تربية الخيول... جزائريون متمسكون بإحياء التراث

تربية الخيول... جزائريون متمسكون بإحياء التراث

30 مارس 2021
خلال تدريبه أحد الخيول (رياض كرامدي/ فرانس برس)
+ الخط -

يهتم بعض الجزائريّين بتربية الخيول، حفاظاً على التراث العربي والإسلامي، وحباً فيها، وإن كانوا يشكون عدم مساندتهم من قبل السلطات

يعدّ الخيل مصدراً أساسياً للدخل في بعض الولايات الجزائرية. ويدرّ العمل في مجال تربية الخيول مالاً جيداً، بسبب الاستفادة منها في السياحة وحفلات الزفاف والأفلام والمهرجانات الاستعراضية. ما سبق دفع الكثير من الشباب الجزائري إلى تربية الخيول للعمل أو الحفاظ على الموروث الثقافي العربي.
وفي منطقة سيدي راشد، التابعة لمحافظة تيبازة غرب العاصمة، تقع مزرعة علي بوطاقة التي تضم أكثر من 30 خيلاً من مختلف الأعمار، يقصدها العديد من هواة الفروسية من أجل تعلّم كيفية التعامل مع الخيول في مختلف مراحلها العمرية، والمبادئ الأساسية للاعتناء بها وامتطائها. ويقول بوطاقة: "في البداية، كنت أعمل في الزراعة، وأحضر بعض المهرجانات الخاصة بالفروسية في مختلف المحافظات الجزائرية، وتعلقت بالخيل إلى درجة فكرت في إنشاء مزرعة صغيرة لتربية الخيل. بداية، اشتريت مهرين صغيرين، إلى أن صار لدي اليوم 30 حصانا". يضيف أن البداية كانت صعبة "نظراً لانعدام خبرتي في هذا المجال". فللخيول خصوصيتها، ويجب تعلّم كيفية التعامل معها، بالإضافة إلى صعوبات أخرى، منها غلاء العلف وتأمين اصطبلات تتوفر على المعايير الأساسية.

قضايا وناس
التحديثات الحية

يقول: "إرادتي وعشقي للخيول حالا دون فشلي. في مزرعتي أكثر من 30 حصانا تجذب الكثير من العائلات، خصوصاً في أيام العطل. كما أشارك في المهرجانات المحلية - الفانتازيا (تسمى أيضا الخيالة والباردية والتبُوريدَة وصحاب البارود، وتطلق على عروض فروسية، وتحاكي هجمات عسكرية تمارس في بلدان المغرب العربي).
وسمح الاستقرار الأمني في البلاد بإعادة إحياء بعض هذه الأنشطة التي كانت قد توقفت لسنوات، بسبب الوضع الأمني الذي عاشته البلاد خلال تسعينيات القرن الماضي. وتأثرت تربية الخيول إلى درجة كبيرة، بسبب النزوح من الريف، واستيلاء مجموعات إرهابية على عدد كبير منها لنقل معداتها ومؤونتها إلى الجبال، حيث كانت تتمركز.
وفي الوقت الحالي، ينضوي مربو الخيول والمهتمون بها في كل ولاية في جمعيات للتنسيق وتبادل الخبرات والتجارب وتتبع المهرجانات الخاصة بالخيالة وغيرها من الأنشطة. في ولاية تيبازة، قرب العاصمة الجزائرية، يدير مصطفى قدور بن خيرة جمعية "فرسان المتيجة" (نسبة إلى سهل متيجة)، وهو عضو في الاتحادية الوطنية للفروسية. منذ كان صغيراً، أحب الخيل، وتمكّن من إقناع مجموعة من الشباب بتأسيس فرقة الخيالة وتربية الخيول، من خلال استئجار اصطبل قديم من أجل الاعتناء بخيولهم التي أصبحت، خلال السنوات الأخيرة، رفيقتهم في كل المهرجانات التي يشاركون فيها.

الصورة
مربو خيول في الجزائر (رياض حامدي/ فرانس برس)
مربو خيول في الجزائر (رياض حامدي/ فرانس برس)

ويؤكد قدور، لـ "العربي الجديد"، أن نضاله في هذا المجال يهدف إلى الحفاظ على هذا الموروث الثقافي، وأهمية الاعتناء بالخيول التي لها رمزية تاريخية، إذ كانت ترافق الصحابة وصانعي التاريخ العربي الاسلامي والمقاومين للاستعمار الفرنسي. يضيف: "على الرغم من أن غالبية أنشطتنا محصورة في المهرجانات الفلكلورية والعروض والاستقبالات البروتوكولية مع الجهات الرسمية، إلا أن حلمنا الذي نسعى إليه هو نشر ثقافة تربية الخيول والاعتناء بها، لا سيما الأنواع والسلالات العربية الأصيلة المهددة بالانقراض". ويقول إن "الاحتفالات التي تنظم في هذا الإطار تهدف أساساً إلى التبادل الثقافي بين المحافظات الجزائرية، وتشجيع السياحة الداخلية. ففي كل مرة، ندعو جمعيات الخيالة من ولايات داخلية إلى منطقتنا لتنشيط الثقافة، وإخراج البلدات الصغيرة من حالة الركود الثقافي والاجتماعي".
وفي الفترة الأخيرة، تحوّل اهتمام الكثير من الشباب إلى تربية الخيول، نظراً لكثرة الطلب عليها في عروض الفانتازيا والمهرجانات وسباق الخيول، كجزء من السياحة الداخلية. ويتولى مربو الخيول تأجيرها في الغابات والمنتزهات للأطفال والشباب الذي يود بعضهم أخذ صور تذكارية معها في مقابل مبلغ مادي بسيط، خصوصاً أن كثيرين يصرّون على امتطاء الخيول مع عائلاتهم.
ولا تخلو تربية الخيول في الجزائر من المشاكل. في هذا الإطار، يتحدث قدور عن غلاء مادة الشعير والعلف الرئيسي للأحصنة، إذ يصل سعر القنطار الواحد إلى 40 دولارا. ويتمكن بعض المربين من الحصول على بطاقة من الديوان الجزائري للحبوب والمركز الوطني لتربية الخيول، تساعدهم على تأمين الغذاء للخيول. كما يشير إلى صعوبة الحصول على البنادق لاستخدامها خلال استعراضات فرق الخيالة، إذ يعاقب القانون الجزائري كل من يملك ذخيرة أو بارودا من دون رخصة. ويقول: "رغم أننا نلقب بناس البارود كفرق خيالة تقدم استعراضات يرتدي خلالها الفرسان اللباس التقليدي، إلا أننا نعاني للحصول عليه، ونلجأ في الكثير من الأحيان إلى وسائل غير قانونية من أجل تأمينه، بهدف الحفاظ على هذا التراث. وقد سبق أن عقدنا اجتماعات مع مسؤولين أمنيين لحل هذه المشكلة، إلا أنه لا حلول في الأفق حالياً، ناهيك عن الصعوبات التي نتكبدها لنقل أحصنتنا إلى المحافظات الأخرى، نظراً لضعف الإمكانيات المادية، في ظل انعدام الدعم والإعانات المالية من قبل السلطات".

وتوجد في الجزائر مراكز حكومية لتربية الخيول وترويضها وتدريب الفرسان، أشهرها في مدينة تيارات غربي الجزائر، بالإضافة إلى محافظة البليدة (60 كيلومتراً جنوبي العاصمة الجزائرية). ويلجأ إلى هذه المراكز الكثير من الشباب الراغب في دخول مجال الفروسية وتربية الخيول، للخضوع لدورات تدريبية تتضمن التعريف بأنواع الخيول، ومميزات كل نوع، وكيفية التعامل مع الحصان من اليوم الأول وحتى احتراف هذا المجال، بالإضافة إلى كيفية امتطائه وترويضه وغيرها.

المساهمون