تعليم لبنان... عام دراسي مجهول المصير

10 سبتمبر 2021
من اعتصام الأساتذة (حسين بيضون)
+ الخط -

بدأت ترد إلى الأهالي رسائل نصية من إدارات المدارس في لبنان، تفنّد فيها بعض الرسوم التعليمية والنقليات والتعديلات التي طرأت بذريعة "غلاء أعباء الحياة"، في حين أنّ مصير العام الدراسي الجديد الذي يتمسك به وزير التربية والتعليم في حكومة تصريف الأعمال طارق المجذوب لا يزال ضبابياً، وهناك شبه استحالة في انطلاقته منتصف الشهر الجاري لأسباب عدة تتعلق بالأزمات الاقتصادية والمعيشية والمحروقات واعتصام الأساتذة وتلويح المعلمين بالمقاطعة.
وأبلغ عددٌ من الأهالي "العربي الجديد"، بأنّ الارتفاع في الأسعار هذا العام تجاوز 30 في المائة، وشمل في المدارس الخاصة رسوم التسجيل للتلامذة الجُدد، ورسم إعادة التسجيل، والقرطاسية، فيما تمثلت الزيادة الأكبر برسوم النقليات الشهرية حيث راوحت ما بين 400 ألف و500 ألف (ما بين 20 دولاراً و26 دولاراً بحسب سعر صرف الدولار في السوق السوداء) إلى المليون ليرة لبنانية (نحو 52 دولاراً بحسب سعر صرف الدولار في السوق السوداء) في الشهر الواحد، بينما كانت هذه المبالغ تلامس هذا الحاجز في السنة ككلّ، ما يجعل رسوم النقليات وحدها تلامس أو تتجاوز الحد الأدنى للأجور الذي يساوي 675 ألف ليرة (نحو 35 دولاراً بحسب سعر صرف الدولار في السوق السوداء)، فضلاً عن أسعار الكتب التي أصبحت خيالية، ومنها ما هو مقطوع في المكتبات.
ولم تحسم أكثرية المدارس مسألة الأقساط، وأبلغت الأهالي أن الكلفة ستحدد قريباً بعد استكمال المعطيات كافة، فيما لجأ بعضها إلى رفعها بنسبة راوحت ما بين 20 إلى 30 في المائة، وأبقت الإدارات الباب مفتوحاً أمام زيادات مستقبلية تبعاً للتطورات وارتفاع الكلفة التشغيلية، وخصوصاً أن رفع الدعم على سبيل المثال قد تطوى صفحته الشهر الجاري، ما سيؤدي حكماً إلى زيادة كبيرة في أسعار المحروقات ومزيداً من الغلاء الذي يطاول مختلف القطاعات.
رانيا، وهي أم لولدين، تعمل مع زوجها في شركة خاصة في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في بيروت، ويصل راتبهما معاً إلى نحو 8 ملايين ليرة في الشهر (أي 440 دولاراً تقريباً على أساس 18 ألف ليرة سعر صرف الدولار، علماً أن لا استقرار في السوق المتفلت)، تقول لـ"العربي الجديد": "كنا قادرين على عيش حياة كريمة وتسجيل ولدينا في مدرسةٍ خاصة تقدم لهما مستوى عالياً في التعليم ليُكملا لاحقاً دروسهما في الخارج، بيد أن ما نتقاضاه لم يعد يساوي شيئاً، في ظلّ تدهور قيمة العملة الوطنية والغلاء الفاحش في الأسعار، ووجدنا أنفسنا - على الرغم من أننا نعتبر ميسورين - مضطرين إلى الانتقال من مدرسة خاصة إلى أخرى أقل مستوى، وفضلنا عدم نقل الطفلين إلى مدرسة رسمية، نظراً للتخبّط الذي تعاني منه والضبابية الذي يطاول مصيرها وغير ذلك من الأسباب".
من جهتها، تقول جويل، وهي ربة منزل يتقاضى زوجها، وهو محاسب، 3 ملايين ليرة (نحو 157 دولاراً) شهرياً: "اتخذنا القرار بنقل ولدنا من مدرسته الخاصة إلى مدرسة رسمية، لأن الراتب لا يكفي لتسديد أبسط الرسوم التعليمية والنقليات. فكيف بالأحرى سيغطي كلفة الأقساط؟ هذا إذا لم نتطرق إلى المصروف، والإنترنت، والكهرباء، فضلاً عن اشتراك المولد الكهربائي الذي وصل إلى مليون ليرة لبنانية في مقابل 5 أمبير، ومن المرجح ارتفاعه في ظلّ اقتراب رفع الدعم عن المحروقات. حتى الراتب لا يكفي لشراء أبسط المواد الغذائية الأساسية والمياه، ولا يكفي لتغطية أي فاتورة استشفائية. مجرد التفكير في أرقام المصاريف والمدفوعات بات عبئاً بحدّ ذاته".

تراكم الأرباح
في السياق، تؤكّد رئيسة اتحاد لجان الأهل وأولياء الأمور في المدارس الخاصة في لبنان لمى الطويل، لـ "العربي الجديد"، أن "أي زيادة على الأقساط هي غير قانونية وتستوجب أصلاً قانونياً. حتى إن تلك التي طرأت على النقليات غير مقبولة أبداً، وعلى الدولة دعم المحروقات، وهذا ما طالبنا به وزير التربية صراحة في كتاب قبل انطلاق العام الدراسي".
وتلفت الطويل إلى أنه "قد يكون هناك مدارس متعثرة، لكن عليها الكشف عن حساباتها وإظهار أنها لم تراكم الأرباح خلال الأعوام الماضية، على الرغم من أن الأمين العام للمدارس الكاثوليكية الأب يوسف نصر، طالب المصارف بالإفراج عن أموالهم، ما يعني أنهم يراكمون الأرباح، وهذه مخالفة قانونية. وكل تراكم يفترض أن يعود إلى الأهل، وهو ما لم يحصل. من هنا، دائماً ما نؤكد أهمية الكشف عن حسابات المدارس لتحقيق الشفافية المالية التي تساعد القطاع ككل والأهالي الذين لا يجوز رمي الانهيار عليهم وتحميلهم أعباءً إضافية، هم الذين يرزحون تحت وطأة أسوأ أزمة اقتصادية ومعيشية، ويواجهون شبح البطالة والفقر والجوع".

خلال العام الدراسي 2019 - 2019 (حسين بيضون)
خلال العام الدراسي الماضي (حسين بيضون)

وتقول الطويل: "هناك إدارات متعاونة مع لجان الأهل، وتتساهل لناحية ترك حرية الاختيار لهم لشراء الزي المدرسي الجديد أو الإبقاء على القديم أو إلباس أولادهم قميصاً وبنطالاً باللون المعتمد من قبل المدرسة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الكتب وإتاحة المجال أمام جمع الكتب المستعملة واستبدالها بين الأهل. في المقابل، تبغي بعض المدارس الربح، وقد رفعت أقساطها، ومنها بالدولار واليورو، مع إلزامية الدفع بإحدى هاتين العملتين. نحن للأسف الحلقة الأضعف". 
ولا تخفي الطويل خوفها على العام الدراسي، سواء على صعيد أزمة المحروقات أو تحركات الأساتذة والمعلمين، علماً بأن الاتحاد اقترح استخدام هؤلاء النقل المدرسي، وهو ما سيوفر عليهم كثيراً. وتحذر من أن الكثير من العائلات مهمشة ولا ينظر إلى وضعها، وعلى المعنيين، وعلى رأسهم رئيس الجمهورية، الدعوة إلى مؤتمر تربوي طارئ للاستماع إلى الأهالي والوقوف عند وضعهم، وتشكيل مجالس تحكيمية تربوية وقضاء مختص بحماية حقوق الأهل.

تسرّب 
من جهته، يحذّر عضو اللجنة الفاعلة للأساتذة المُستعان بهم في التعليم الأساسي والثانوي حسن سرحان، من صعوبة العام الدراسي وانعكاساته الخطيرة على صعيد تهديد الأمن الاجتماعي والتفكك الأسري وغير ذلك من تداعيات، لافتاً إلى أن "الوضع ضبابي جداً وبدأنا نسمع شهادات أهالي يفكرون جدياً في إخراج أولادهم من المدارس نهائياً ودفعهم نحو مهنٍ حرّة أو تعلّم مصلحة".
ويقول سرحان: "الوضع التربوي في لبنان إلى تراجع كبير. حتى إن تجربة التعلم عن بعد لم تنفع، ولا يمكن الركون إليها من جديد، ولا سيما في ظلّ انقطاع التيار الكهربائي وارتفاع تعرفة المولدات الخاصة والإنترنت، وعدم قدرة الكثير من الأهالي على شراء الحاسوب المحمول، وقد رصدنا العام الماضي ثلاثة أولاد مثلاً يدرسون على هاتف خلوي واحد".
ومن العوامل الأخرى التي يستند إليها سرحان لتوصيف خطورة الوضع، "الإقفال المتراكم لأسباب عدة سواء صحياً، أو نتيجة التظاهرات والتحركات المطلبية، ومنح الإفادات للطلاب". يضيف أن "ما حصل هذا العام أشبه بالنجاح بالتزكية بالنسبة إلى غالبية الطلاب، نظراً إلى سهولة الامتحانات، عدا عن النجاح بالواسطة والمحسوبيات الحزبية، وهذه كلها تنعكس كارثياً على المستوى التعليمي والثقافي والتربوي".

لا تراجع عن الحقوق (حسين بيضون)
لا تراجع عن الحقوق (حسين بيضون)

ويرى سرحان أن "وزير التربية في حكومة تصريف الأعمال طارق المجذوب، المصمم على بدء العام الدراسي منتصف الشهر الجاري، ومن معه من فريق، لا يحاكون ما يحصل على أرض الواقع من تضخم وغلاء فاحش ووضع اقتصادي متردٍّ، ويتخذون القرارات وهم في برجهم المشيد العالي أو على قياس أهالي من الطبقة الغنية قد لا يمثلون 5 في المائة، وهم يتقاضون رواتب فوق العشرة ملايين ليرة (نحو 526 دولاراً)".
ويتوقف سرحان عند طلب السلطات المعنية في لبنان مساعدة الدول المانحة للقطاع التربوي، في حين أن "التجارب لم تكن مشجعة والشفافية غائبة تماماً والنهب والمناورات التي طاولت المساعدات المخصصة للاجئين السوريين كانت فاضحة، فضلاً عن أن مدارس خاصة وفرنكوفونية حازت مساعدات كثيرة ولا تزال تسلك مسار زيادة الأسعار"، معتبراً أن "الدولة في لبنان تمعن في إهمال الوضع التربوي وتدمير جيل بأكمله، وتريد أن تنقذ البلد على ظهر الأساتذة".
ويستمر تحرك هيئة التنسيق النقابية، ومعها المجلس التنفيذي لنقابة المعلمين، فكان الموعد أول من أمس مع ما سُمي "يوم الغضب" أمام وزارة التربية للمطالبة برفع رواتب الأساتذة والمعلمين وتأمين بدل الانتقال، وإلا فسيقاطعون التدريس والتعليم الحضوري في المدارس.

يواصل المسؤولون اتخاذ قرارات تصبّ في عدم إنصاف المعلمين (حسين بيضون)
يواصل المسؤولون اتخاذ قرارات تصبّ في عدم إنصاف المعلمين (حسين بيضون)

لا إنصاف
في هذا الإطار، يقول نقيب المعلمين في المدارس الخاصة رودولف عبود، لـ "العربي الجديد": "التحرك جاء تكملة لكل تحركاتنا السابقة بهدف إيجاد الحلول قبل بدء العام الدراسي. للأسف، لم نصل إلى حقوقنا بعد، أو إلى حلول تطبيقية، بل دفعت الأزمة المالية والمعيشية والاقتصادية إلى هجرة لا مثيل لها في القطاع التربوي. ويواصل المسؤولون اتخاذ قرارات تصبّ في عدم إنصاف المعلمين".
ويؤكد عبود أن أي زيادة لا يجب أن تحصل من دون موازنة وآلية قانونية واضحة وبحث مع اتحاد ولجان الأهالي والجهات المعنية، وهو ما لا يحصل أيضاً. نحن مصرون على موقفنا بمقاطعة التدريس حتى تحصيل مطالبنا. ويرى أن هناك شبه استحالة لبدء العام الدراسي، ويوجد استحقاقات ينتظر بتّها في شهر سبتمبر/ أيلول، أبرزها ملف الدعم، وستزيد من معاناة المعلمين.
وكشف الرئيس اللبناني ميشال عون، الأسبوع الماضي، أنه ينوي الدعوة إلى مؤتمر طارئ لمعالجة الشأن التربوي من أجل المساعدة في انطلاق العام الدراسي وتوفير العوامل المساعدة لذلك.

وعرض منسق اتحاد المؤسسات التربوية الخاصة في لبنان، الأب يوسف نصر، على عون ملخص دراسة تظهر أن متوسط كلفة تعليم التلميذ الواحد للعام الدراسي 2021-2022 بعد تصحيح كلفة نفقات التشغيل المرتبطة مباشرة بسعر صرف الدولار في السوق الفعلي سيبلغ 7,9 ملايين ليرة لبنانية. وفي حال تصحيح كلفة نفقات التشغيل المرتبطة مباشرة بسعر صرف الدولار في السوق الفعلي، وإعطاء زيادة على الرواتب والأجور تساوي 30 في المائة من دون أي تعديل في باب المنح والمساعدات، يصبح المتوسط 9,3 ملايين ليرة، بحسب الأب نصر.
يضيف: "كلفة شراء الكتب المدرسية تضاعفت 5 مرات مقارنة بالكلفة في شهر سبتمبر 2019، إضافة إلى كلفة النقل المدرسي، كذلك بات راتب المعلم لا يكفي لتغطية حاجاته الأساسية".