جحيم 2100... أجيال الأوروبيين إلى درجة حرارة "لا تطاق"

جحيم 2100... أجيال الأوروبيين إلى درجة حرارة "لا تطاق"

15 نوفمبر 2022
حرارة دول القارة الجنوبية قريباً إلى اسكندنافيا (أزغة إيليف/ الأناضول)
+ الخط -

لا ينشغل الأوروبيون بالتغيّرات المناخية فقط من منطلق الترف بقضايا قد تبدو أقل أهمية مقارنة بالمآسي الكثيرة التي تعيشها الكثير من المجتمعات حول العالم في هذه الأيام، وتلك المتوقعة في السنوات القليلة المقبلة. فالأبحاث الأوروبية تكشف أن هذا الانشغال بالقارة العجوز يستند إلى ما ستؤول إليه درجات حرارة في دولها بعد نحو 80 سنة. وما سيحصل ببساطة هو أن من سيولدون في هذه الأيام والسنوات المقبلة سيواجهون "ما لا يطاق"، فقبل نهاية القرن الحالي ببضعة عقود سيكون الاحترار العالمي المتزايد متداولاً في شكل دقيق وعميق بين أخبار النشرات اليومية للطقس. 

السيناريو الذي يحذر منه خبراء البيئة، بالتزامن مع مؤتمر مناخ "كوب 27" الدولي المنعقد حالياً في مدينة شرم الشيخ المصرية، قد يجعل مثلاً سكان الدول الاسكندنافية التي كان يطلق عليها اسم "الباردة" يعيشون في ظل حرارة دول القارة الجنوبية التي تطل على البحر الأبيض المتوسط. 

وهكذا لا يستبعد قدوم مزارعين لكروم العنب من ألمانيا وفرنسا عام 2100 إلى زملائهم في الدنمارك خلال مراحل إنتاج النبيذ، من أجل الإفادة من الظروف المناخية السائدة في أراضيهم لتحقيق هدف التغلب على مشكلات ارتفاع درجات الحرارة. 
وفي دول جنوبي القارة الأوروبية، المحاذية للبحر المتوسط خصوصاً، ستبلغ درجات الحرارة 50 مئوية خلال فصل الصيف، ما يحوّل مناطق كاملة إلى جرداء وغير مروية وسط جفاف الأنهر، وهو ما عاشته أوروبا صيف العام الحالي.
وبالعودة إلى ربيع العام الحالي، كان مارس/ آذار على سبيل المثال الأكثر جفافاً في تاريخ متابعة الطقس في دول اسكندنافيا، ما يوضح إلى أي مدى بات التغير المناخي على المحك إذا أرادت المجتمعات الثرية النجاة في المستقبل. والمشكلة لا تشمل دولة واحدة في أوروبا، إذ يدرك الجميع صيف هذا العام ما يعنيه الاستخفاف بالتغيّرات المناخية، فأنهر القارة العجوز الكبيرة، مثل بو في إيطاليا والراين في أوروبا الوسطى، أصبحت شبه خالية من المياه. ولم تضرب كارثتا تبخّر الماء والجفاف اللتان لم تعرفهما القارة منذ العصر الجليدي القطاع الزراعي فقط، إذ أثرّت على انتقال البضائع بين دول أوروبا باستخدام هذه الأنهر، وأضرّت بجهود توليد الطاقة الحديثة عبر المحطات النووية، لأن بعض الدول أطفأت التوربينات الكبيرة بسبب نضوب مياه التبريد، خشية حصول كوارث نووية. 
وفي إيطاليا وإسبانيا تحديداً، أوقف مزارعون الإنتاج الزراعي بسبب ندرة المياه وانحسار الأمطار. 

الصورة
سيكون متوسط الحرارة جنوب القارة 50 درجة مئوية (إيزر رادليس/ فرانس برس)
سيكون متوسط الحرارة جنوب القارة 50 درجة مئوية (إيزر رادليس/ فرانس برس)

وتشير أرقام دراسة أجريت في الدنمارك إلى أن درجات الحرارة التي شهدتها فرنسا وبريطانيا وإسبانيا الصيف الماضي تراوحت بين 40 و45 درجة مئوية، وكذلك إلى غاية بدء موسم هطول الثلوج في الدول الاسكندنافية في أكتوبر/ تشرين الأول ونوفمبر/ تشرين الثاني. لكن التوقعات السيئة للقيمين على الدراسة تتوقع الأسوأ للمستقبل، خصوصاً أن أرقام خدمة المناخ الأوروبية "كوبرنيكوس" تكشف أن مدن أوروبا باتت أمام زيادة حرارة بـ2.5 درجة مئوية حالياً، وهي الأعلى منذ عام 1880. 
ويبدي الخبراء الأوروبيون الذين يتابعون أنماط تغيّر درجات الحرارة ثقتهم بأن المناخ العالمي أصبح بالفعل أكثر دفئاً حالياً بدرجات تتراوح بين 1.1 و1.2 مئوية، ويتوقعون أن يستمر هذا الارتفاع بغض النظر عما سيتفق عليه المجتمعون في "كوب 27".
واللافت أن توقعات زيادة درجات حرارة الدول في أوروبا لا تتوقف فقط عند 1.2 درجة، فالمدن الكبيرة تشهد ارتفاعات تتجاوز حتى 2.5 درجة، مع توقع مزيد من التطرف المناخي في المستقبل، بحسب ما يقول رئيس المركز الوطني لأبحاث المناخ في الدنمارك أدريان ليما. 
ويشدد ليما، استناداً إلى نتائج أبحاث مختلفة، على أن "ما شهدته أوروبا خلال الصيف لم يفاجئ خبراء المناخ الذي يؤمنون بأن درجات الحرارة ستصبح أكثر تطرفاً، وأن الظواهر المتطرفة الحالية ستكون أكثر شيوعاً، وغير استثنائية في المستقبل". 
والحقيقة أن عالم اليوم يختلف عما كان عليه قبل سبع سنوات تحديداً، حين وقعت 195 دولة على اتفاق باريس للمناخ عام 2015، والذي دعا إلى تسريع التعاون في سبيل لجم ارتفاع درجات الحرارة، والسيطرة على ظاهرة الاحتباس الحراري الجنونية للقارة الأوروبية وباقي دول العالم، وذلك من خلال الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. 
وألزم اتفاق باريس للمناخ، كما بات معروفاً، الدول بالحفاظ على ارتفاع درجات الحرارة دون درجتين، مع تحديد 1.5 درجة مئوية كمستوى أفضل، مقارنة بمستوى عصر ما قبل الصناعة. 

الصورة
أوقف مزارعون في إيطاليا وإسبانيا منتجات بسبب ندرة المياه وانحسار الأمطار (باسكال غويو/ فرانس برس)
أوقف مزارعون في إيطاليا وإسبانيا منتجات بسبب ندرة المياه وانحسار الأمطار (باسكال غويو/ فرانس برس)

حماسة وتفاؤل أقل
وفي مدينة شرم الشيخ المصرية التي تحتضن قمة المناخ "كوب 27" يبدو جلياً تراجع الحماسة ودرجات التفاؤل عنها في عام 2015 مع دخول مئات من المشاركين في تجاذبات حول المسؤولية، ومن يدفع التكاليف. والدول الأقل تلويثاً للغلاف الجوي، والتي تقع غالبيتها في الجنوب، تطالب الدول المسؤولة عن انبعاثات أكبر كميات من الغازات الدفيئة بتحمّل التكاليف المالية، والتعويضات المالية المطلوبة للحاق بالتعهدات المطلوبة، وأهمها لتنفيذ عمليات التحول من الوقود التقليدي الأحفوري إلى الأخضر المتجدد. 
وتعتبر أفريقيا مسؤولة فقط عن 3 إلى 4 بالمائة من الانبعاثات العالمية، في وقت تضم فيه 17 بالمائة من سكان العالم، لكنها أكثر عرضة للخطر من معظم الأماكن، حيث يواجه الكثير من سكانها، وخاصة أولئك الذين يعيشون خارج المراكز الحضرية، صعوبة في التكيف.
وفي الإجمال، يمكن القول إنه "ما يبدو جيداً لمزارعي كروم العنب في النرويج والدنمارك الذين لم يتخيلوا في الأصل أن ينمو فيها قبل بضعة عقود، يتحوّل نفسه إلى كارثي وسط وجنوب أوروبا مع توقع تدمير محاصيلها وصناعاتها قبل نهاية القرن الحالي". 
ومع ازدياد الحرارة جنوب ووسط القارة نحو 3.8 درجات ستختفي زراعات كثيرة لا تتحمل ارتفاع الحرارة. 
وإذا كانت دول الشمال الأوروبي تزود اليوم وسط وجنوب القارة بمنتجات زراعية يصعب أن تنمو في درجات حرارة مرتفعة، فإن ما تبشر به الدراسات كارثي حتى بالنسبة إلى دول الشمال التي ستعجز بدورها مستقبلاً عن توفير منتجات زراعية لن تتحمل الحرارة التي يتوقع ارتفاعها مع بلوغ منتصف القرن الحالي وحتى نهايته. 
وإذا بقي الترابط بين المناخ العالمي والتأثيرات على الدول والشعوب ستصاب الدول النامية أيضاً بكوارث جفاف وارتفاع في درجات الحرارة، ما يضرب إنتاجها من المحاصيل، سواء تلك المخصصة للاستهلاك المحلي أو للتسويق الخارجي. 
من هنا يقول خبراء إن "التحذيرات التي ترافقت مؤتمر كوب 27 الحالي لا تخص قارة أو منطقة بعينها. وإذا لم يستوعب صانعو القرار في دول العالم المخاطر الحقيقية على مستقبل الأرض والبشر، ستذهب الأمور إلى الأسوأ". 

توقعات
وعلى المستوى العالمي، يبدو أن الأزمات والتجاذبات والمصالح الضيقة تهيمن على نقاشات البحث عن حلول مشتركة للبشرية. وإذا استمر ذلك، وهو ما يتوقعه خبراء، ستصبح البشرية أمام وضع عالمي تكون فيه ظواهر الاحترار والتطرف المناخي أكثر حدوثاً، وبدلاً من أن تحصل مرة واحدة كل 50 سنة ستصبح مرة كل سنتين. 
ويقول ليما إن "الدراسات الأوروبية المتخصصة تظهر أن وصول درجات الحرارة القياسية في أوروبا إلى 48.8 يعني بالتأكيد أننا ذاهبون إلى أكثر من 50 مئوية في منطقة البحر الأبيض المتوسط، حيث يندفع الهواء الدافئ من شمال أفريقيا. وسيكون هناك المزيد من درجات الحرارة الشديدة، ويحتمل جداً أن تصل درجة الحرارة إلى 50 درجة، وسيكون المطر تقريباً أقل بنسبة 17 في المائة في الصيف، ما سيؤدي إلى زيادة مخاطر الجفاف مع ما يترتب على ذلك من عواقب على الزراعة.  
وستكون فترات الجفاف أطول بـ 10 أيام تقريباً، وسيزيد الجفاف من مخاطر اندلاع الحرائق، مع تراجع في المحاصيل الزراعية. وسيشهد الجنوب الإسباني تحديداً ارتفاع درجات الحرارة إلى نحو 43 مئوية في الصيف، أي أعلى من الأرقام القياسية الحالية بنحو 4 درجات، واليونان نحو 6 درجات إلى حوالي 40 درجة".
 

المساهمون