تسريح فلسطينيي غزة... منظمات دولية تنهي مشاريعها وتستغني عن موظفيها

تسريح فلسطينيي غزة... منظمات دولية تنهي مشاريعها وتستغني عن موظفيها

06 مارس 2024
توقف آلاف الغزيين عن العمل قسراً بسبب النزوح (جهاد الشرافي/الأناضول)
+ الخط -

تعرض كثير من العاملين لدى مؤسسات دولية ومحلية للتسريح من وظائفهم

ضغوط متعددة يواجهها الفلسطينيون في غزة وسط الحرب الإسرائيلية

توقفت مصادر رزق الغالبية العظمى من السكان في غزة

لا تصل رواتب موظفي السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة، كما تعرض كثير من العاملين لدى مؤسسات دولية ومحلية للتسريح من وظائفهم، وتوقفت مشاريع عدة تشرف عليها منظمات ومؤسسات دولية.

يتعرض الفلسطينيون في قطاع غزّة لأشكال متعددة من الضغوط في ظل الحرب الإسرائيلية المتواصلة، فالقصف يكاد لا يتوقف، وفقد عشرات الآلاف منازلهم، وأجبروا على النزوح عدة مرات، ولا تتوفر الخدمات الطبية، كما يكاد الطعام ينفد في أنحاء القطاع، ويعطل الاحتلال عمداً وصول المساعدات الإنسانية، كما توقفت مصادر رزق الغالبية العظمى من السكان، وأصبح الآلاف عاطلين من العمل.
ولم تمنح بعض المؤسسات الدولية والمحلية العاملين لديها في قطاع غزة العذر للتوقف عن العمل بسبب تعرضهم لمحنة العدوان، أو تمنحهم وقتاً لتجاوز تداعياته والعودة من جديد إلى العمل حتى لو ضمن خطة الطوارئ المتعارف عليها، بل فصلت العديد منهم، خصوصاً أصحاب عقود العمل المؤقتة.
من بين من تم تسريحهم عاملة فلسطينية لدى مؤسسة محلية خدمية تدير مشروعاً لخدمات وصول السيدات إلى المراكز الصحية وتحقيق العدالة الجندرية في مرافق العدالة والمؤسسات العامة، وكان المشروع يحصل على تمويل من الجمعية الألمانية للتعاون الدولي (GIZ)، وبينما هي نازحة في جنوبي قطاع غزة، تلقت إشعاراً بانتهاء عقدها في 30 أكتوبر/تشرين الأول 2023، علماً أن العقد ينتهي في يوليو/ تموز 2025.
فضلت العاملة الغزية عدم الكشف عن اسمها، وتقول لـ"العربي الجديد": "بدأ العقد الموقع رسمياً في 15 يوليو الماضي، ثم تم تبليغي في 21 نوفمبر/تشرين الثاني بانتهائه في نهاية أكتوبر، وكان السبب هو تجميد المشروع من قبل الجمعية الألمانية للتعاون الدولي. راسلت الجمعية المحلية والعاملين في المشروع، لكني لم أتلق أي ردٍ، وعلمت لاحقاً أنني ضمن كثيرين في المشروع تعرضوا للتسريح. الأمر مستفز ولا يراعي أوضاعنا أثناء العدوان وحالة النزوح التي نعيشها. أشعر بضغط نفسي كبير، والفصل الذي تعرضت له غير قانوني، وعندما اعترضت بما يثبت حجتي، مع تقديم أدلة، كان الرد أنهم يتمنون لي التوفيق ويطلبون مني تسليم عهدة العمل المتمثلة بجهاز الكمبيوتر المحمول وبعض وحدات التخزين".

فصلت مؤسسات دولية أصحاب العقود المؤقتة في قطاع غزة

تضيف: "كان عملي في المؤسسة المحلية الممولة دولياً، لكني أحصل على الراتب من المؤسسة الألمانية، وهي تعمل في قطاع غزة منذ عام 2021، كما عملت مع منظمات أخرى ممولة لمشاريع خاصة بالأطفال خلال عدوان عام 2012، وعدوان 2014، ولم أتعرض للفصل عندها. لم يحترموا وضعنا الإنساني شديد السوء، وجعلونا تحت رحمة التمويل الذي كان يفترض أن يتواصل، وربما يزيد لمنحنا امتيازات مساندة. أعيش برفقة أسرتي النازحة في خيمة بعدما تمت تسوية منزلنا بالأرض وجرى اعتقال أفراد من عائلتي، ثم تعرضت لفصل غير قانوني وغير مبرر".
وتغطي غالبية المشاريع الممولة من منظمات دولية عقود عاملين محليين، وبعضها عقود مؤقتة، وأخرى سنوية، وغالبيتها مشاريع إغاثية أو حقوقية، إلى جانب عاملين في مؤسسات دولية يقومون بتقديم خدمات البرمجة والتصميم والاستشارات القانونية واستشارات التدريب من داخل قطاع غزة، وهؤلاء أيضاً كانوا من بين ضحايا الفصل التعسفي أو إنهاء عقودهم من دون سابق إنذار.

الصورة
لا تصل رواتب موظفي السلطة الفلسطينية إلى غزة (عبد زقوت/الأناضول)
لا تصل رواتب موظفي السلطة الفلسطينية إلى غزة (عبد زقوت/الأناضول)

كان أحمد النجار (37 سنة)، يعمل كمدخل بيانات وتقني لدى منظمة الإغاثة الكاثوليكية، لكنه تعرض للفصل التعسفي في نهاية عام 2023 الماضي، إذ وصلته رسالة تفيد بوقف عقد عمله الذي كان مقرراً أن ينتهي بحلول نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، وهو يرى أن هذا التصرف لا يراعي ما يتعرض له من ظروف وضغوط في ظل العدوان الإسرائيلي الذي راح ضحيته عدد من أقاربه، من بينهم اثنان من أشقائه.
يقول النجار لـ"العربي الجديد": "شعرت بطعنة في قلبي حين وصلتني الرسالة، ورغم اعتراضاتي الرسمية، لم أتلق رداً مناسباً غير تعويضي بمبلغ صغير، وهذا غير منطقي، فحين ينتهي العدوان سأدخل في قوائم العاطلين وأبدأ البحث عن عمل، وهذا أمر شديد الصعوبة في قطاع غزة، ما يجعلني أشعر بالإذلال. كنت ضمن كثيرين تعرضوا للفصل من منظمات ومؤسسات دولية ومحلية، وهذا شكل آخر من أشكال المجازر التي ترتكب ضدنا".
وأنهت منظمة المساعدات الإنسانية الأميركية "ميرسي كور"، ومقرها في الولايات المتحدة الأميركية، عقود عدد من العاملين لديها، وأرسلت إليهم رسائل عبر البريد الإلكتروني تبلغهم فيها بذلك، مع الإشارة إلى صعوبة الاتصال بالإنترنت في كثير من مناطق قطاع غزة منذ بداية العدوان الإسرائيلي.

الفصل خلال العدوان غير قانوني بحسب قانون العمل الفلسطيني

كما أبلغ المجلس النرويجي للاجئين (NRC) منظمات محلية عاملة في مشاريع إنسانية بوقف التمويل، ما اضطرها إلى إنهاء عقود غالبية موظفيها وموظفاتها. يقول واحد ممن تم تسريحهم لـ"العربي الجديد": "وصل قرار مفاجئ من المجلس النرويجي للاجئين مفاده أن جميع العاملين الموجودين داخل قطاع غزة سيتم إنهاء عملهم بحلول نهاية يونيو/ حزيران القادم، وسيتم إعطاؤهم تعويضاً تحت مسمى بدل غلاء معيشة. أنا واحد من مئات تعرضوا للفصل التعسفي من عملهم لدى منظمات دولية أو محلية ممولة دولياً، ومعظمنا يسعى الآن للبحث عن مكان آمن، أو يحاول السفر إلى خارج القطاع للحفاظ على سلامة أبنائه بعدما تعرضوا لضغوط نفسية كبيرة، ولا نعرف مصيرنا المهني، ومن بيننا أشخاص كانت مهمتهم إرسال تقارير دورية حول الأوضاع الخاصة بالعدوان".

الصورة
خسر كثير من الغزيين وظائفهم بعد فقدان منازلهم (مجدي فتحي/Getty)
خسر كثير من الغزيين وظائفهم بعد فقدان منازلهم (مجدي فتحي/Getty)

ترافع المحامي إيهاب أبو رباح سابقاً في قضايا حقوق العاملين، وكانت إحدى القضايا متعلقة بموظفين لدى منظمة دولية عاملة في قطاع غزة، والذين تعرضوا للفصل وأقاموا دعوى قضائية للحصول على مقابل نهاية الخدمة، وهو يؤكد وجود بنود في عقود غالبية العاملين في المؤسسات الدولية تختص بحالات الطوارئ، لكنه يصفها بـ"البنود الملغومة".
يضيف أبو رباح: "بعض البنود التي يوقع العاملون عليها مخالفة للقانون، لكن من خلال خبرتي في هذا المجال، فإن النسبة الأكبر من الغزيين يبحثون عن عمل، وبالتالي يقبلون تلك البنود من دون التدقيق في مخاطرها المستقبلية عليهم، فالأوضاع المعيشية في القطاع شديدة الصعوبة منذ سنوات، والحصول على فرصة عمل لا يتوفر لكثيرين".
وتأثرت كثير من المنظمات والمؤسسات المحلية بتقليص الدعم، وتوقفت عدة مشاريع في قطاع غزة منذ عام 2018، بعد قرارات الإدارة الأميركية في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، والتي اعتبرت حينها عقوبات ضد السلطة الفلسطينية، والتي اضطرت بعض المنظمات إلى تعليق عملها مع منظمات محلية.
ويقول المحامي  أبو رباح لـ"العربي الجديد": "بعض المنظمات المحلية، ومؤسسات دولية أيضاً كانت تضع في العقود حق فصل العامل من دون إبداء أسباب، وفي هذه الحالات، إذا تقدم العامل بشكوى إلى المحكمة لا يمكنه أن يحصل على حقه، أو قد يحصل على بعض حقوقه، لكن بعد إجراءات طويلة ووقت طويل، والمنظمات تعلم بتفاصيل ذلك، وكان العمال المفصولون يميلون إلى الحل الودي الذي يقضي بالحصول على نسبة من الحقوق، لأنهم يعلمون طول مدة النزاع القانوني وكلفته".

يتابع: "عدد كبير من المشاريع العاملة في قطاع غزة توقع مع العاملين عقوداً تتضمن بنود حالة الطوارئ، لكنها أيضاً تتضمن حق المنظمة الممولة في وقف المشروع، وبالتالي تعطل هيكلية المؤسسة، ما يعني الاستغناء عن العاملين، ويعتبر هذا البند غير قانوني لأنه يصف تضرر هيكلية المؤسسة، وهذا شأن لا علاقة للعامل به، ولا ينبغي أن يؤثر عليه حسب المادة 47 من قانون العمل الفلسطيني الصادر في عام 2000".
ويوضح أبو رباح أنه "في حال تعرض العامل للفصل أثناء العدوان الإسرائيلي، يمكنه الاحتفاظ بكافة حقوقه القانونية، ويستحق تعويضاً عن فصله تعسفياً مقداره أجر شهرين عن كل سنة قضاها في العمل، على أن لا تتجاوز قيمة التعويض أجره عن مدة سنتين، وبناءً على حالات حصلت أثناء العدوان، قامت فيها المؤسسة بإنهاء عقد قبل انتهاء المدة المحددة فيه، يكون التعويض على أساس الإخلال بشروط العقد، ويحق للعامل تقديم العقد كإثبات، والمطالبة بتعويض مالي بناءً على الضرر المادي والضرر النفسي".

المساهمون