن بالتالي إلى عمل، وهو ما حاولت حكومات سابقة توفيره في ظل الدعم الدولي، تقول كبرى نصرت الله التي عملت سابقاً موظفة في القسم اللوجستي بوزارة الداخلية لـ"العربي الجديد: "أخذت حكومة طالبان بتصرفاتها الحياة مني ومن أولادي. قتل زوجي حين كان ضابطاً في الشرطة في انفجار وقع بكابول في مارس/ آذار 2008. وبعده قدمت طلباً للحكومة التي عينتني في وزارة الداخلية، وكنت أتقاضى راتباً جيداً، أسيّر به أمور المنزل وشؤون أولادي الستة، لكنني بت الآن أجلس بلا عمل ولا راتب في المنزل، ويخرج ابني الأكبر فريدون للعمل مقابل أجر يومي، بعدما ترك دراسته، وهو في الـ19 من العمر فقط، ويجد عملاً أحياناً، ويفشل أحياناً أخرى".

الصورة
ذرائع مختلفة لـ"طالبان" لحرمان المرأة من حقوقها (وكيل كوشار/ فرانس برس)
ذرائع مختلفة لـ"طالبان" لحرمان المرأة من حقوقها (وكيل كوشار/ فرانس برس)

مسافة السفر
بحكم الأعراف القبلية، لا تسافر المرأة الأفغانية في الأرياف، ولا تخرج حتى من منزلها، لكن الأمر يختلف في المدن حيث تخرج المرأة إلى العمل والدراسة والسوق. وفي السنوات الأخيرة أظهرت المرأة خبرة كبيرة في التجارة والصناعة، ثم حدّت "طالبان" في مرسوم أصدرته وزارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حركة سفر المرأة بلا رجل بمسافة لا تزيد عن 70 كيلومتراً. كما طلبت الوزارة سائقي سيارات الأجرة بعدم السماح بسفر النساء من دون حجاب، وعدم قبول وجود نساء في السيارة من دون محرم، إذا كن سيسافرن مسافة تزيد عن 70 كيلومتراً. وفي 28 مارس/ آذار الماضي، أمرت حكومة "طالبان" شركات الطيران بمنع صعود النساء على متن طائرات، في حال لم يرافقهن رجال.

لا شرعاً ولا قانوناً
وتعلّق الحقوقية والخبيرة القانونية بريشنا جانه مؤمن بالقول لـ"العربي الجديد": "ينفطر قلبي لحال النساء اللواتي خسرن كل شيء الحرية والعمل والتعليم، حتى شخصيتهن وحرياتهن الخاصة. تتواجد أرامل وعانسات في بلدنا، وقتل مئات الآلاف من الرجال ما جعل نساء كثيرات بلا رجال. كيف ستعيش كل النساء في ظل قيود طالبان التي ليست شرعاً ولا قانوناً؟ الواقع أن القوانين الدولية والشريعة الإسلامية تسمح بسفر المرأة، ونحن لسنا في الأزمنة التي كانت المرأة تخاف فيها على نفسها، ولا تسافر في طرقات تعبر الغابات. تطورت الدنيا، والسفر على متن الطائرات أمن للغاية، وكيف ستجد المرأة دائماً رجلاً للسفر معها، هذا ليس حكماً لبلاد، بل فرض نمط خاص لا يتماشى مع هذا الزمن".
وإلى جانب كل ذلك، فقدت المرأة الأفغانية أيضاً عدالة المحاكم التي باتت لا تستمع لصوتها، أو تسمح لها حتى بطرق أبوابها. والقاضيات اللواتي كن ينظرن في قضايا النساء في عهد الحكومات السابقة يواجهن الآن ظروفاً سيئة للغاية بعد إيقافهن عن العمل. هذا ما تؤكده مدعية عامة تدعى كلالي معتصم التي تقول لـ"العربي الجديد": "لا حقوق الآن للمرأة الأفغانية في المحاكم ومكاتب الادعاء العام. ذهبت إلى المكتب في الأيام الأولى لتولي طالبان السلطة، فاستدعاني المدير، وقال لي إذا جئت إلى المكتب مرة أخرى ووجهي مكشوف سيأمر الحراس بإطلاق النار عليّ".

"مريضات نفسياً"
وكانت "طالبان" قد سمحت بأن تفتح الجامعات الخاصة والحكومية أبوابها لاستقبال الطلاب والطالبات في الثاني من فبراير/ شباط الماضي بشروط جديدة وآليات خاصة، أهمها الفصل بين الذكور والإناث عبر ترتيب الدراسة في أيام مختلفة، أو تغيير الوقت بين البنين والبنات، أو الفصل بينهما داخل الصف واحد، ما أثرّ على نفسيات الطالبات.
وتقول الطالبة شيبا حرير، وهي التي تدرس في كلية القانون بجامعة خاصة لـ"العربي الجديد": "أكمل دراستي تنفيذاً لرغبة أسرتي، وإلا فلا أمل لدي، فماذا سأفعل بشهادتي إذا كانت طالبان لا تسمح لنا بالخروج من المنزل والعمل؟ كنت أحلم أن أكون قاضية لأساعد النساء في بلدي، لكن بدأت في دفن هذه الأحلام".
وعن مدارس البنات فوق الصف السادس وحتى الصف الثاني عشر، فلم تحسم "طالبان" أمرها، وأبقت أبوابها مغلقة بذرائع مختلفة تشمل تارة الميزانية غير الموجودة، وتارة أخرى درس آليات التعليم، ما أحبط الطالبات وذويهن. وتقول سمية صبا شريفي التلميذة في الصف التاسع بمدرسة خاصة في كابول لـ"العربي الجديد": "لم تمنعنا طالبان من التعليم فقط، بل جعلتنا مريضات نفسياً. أبكي نهاراً وليلاً حلمي الضائع بأن أكون طبيبة". 
وكانت حكومة "طالبان" قد سمحت بأن تعمل المرأة في قطاعي الصحة والتعليم، وبعض الدوائر الأمنية مثل إدارة جوازات السفر. كما باتت المرأة تزاول أعمالاً تجارية بشكل طفيف عبر أسواق خاصة بها أو مصانع داخل المنازل.
 

المساهمون