القصة الكاملة للقاح أكسفورد/أسترازينيكا.. بدأ تطويره قبل تفشي كورونا

القصة الكاملة للقاح أكسفورد/ أسترازينيكا... بدأ تطويره قبل تفشي كورونا

31 ديسمبر 2020
أجازت بريطانيا استخدام لقاح أكسفورد/ أسترازينيكا (Getty)
+ الخط -

منحت المملكة المتحدة الموافقة على إعطاء لقاح أكسفورد/ أسترازينيكا في 30 ديسمبر/ كانون الثاني الجاري، وذلك بعد ما يقرب من 12 شهراً من التطوير والاختبارات. وبدأت قصة هذا اللقاح قبل فترة طويلة من انتشار وباء فيروس كورونا، حتى  قبل تسلسل الترميز الجيني للفيروس في يناير/ كانون الثاني الماضي، وقبل اكتشاف الإصابات الأولى في ووهان.

بحسب تقرير لصحيفة "إندبندنت" البريطانية عن مسار لقاح أكسفورد/ أسترازينيكا، فإن اللقاح، الذي من المتوقع أن يؤدي دوراً حيوياً في إنهاء وباء الفيروس التاجي، كان قيد الإعداد لسنوات عديدة، لقد بدأت سارة جيلبرت، أستاذة علم اللقاحات بجامعة أكسفورد، في تطوير التكنولوجيا المستخدمة لـ AZD1222 - الاسم الرسمي للقاح - في أعقاب تفشي فيروس إيبولا 2014-2016.

من الناحية العلمية، استخدمت الدكتورة جيلبرت فيروساً غدياً مصمماً وراثياً للشمبانزي - يسبب الإنفلونزا الشائعة في القردة - لنقل الترميز الجيني لبعض السمات الفيروسية إلى الخلايا البشرية، ما يؤدي إلى استجابة الجهاز المناعي.

اعتُمِد هذا النهج بالفعل من قبل فريق أكسفورد لإنتاج لقاحات مرشحة ضد عدد من مسببات الأمراض، بما في ذلك الإنفلونزا وزيكا ومتلازمة الشرق الأوسط التنفسية (ميرس)، وغيرها من الفيروسات التاجية.

لهذا السبب، عندما ظهر مرض غامض يشبه الالتهاب الرئوي في الصين، نهاية عام 2019، كانت جيلبرت وزملاؤها على وشك الانطلاق، وتقول جيلبرت: "عندما بدأت في رؤية تقارير عن تفشي المرض في الصين في بداية العام، فكرت، هل يجب أن نصنع لقاحاً لهذا الفيروس؟. كنت أفكر من حيث التكنولوجيا لدينا"، وتضيف جيلبرت: "حتى لو كان تفشياً صغيراً ولم يصل حقاً، فسيكون ذلك عرضاً مثيراً للاهتمام لما يمكننا فعله لأخذ أحد جينات الفيروس، بمجرد إطلاق تسلسل الجينوم".

وبحسب تقارير جامعة  أكسفورد، فإنه بعد إعلان الشيفرة الجينية لفيروس كورونا، في 11 يناير، كان قالب اللقاح، الذي صممته مساعدة الأستاذة جيلبرت، تيريزا لامب، جاهزاً للعمل.

مشكلة التمويل

ثم كان التحدي التالي الذي يجب التغلب عليه، توفير التمويل والاستثمار اللازمين لتشغيل التجارب السريرية. وبحلول شهر فبراير/ شباط، اتصل البروفيسور أندرو بولارد، مدير مجموعة أكسفورد للقاحات، بالطبيبة جيلبرت لتجميع مواردهم - لكن لم يكن ذلك كافياً لبدء المشروع.

وبحسب "إندبندنت"، فقد كانت هناك حاجة إلى المزيد من الأموال، ولكن في هذه المرحلة المبكرة من الوباء، عندما كانت عناوين الصحف لا تزال تهيمن عليها إجراءات عزل الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشبهة التدخل الروسي في رئاسيات 2020، أثبت أنه يمثل تحدياً لجذب المستثمرين الضروريين، وبمجرد أن تدهور الوضع في المملكة المتحدة، في ذات اليوم الذي أُغلقَت فيه البلاد، أعلنت الحكومة تخصيص حزمة تمويل قدرها 2.6 مليون جنيه إسترليني لفريق أكسفورد، وكان هناك الكثير الذي يجب اتباعه في الأسابيع اللاحقة، لكن كان ذلك كافياً لبدء إنتاج اللقاح على نطاق واسع والبدء بحقن المتطوعين الأوائل بجرعات.

ومن ضمن أول المتطوعين لأخذ اللقاح كانت إليسا جراناتو، عالمة الأحياء الدقيقة الجزيئية بجامعة أكسفورد، وتسلط قصتها، بحسب تقرير الصحيفة البريطانية، الضوء على مشكلة المعلومات المضللة التي تطارد برنامج التطعيم في العالم منذ اليوم الأول للوباء. فوفقاً لسلسلة من التقارير الكاذبة التي ظهرت في أواخر إبريل، توفيت جراناتو بعد يومين من حقنها باللقاح، وادُّعيَ أن أربعة متطوعين آخرين دخلوا المستشفى بعد تعرضهم لردود فعل سلبية على AZD1222، لكن فُضحت القصص بسرعة، وتبين أن لا صحة لها.

لقد أضافت هذه المؤامرات العبء الذي يواجه جيلبرت وزملاءها، إذ لم يُطلب منهم فقط إيجاد طريقة للخروج من الوباء، بل سُلِّموا أيضاً الدور الإضافي المتمثل بتسوية مخاوف الإنسانية بشأن مثل هذه الأمور.

تقول جيلبرت: "أحب أن يتخذ الناس قرارات بشأن التطعيم على أساس الحقائق لا المعلومات المضللة، أو عدم وجود معلومات"، وتتابع: "المشاركة العامة مهمة بالنسبة إلينا، هو أن نحاول شرح الأشياء حتى يتمكن عامة الناس من فهمها، نحن لا نحاول إخفاء الأشياء، بل نحاول إتاحة المعلومات".

في هذه المرحلة، بدأت الحكومة بضخ المزيد والمزيد من الأموال في لقاح أكسفورد/ أسترازينيكا، في 21 إبريل/ نيسان الماضي، كان الالتزام بتمويل 20 مليون جنيه إسترليني، وبعد تسعة أيام أعلنت الجامعة أنها دخلت في اتفاقية مع AstraZeneca لمزيد من التطوير وتصنيع اللقاح وتوزيعه على نطاق واسع.

وبحسب تقرير "إندبندنت"، استُثمِرَت 65.5 مليون جنيه إسترليني إضافية في المشروع، وعلى الرغم من الجهود الجارية لبناء مجموعة من اللقاحات المختلفة وتأمين الكثير من الإمدادات لسكان المملكة المتحدة، كان من الواضح في هذه المرحلة أن لقاح أكسفورد/ أسترازينيكا سيكون جوهرة التاج البريطاني، مع موافقة الحكومة على الطلب المسبق 100 مليون جرعة من المرشح.

طوال الوقت، كان الفريق في أكسفورد يعمل بسرعة فائقة على تجاربه السريرية، وانتقل من المرحلة الأولى، التي تحدد سلامة المرشح، إلى المرحلة الثانية والثالثة، والتي تقيس فعالية اللقاح في إحداث استجابة مناعية والوقاية من الأمراض بين المتطوعين.

أُطلِقَت التجارب على نطاق واسع في منتصف الصيف، في المملكة المتحدة والبرازيل، وهما دولتان كافحتا لاحتواء الفيروس، وما زالتا تسجلان معدلات إصابة عالية، قبل توسيعها لاحقاً إلى جنوب أفريقيا والولايات المتحدة.

يقول جيليس أوبرايان تير، رئيس كلية الطب الصيدلاني، لصحيفة "إندبندنت": "تحتاج إلى مكان ما لإجراء تجربتك حيث توجد معدلات انتقال عالية وعدوى تحدث في الخلفية، بدون ذلك، لن تعرف ما إذا كان اللقاح يعمل لأنه سيستغرق وقتاً طويلاً حتى يظهر بين المتطوعين".

وهذا يعني أنه مع تدهور وضع المملكة المتحدة طوال فصل الخريف، سُجِّل المزيد والمزيد من الحالات بين المشاركين في التجربة، ما سمح للباحثين بجمع البيانات ذات الصلة التي ستُقدَّم في النهاية إلى وكالة تنظيم الأدوية ومنتجات الرعاية الصحية في المملكة المتحدة  (MHRA)، وبحلول هذه المرحلة تخلص الباحثون والعلماء من البيروقراطية المرهقة التي أدت إلى تعقيد تنفيذ التجارب السريرية السابقة.

بشكل عام، أظهرت البيانات، التي جُمِّعَت من التجارب البريطانية والبرازيلية، والتي تضمنت مجموعة متنوعة من المجموعات الفرعية التي أعطيت جرعات مختلفة على فترات مختلفة، أن اللقاح كان آمناً وفعالاً بنسبة 70.4%، لم يُبلَّغ عن حالات دخول المستشفى أو المرض الشديد بين الأشخاص الذين تلقوا اللقاح.

أثار هذا الأمر أسئلة بين الخبراء والمنظمين في جميع أنحاء العالم: هل كانت النتائج ذات دلالة إحصائية؟ هل يمكن استخلاص النتائج من البيانات المجمعة؟ لماذا كان نظام الجرعات الأصغر أكثر فعالية؟ هل اختُبِر اللقاح على عدد كافٍ من كبار السن؟

ردت الولايات المتحدة بحذر على النتائج، يزعم النقاد أن التجارب في المملكة المتحدة والبرازيل لم تتضمن ما يكفي من التنوع العرقي والتوازن بين الجنسين والعمر لإرضاء المنظم الأميركي، خاصة إدارة الغذاء والدواء (FDA).

وتجري حالياً تجربة منفصلة تضم 30 ألف متطوع في الولايات المتحدة، ومن المتوقع استخدام نتائج هذا لتشكيل قرار إدارة الغذاء والدواء بشأن الموافقة على اللقاح من عدمه.

بعد ما يقرب من 12 شهراً من بدء الخبراء في العمل على لقاح أكسفورد، يأتي وصوله في وقت تشتد الحاجة إليه في المملكة المتحدة، مع انتشار الوباء أكثر فأكثر خارج نطاق السيطرة، مدفوعاً بمتغير فيروس كورونا الجديد الذي طغى على المستشفيات و الآلاف المصابة.

المساهمون