النباطشي... "أيقونة حفلات غزة" يرتقي شهيداً

النباطشي... "أيقونة حفلات غزة" يرتقي شهيداً

11 نوفمبر 2023
لم تكن تخلو جلساته من الضحك (فيسبوك)
+ الخط -

كان صعباً أن يصدق أي من أصدقائه أنه لن يسمع صوته مرة أخرى، وأنه لن يحيي حفلات في قطاع غزة مجدداً، وأن يتحول أبو العباس إلى ذكرى، هو الذي كان يمازح من يصادفه قائلاً: "من الكبير في البلد؟"، ليأتيه الجواب: "أنت طبعاً". هذه التفاصيل الجميلة التي سيتذكرها أهالي غزة، ترتبط بالشاب اللطيف محمود عباس الجبيري (أبو العباس) المشهور بالنباطشي. مرّ يومان قبل أن يصدّق أحدهم أنه استشهد. شكّك الأصدقاء في بداية الأمر، بل غضب أحدهم حين أخبروه أن النباطشي استشهد، وقال إنه سيُحاسب من قال هذا الكلام. آخرون قالوا إنه أُصيب وسيعود ليكون بين أصدقائه حياً نابضاً بالحياة كما عهدوه.
صديقه بلال إنشاصي يقول: "يا الله النباطشي"، قبل أن تمتلئ عيناه بالدموع. يضيف: "طلع (صعد) الشحن قبلي بثواني وما قدرت ألحقه (لم أتمكن من اللحاق به)". هذه الحافلة التي صعد إليها الجبيري استهدفها الاحتلال الإسرائيلي بصواريخ عدة في الرابع عشر من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي أثناء مرورها في شارع صلاح الدين، الذي يربط محافظات غزة الثلاث بعضها ببعض. كان على متنها عشرات النازحين من غزة، وأُعلن عن استشهاد 70 منهم وإصابة عشرات آخرين، من بينهم النباطشي. باءت محاولات إنقاذه بالفشل إذ اخترقت شظية رأسه الأصلع الذي اشتهر به بين الأصدقاء والمحبين. استشهد لكنه بقي حاضراً بين أصدقائه الذين جمعتهم به ذكريات جميلة وكثيرة. 
النباطشي الذي يبلغ من العمر 30 عاماً نال شهرة واسعة بين الشباب الغزيين. وجاءت هذه الشهرة من جراء إحيائه سهرة العريس ما قبل حفلات الزفاف في قطاع غزة. يقصد كل عريس النباطشي لإحياء ليلته، ويكون أكثر حضوراً من المغني، بل أنه أحد عناصر شهرة مطربين كُثر في غزة.  

نال الجبيري درجة البكالوريوس في الإدارة الصحية من جامعة القدس المفتوحة بغزة. وبسبب قلة فرص العمل في قطاع غزة المحاصر منذ عام 2007 وارتفاع نسبة البطالة وخصوصاً بين فئة الشباب، اتجه الجبيري إلى مهنة إحياء الحفلات الشبابية في غزة، وهي من أبرز عناصر حفل الزفاف وتسبقه بليلة، حيث يحتفل الأصدقاء والأقارب والمحبون بالعريس قبل أن يدخل القفص الذهبي.
"النباطشي تميز بصوته الجهوري وحضوره المميز. ولم تكن تخلو جلساته سواء في المدرسة أو الجامعة من الضحك. كان يتمتع بحس فكاهي وموهبة الوقوف على المسرح ومداعبة الجماهير"، يقول صديقه محمد الشنطي. يضيف أن هذه الموهبة كانت كفيلة بتوفير مصدر رزق له ولعائلته ولطفليه عباس الذي أسماه على اسم والده وشام التي كانت الأقرب إلى قلبه. لكنه لم يكن ينوي الاستمرار في الطريق نفسه، إذ افتتح قبل أشهر مشروعاً تجارياً لبيع ملابس الأطفال أسماه سنتر النباطشي، ليكون مصدر رزقه في حال توقف عن إحياء الحفلات، كما أكد لأصدقائه.

@alnabtshy كلووووو ع اللايف يا حبايب #النبطشي_محمود_الجبيري #foryoupage #fyp #fyp #فلسطين #النبطشي ♬ الصوت الأصلي - محمود الجبيري


يقف النباطشي قبل الحفل لأداء صلاة العشاء، فيسأله ابن صديقه الطفل محمد إن كانت هناك صلة بين الصلاة وبين إحياء الحفلات والغناء لساعات الفجر الأولى. فيجيبه: "والله ما بدي بس الحياة صعبة". يُشيع النباطشي الفرح أينما حلّ، هو الذي يضحك كثيراً، ولم يكن من النوع الذي يستاء من شيء أو يشعر بالملل أو الضجر كما يؤكد صديقه محمد الشنطي.

يُشيع النباطشي الفرح أينما حلّ (فيسبوك)
كان يقول إن سعادة الناس هي مصدر سعادته (فيسبوك)

#النباطشي... مات الكلام .. والكل عليه الالتزام.. هكذا عنون الجبيري سيرته الذاتية على حسابه على فيسبوك. أما على حسابه على منصة "تيك توك"، فينشر النباطشي الكثير من أعماله وحفلاته الفنية، حيث لديه 14 ألف متابع. كان يؤكد أن سعادة الناس هي مصدر سعادته، موضحاً: "لما توصل لمرحلة إنه تكون كبير، حتشعر بأنه استمرارك موصول بحب الناس. أسعد الآخرين تسعد..."، وقد ذيل ما قاله بهاشتاغ #ركزوا_على_فرحة_الناس.

أحد أصدقائه كتب على جداره: "إذا دقت طبول الحرب يا نباطشي اللي زعلك يروح يودع أمه وأهله، لأنه يا نباطشي راح نسقيك من دمو ونكتب على قبره غلطة ودفع ثمنها عمره"، ليرد عليه الجبيري قائلاً إن رب الكون ميز أهل غزة بميزة، قاصداً التضحية بين الأصدقاء والمحبة الكبيرة التي تجمعهم.
بلال إنشاصي الذي رافقه تحت القصف في رحلة النزوح من غزة إلى جنوب الوادي الذي ادعى الاختلال أنه سيكون آمناً، يقول لـ "العربي الجديد": "لم أعرف أنها ستكون آخر مرة تجمعنا. ليته لم يصعد إلى الشاحنة ولكنها إرادة الله ونياله مات شهيداً". سيبقى النباطشي حاضراً بين أصدقائه، هو الذي لم يترك بينهم غير ذكريات جميلة.