مدارس سرية.. أفغانيات يتحدين طالبان بمتابعة تعليمهنّ

مدارس سرية.. أفغانيات يتحدين طالبان بمتابعة تعليمهنّ

09 اغسطس 2022
التزام مطلق لتلميذات أفغانيات بأحد الصفوف التعليمية (ليليان سوانرومفا/ فرانس برس)
+ الخط -

اكتشفت نفيسة مكاناً مثالياً لإخفاء كتبها المدرسية عن عينَيْ شقيقها الذي ينتمي إلى حركة طالبان، وذلك في المطبخ الذي يدخله نادراً الرجال الأفغان. فنفيسة واحدة من مئات آلاف الفتيات والشابات اللواتي حُرمنَ التعليم منذ عودة الحركة المتشدّدة إلى السلطة قبل عام. لكنّ تعطّش هؤلاء إلى التعلّم لم يخفت، وتقول نفيسة التي ترتاد مدرسة سرية في إحدى قرى شرق أفغانستان: "ليس للرجال ما يفعلونه في المطبخ، لذلك أحتفظ بكتبي هناك"، مضيفة: "إذا علم شقيقي بالأمر، فإنّه سيتعرّض لي بالضرب".

منذ عودتها إلى السلطة في أغسطس/ آب 2021، فرضت حركة طالبان قيوداً صارمة على الفتيات والنساء الأفغانيات، الأمر الذي أدّى إلى إبعادهنّ فعلياً عن الحياة العامة، علماً أنّ الحركة كانت قد وعدت عند سيطرتها على مقاليد الحكم بأن تكون أقلّ تشدداً مقارنة بفترة حكمها السابقة ما بين 1996 و2001 التي سُجّلت في خلالها انتهاكات لحقوق الإنسان. لكنّ الحركة زادت من تشديد القيود على حقوق الأفغان، ولا سيّما الفتيات والنساء؛ فمُنعت التلميذات من العودة إلى المدارس الثانوية، فيما حُرمت النساء العاملات وظائف عامة كثيرة. كذلك مُنعت النساء في كلّ أنحاء البلاد من السفر دون محرم لمسافة طويلة، وأمرتهنّ السلطات بتغطية وجوههنّ في الأماكن العامة مع تفضيل ارتداء البرقع.

ومع عدم السماح بإعادة فتح الثانويات الخاصة بالإناث في مناطق كثيرة من أفغانستان، ظهرت مدارس سريّة في غرف منازل عادية في أنحاء مختلفة من البلاد. وقد زار فريق من صحافيي وكالة فرانس برس ثلاثاً من هذه المدارس، وأجرى مقابلات مع تلميذات ومدرّسات حُجبت أسماؤهنّ الفعلية حفاظاً على سلامتهنّ.

الصورة
مدارس سرية للفتيات في أفغانستان 2 (دانيال ليل/ فرانس برس)
لا تهاون مع الواجبات المدرسية (دانيال ليل/ فرانس برس)

"نريد الحرية"

سبّبت الاضطرابات التي شهدتها أفغانستان على مدى عقود تدمير نظام التعليم في البلاد، لذلك ما زالت نفيسة تدرس مواد المرحلة الثانوية، على الرغم من أنّها في العشرين من عمرها. فقط والدتها وشقيقتها الكبرى تعرفان بأمرها. أمّا شقيقها، فقد قاتل على مدى سنوات في صفوف حركة طالبان الحكومة الأفغانية السابقة والقوات بقيادة الولايات المتحدة الأميركية في الجبال، ولم يعد إلى الديار إلا بعد انتصار الحركة، وقد تشبّع بعقيدتها المتشدّدة التي تقول إنّ "مكان المرأة هو المنزل". لكنّه سمح لشقيقته بارتياد مدرسة دينية لتدرس القرآن صباحاً.

وفي فترة ما بعد الظهر، تخرج نفيسة خلسة من المنزل لحضور صفوف تعليمية سريّة تنظّمها "الجمعية الثورية لنساء أفغانستان". وتقول: "قبلنا تحمّل هذا الخطر، لأنّنا من دونه سنبقى غير متعلّمات"، مضيفة: "أريد أن أصبح طبيبة... نريد أن نحقق شيئاً ما... نريد الحرية وخدمة المجتمع وبناء مستقبلنا". وعندما زارت وكالة فرانس برس المدرسة السرية التي تقصدها نفيسة، كانت الشابة مع تسع أفغانيات أخريات يناقشنَ حرية التعبير مع مدرّستهنّ ويجلسنَ جنباً إلى جنب على سجادة ويتناوبنَ على قراءة كتاب بصوت عالٍ.

ومن أجل الوصول إلى المدرسة، غالباً ما تغادر التلميذات منازلهنّ قبل ساعات ويسلكنَ طرقات مختلفة لتجنّب رؤيتهنّ في منطقة معظم سكانها من البشتون الذين يشكّلون الجزء الأكبر من عناصر حركة طالبان. وإذا سأل المقاتلون الفتيات والشابات عن وجهتهنّ، فإنّهنّ يجبنَ بأنّهنّ مسجّلات في ورشة خياطة، علماً أنّهنّ يخفينَ كتبهنّ في أكياس تسوّق أو تحت عباءاتهنّ أو براقعهنّ. وهنّ لا يخاطرنَ بذلك فحسب، بل يقدّمنَ تضحيات كذلك، مثل شقيقة نفيسة التي تركت هذه المدرسة لقطع أيّ شكوك قد تراود شقيقهما.

الصورة
مدارس سرية للفتيات في أفغانستان 3 (ليليان سوانرومفا/ فرانس برس)
تعدّ التلميذات كذلك مشاريع يتشاركنَها مع زميلاتهنّ (ليليان سوانرومفا/ فرانس برس)

لا مبرّر في الإسلام

بالنسبة إلى علماء دين، لا مبرّرات في الإسلام لحظر تعليم الفتيات في المدارس الثانوية، في حين أنّ حركة طالبان ما زالت تصرّ بعد عام من توليها السلطة على أنّها ستسمح باستئناف التعليم من دون تحديد موعد لذلك. يُذكر أنّ هذه المسألة أحدثت انقساماً في الحركة، فيما أفادت مصادر عدّة وكالة فرانس برس بأنّ فصيلاً متشدداً ينصح المرشد الأعلى للحركة الملا هبة الله أخوند زاده بمعارضة أي تعليم للفتيات، أو في أفضل الأحوال قصر التعليم على الدراسات الدينية أو صفوف تدريبية على الطبخ والتطريز، على سبيل المثال. وعلى الرغم من ذلك، يبقى الموقف الرسمي أنّ عدم استئناف الدراسة يعود إلى "مسألة تقنية"، وأنّ الفصول الدراسية ستعود بمجرّد وضع منهج قائم على القواعد الإسلامية.

بالتزامن مع ذلك، ما زالت تلميذات المرحلة الابتدائية يرتدنَ المدارس، حتى الآن على الأقل، وما زالت الطالبات يرتدنَ الجامعات، في حين أنّ المحاضرات تعطى منفصلة للذكور والإناث، مع تقليص بعض المواد بسبب نقص في الأساتذة الإناث. لكنّه لن يكون في مقدور الشابات الخضوع لامتحانات قبول في الجامعات من دون شهادة المرحلة ثانوية، وبالتالي فإنّ الطالبات الحاليات قد يكنّ الدفعة الأخيرة من المتخرّجات في البلاد في المستقبل المنظور.

وفي هذا الإطار، يوضح الباحث عبد الباري مدني لوكالة فرانس برس أنّ "التعليم حقّ ثابت في الإسلام للرجال والنساء على حدّ سواء"، مضيفاً: "إذا استمرّ هذا الحظر، فستعود أفغانستان كما كانت عليه في القرون الوسطى... سيُدفَن جيل كامل من الفتيات".

جيل ضائع

وهذا التخوّف من احتمال ظهور جيل ضائع، هو ما دفع المدرّسة تمكين إلى تحويل منزلها في كابول إلى مدرسة. وكادت هذه المرأة الأربعينية أن تخسر مستقبلها بعدما أُجبرت على التوقّف عن الدراسة في خلال فترة حكم طالبان الأولى بين عامَي 1996 و2001، عندما حُظر تعليم الفتيات. وقد احتاجت تمكين إلى سنوات من التعليم الذاتي لكي تصبح مدرّسة، إلا أنها فقدت وظيفتها في وزارة التعليم عندما عادت حركة طالبان في العام الماضي إلى السلطة.

وبدعم من زوجها، حوّلت تمكين في البداية مستودعاً في منزلها إلى غرفة صفّ، ثمّ باعت بقرة تملكها عائلتها لتأمين الكتب، إذ إنّ الفتيات اللواتي يأتينَ إلى "مدرستها السريّة" هنّ من أسر فقيرة ولا يستطعنَ شراءها. واليوم، تدرّس تمكين اللغة الإنكليزية والعلوم لنحو 25 تلميذة. وتظنّ مليحة البالغة من العمر 17 عاماً، وهي واحدة من تلميذات تمكين، أنّه سيأتي يوم ترحل فيه حركة طالبان عن السلطة، مضيفة: "سنستخدم معرفتنا في أمر مفيد".

الصورة
مدارس سرية للفتيات في أفغانستان 4 (دانيال ليل/ فرانس برس)
تعاون في الدراسة من أجل نتائج فضلى (دانيال ليل/ فرانس برس)

"لسنا خائفات"

في إحدى ضواحي كابول، في متاهة من المنازل الطينية، تعطي ليلى كذلك دروساً بطريقة سرّية. فهي بعدما لاحظت الخيبة على وجه ابنتها بعد إلغاء قرار إعادة فتح المدارس الثانوية، أدركت أنّ عليها القيام بأمر ما. وتقول المرأة البالغة من العمر 38 عاماً: "إذا كانت ابنتي تبكي، فمن المؤكد أنّ فتيات أخريات يبكينَ كذلك". وتتجمّع 12 فتاة يومَين في الأسبوع في منزل ليلى الذي يضمّ باحة وحديقة تزرع فيها الخُضَر والفاكهة. وتقول كوثر البالغة من العمر 18 عاماً: "نحن لسنا خائفات من طالبان".

لكنّ الحق في الدراسة ليس الهدف الوحيد لفتيات ونساء أفغانيات، اللواتي يُصار إلى تزويجهنّ في أحيان كثيرة لرجال يقسون عليهنّ أو يفرضون عليهنّ قيوداً صارمة. على سبيل المثال، زهراء التي ترتاد مدرسة سريّة في شرق أفغانستان، زُوّجت عندما كانت في الرابعة عشرة من عمرها، وهي تعيش حالياً مع أهل زوجها الذين يعارضون فكرة حضورها صفوفاً تعليمية. وهي اليوم تتناول أقراصاً منوّمة لمواجهة الأرق والقلق، إذ تخشى أن يخضع زوجها لمشيئة أسرته ويبقيها في المنزل. وتخبر زهراء وكالة فرانس برس، قائلة: "أقول لهم (أهل زوجها) إنّني ذاهبة إلى السوق المحلي وآتي إلى هنا".

(فرانس برس)

المساهمون