تشديد عقوبات هواتف السجون في روسيا

تشديد عقوبات هواتف السجون في روسيا

05 يناير 2024
أهداف متعددة من القانون لمنع تسليم هواتف لمعتقلين (ألكسندر نيمينوف/ فرانس برس)
+ الخط -

يتجدد في روسيا الجدل القانوني والحقوقي في شأن استخدام الهواتف الخليوية، بتواطؤ من الموظفين، في السجون ومراكز الحبس الاحتياطي، وتمريرها بطريقة غير شرعية

وقّع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نهاية العام الماضي قانون المسؤولية الجنائية في حال تكرار تسليم هاتف لمعتقل، والذي يفرض عقوبة السجن مدة قد تصل إلى عامين. ويهدف ذلك إلى قطع نشاط مراكز الاتصالات ذائعة الصيت التي يزعم أنها تنشأ في الإصلاحيات لإجراء اتصالات للاحتيال على مواطنين، لكن حقوقيين يشككون في فعّالية الخطوة. 
ويجزم الخبير القانوني والحقوقي، بافيل ماروشاك، بأن القانون الجديد لن يمنع غالبية مهربي الهواتف الخليوية من العاملين في السجون من مواصلة نشاطهم في ظل تدني أجورهم، في حين يستبعد أن يسمح للسجناء باستخدام الهواتف بحرية.   
ويقول ماروشاك الذي سبق أن سُجن سنوات في قضية ذات أبعاد سياسية، لـ"العربي الجديد": "قد يخيف القانون بعض المهربين نظرياً، لكنني أشك في أنه سيضع حداّ للظاهرة، إذ تمرر الهواتف الخليوية إلى السجون غالباً بالتواطؤ مع عاملين فيها. ولما كانت رواتب أفراد حرس السجون متدنية ولا تتجاوز 60 ألف روبل (650 دولاراً) شهرياً يحاول العديد منهم تحقيق دخل إضافي عبر تمرير الهواتف". 
ويقلل ماروشاك من أهمية الدعوات للسماح رسمياً باستخدام الهواتف في السجون لوضع حدّ للظاهرة، ويقول: "هذا الاقتراح غير واقعي، لأن الهواتف، خصوصاً الخليوية، تشكل جسراً لتواصل السجناء مع العالم الخارجي، ما يتعارض مع فكرتي العقوبة والعزل. وإذا تحدثنا عن الإصلاحيات، يحصل المعتقلون على فرص للحديث مع ذويهم بالتنسيق مع الإدارة، لكن المعتقلين بمراكز الحبس الاحتياطي يتعرضون لضغوط كثيرة في هذه المسألة".  

ولعلّ أشهر المعتقلين الروس الذين تعرضوا لضغوط في مسألة السماح بإجراء اتصالات الإعلامي السابق في صحيفتي "فيدوموستي" و"كوميرسانت"، مستشار مؤسسة الفضاء الروسية "روس كوسموس"، إيفان سافرونوف، المدان بالسجن 22 عاماً بتهمة "الخيانة العظمى"، والذي كان قد تلقّى أثناء التحقيقات معه "عرضاً للتعاون مع التحقيق مقابل السماح له بإجراء اتصال هاتفي مع والدته". 
وكان بوتين قد وقّع في 19 ديسمبر/ كانون الأول الماضي قانوناً ينصّ على تشديد المسؤولية الإدارية ورفع الغرامات عن تمرير الهواتف إلى السجون إلى 300 ألف روبل (أكثر من 3 آلاف دولار)، وأيضاً على استحداث المسؤولية الجنائية عبر معاقبة من سبق توقيفه لارتكابه أعمالاً مماثلة بالسجن مدة تصل إلى عامين، علماً أن القانون السابق كان يحدد الغرامة القصوى لتمرير أجهزة محظورة بـ 5 آلاف روبل (نحو 55 دولاراً).

يساهم فساد عاملي السجون الروسية في تمرير هواتف لمعتقلين (فلاد كاركوف/ Getty)
يساهم فساد عاملي السجون الروسية في تمرير هواتف لمعتقلين (فلاد كاركوف/ Getty)

وتؤكد السلطات أن التغييرات الجديدة تهدف إلى مكافحة عمليات الاحتيال باستخدام الهاتف، وأوردت المذكرة التي أصدرتها لتوضيح مشروع القانون أن "المقصود الاستخدام غير الشرعي لوسائل الاتصال الخليوية في المؤسسات الإصلاحية ومراكز الحبس الاحتياطي التي تشكل خطراً مجتمعياً بالغاً، وتؤثر بشكل مباشر على الجرائم". 
وتزعم السلطات أيضاً أن السجناء يستطيعون إلى جانب تنفيذ عمليات احتيال بالهواتف، تنسيق أعمالهم بحرية مع مساعديهم أو الاتصال بالشهود من اجل ترويعهم. لكن حقوقيين قالوا لصحيفة "نيزافيسيمايا غازيتا" إن "هناك فارقاً بين رصد المحتالين والمجرمين من جهة، ومن جهة أخرى تقييد حق المدانين في التحدث مع ذويهم". وأشاروا إلى أن "ثمّة مخاوف من معاقبة تمرير الهواتف الخليوية التي تهدف إلى الاتصال بالأقرباء تحديداً". 
وأوضح نائب رئيس الوحدة الروسية للجنة الدولية للدفاع عن حقوق الإنسان، إيفان ميلنيكوف، أن "الحدّ من اتصالات المحتالين يتطلب بالدرجة الأولى العمل لمكافحة الفساد في منظومة تنفيذ العقوبات، والسماح للمسجونين احتياطياً بالاتصال بذويهم من دون الحصول على إذن من المحقق، وأيضاً ضمان توفير إمكانية إجراء اتصالات من السجون". 
واعتبر ميلنيكوف أن "نسبة ضئيلة من السجناء يستخدمون الهواتف للاحتيال أو التهديد"، مستشهداً بتجارب دول تسمح للمدانين بالتواصل مع ذويهم حتى من خلال نظام الفيديو في أوقات محددة، وأبدى قناعته بأنه "كلما قلت البيروقراطية انكمش سوق الخدمات غير الشرعية أيضاً". 

لجوء واغتراب
التحديثات الحية

وتشير بيانات الهيئة الفيدرالية لتنفيذ العقوبات إلى مصادرة أكثر من 25 ألف هاتف خليوي من السجناء عام 2022، وتوقيف نحو 1500 شخص حاولوا تمريرها.  
وتسجل روسيا تراجعاً مطرداً في عدد السجناء. وتظهر أرقام هيئة تنفيذ العقوبات أن مؤسساتها ضمت نحو 433 ألف سجين مطلع العام الماضي، بتراجع نحو 33 ألفاً عن مطلع عام 2022، في ظاهرة تربطها الهيئة بتطبيق عقوبات بديلة عن السجن.
وتتبنى وزارة العدل وهيئة تنفيذ العقوبات موقفاً حالياً يفيد بأنّ منظومة الإصلاحيات يجب أن تؤدي مهمتها المباشرة، وهي عزل الجناة عن المجتمع وليس تعذيبهم. وقد تراجع بنسبة 26 في المائة عدد من سُجنوا لارتكابهم أول جنحة، لكن روسيا تبقى في المرتبة الأولى بين بلدان مجلس أوروبا على صعيد عدد السجناء، وتبلغ حصتها نحو ثلث إجمالي المعتقلين في الدول أعضاء المجلس.

المساهمون