الشهادة الثانوية في العراق... تفوق ومعدلات غير مسبوقة

الشهادة الثانوية في العراق... تفوق ومعدلات غير مسبوقة

19 أكتوبر 2020
لم يتوقّع أحد هذه النتائج في ظلّ جائحة كورونا (صافين حامد/فرانس برس)
+ الخط -

حقّق الطلاب في العراق للمرة الأولى نسب نجاح عالية جداً بمعدّلات غير مسبوقة في شهادة الثانوية العامة، بعدما كان الجميع ينتظر عكس ذلك بسبب جائحة كورونا وتداعياتها على الدراسة، لا سيما إقفال المدارس

لأول مرة، شهد العراق حصول عدد كبير جداً من الطلاب على معدلات عالية غير مسبوقة في الامتحانات النهائية للدراسة الثانوية، ما أثار استغراب المواطنين الذين تناولوها بطريقة ساخرة، حتى أنّ بعض أولياء الأمور الذين يعرفون قدرات أبنائهم ومستواهم الدراسي استغربوا هذه المعدّلات.
ووفق إحصائيات رسمية، بلغ عدد الطلاب الأوائل أكثر من 600 طالب، و5 آلاف طالب حازوا على معدل 99 بالمائة فما فوق، فيما حاز أكثر من 8 آلاف طالب على معدّلات 98 بالمائة.
وتأتي حالة الاستغراب من حصول عدد كبير من الطلّاب على معدلات عالية نتيجة الوضع غير الملائم للدراسة على أثر تداعيات جائحة كورونا، وهو ما كان يصعب معه أن يحقق العراق نسبة نجاح عالية بالمقام الأول، فكيف بتحقيق نسب كبيرة بمعدلات التفوق؟!

قضايا وناس
التحديثات الحية

لكن الاستغراب لم يكن بادياً على وزير التربية، علي مخلف الدليمي، الذي أشاد في بيان، بعمل الجهات الحكومية والأمنية المختلفة التي ساندت الامتحانات، معتبراً أنّ الملاكات التربوية "أوصلت الامتحانات إلى مبتغاها المطلوب"، ووصف الطلاب بأنّهم "قهروا الظروف الاستثنائية من أجل عراقنا الحبيب".
وأكّدت الوزارة أنّ نسب النجاح كانت كالآتي: الفرع العلمي التطبيقي (%81 )، الفرع العلمي الأحيائي (%74)، الفرع الأدبي (%77).
ولحظة انتشار خبر المعدلات المرتفعة، كانت مواقع التواصل الاجتماعي تعجّ بالعبارات الساخرة، حيث لم يقتنع كثيرون بأنّ المعدلات العالية التي حصل عليها الطلاب مستحقة.
فالصحافي حيدر جابر كتب بلهجة عراقية ساخرة: "الظاهر أنّ المدارس وانتظام الدوام هو سبب تردّي الحالة العلمية"، في إشارة إلى أنّ الحياة الدراسية الاعتيادية التي تتطلب حضوراً منتظماً من قبل الطالب إلى المدرسة، وأوقفتها آثار كورونا، كانت السبب في عدم الحصول على معدلات عالية.
وتحدّث كثيرون بجدية بعيداً عن السخرية، مستغربين حصول عدد كبير من الطلاب على معدلات مرتفعة في حين أنّهم مرّوا بظروف كورونا، التي كان من المتوقع أن تؤثر سلباً على نتائج الدراسة.
وكتب المحلّل السياسي المعروف إبراهيم الصميدعي، على حسابه على "فيسبوك"، متحدثاً عن مرحلة دراسته النهائية في الثانوية (1988 - 1989)، أنّه كان يدرس من 6 إلى 8 ساعات يومياً، في حين يزيد وقت الدراسة إلى 12 ساعة يومياً عند اقتراب موعد الامتحانات، وأضاف أنّ هذا الوقت في الدراسة مكّنه من الحصول على معدل 91.7 ودخول كلية الحقوق.
وأضاف: "كنت الأول على مدرستي والأول على المحافظة (محافظة ديالى) والخامس على العراق".
وخلص إلى القول مستغرباً: "الآن في كلّ مدرسة هناك نحو عشرين طالباً اجتازوا معدلي ومعدّلات الأوائل في تلك السنوات". متسائلاً: "لماذا نرى الكثير من الطلاب يتخرّجون من الكليات، وبالكاد الواحد منهم يقرأ ويكتب؟".
ومنذ فبراير/ شباط الماضي، علّق العراق الدراسة ولجأت وزارة التربية إلى بثّ الدروس عبر الإنترنت، وذلك ضمن الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها البلاد لمواجهة فيروس كورونا. وهو ما جعل أولياء أمور الطلاب والمواطنين، بشكل عام، يتوقّعون أنّ تكون نسبة النجاح منخفضة، بل الأكثر انخفاضاً في تاريخ النتائج الثانوية.
يقول مسلم عبد الحافظ إنّه وعلى الرغم من مرور عدة أيام على صدور النتائج، لكنه ما زال مستغرباً نيل ولده، مؤمل، معدّل 81، وأضاف: "كنت أتوقع رسوبه وإذا به ينجح بمعدل مرتفع".
وتابع قائلاً لـ"العربي الجديد": "إنّ إخوة مؤمل، الذين يكبرونه، تخرّجوا من الدراسة الثانوية في سنوات سابقة ولكنهم كلّفوه كثيراً. إذ كانوا، كما حال الغالبية من الطلاب في العراق، يلجأون إلى اعتماد مدرّسين خصوصيين".
وأضاف: "رغم ذلك فإنهم لم ينالوا معدلات عالية، وراوحت معدلاتهم بين الـ16 و65، لكن مؤمل لم يعتمد على المدرّسين الحصوصيين واكتفى بمراجعة دروسه مع أصدقائه فقط".
وبعيداً عن استغراب العراقيين بحصول الطلّاب على معدلات مرتفعة، يرى طلاب حصلوا على معدلات عالية أنهم يستحقّون ما نالوه، وهذا ما أكّدته شهد العبيدي، التي نالت معدّلاً بلغ 90.18، مشيرة في حديثها لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ اجتهادها كان السبب. وأضافت: "جميع زميلاتي اللواتي حصلن على معدلات عالية اجتهدن. والسخرية التي نلنها من المجتمع مسيئة بحقّنا. كان فيروس كورونا فرصة لكي نكرّس وقت الحجر المنزلي للدراسة. استعنت أيضاً بمدرّسين خصوصيين".
لكن بحسب شهد، فإنّها وجميع من تعرفهم من الطلاب لم يعانوا من الضغوط العائلية هذا العام كما يحصل عادة مع الطلاب.
وأوضحت أنه "كان اهتمام عائلاتنا منصباً على كيفية مواجهة كورونا وعدم إصابة أيّ فرد من الأسرة بالفيروس. أعتقد أنّ هذا كان له تأثيره أيضاً، إذ لم تضغط علينا عائلاتنا. في الأسبوع الواحد ربما، كان يسألني والدي مرة واحدة عن دراستي، في حين قبل عامين، كان شديد التواصل مع شقيقتي التي نجحت حينذاك بمعدل 69".
ويفسّر مختصّون أسباب الحصول على معدلات عالية بأعداد كبيرة غير مسبوقة لخرّيجي الثانوية للعام الحالي، على الرغم من آثار الجائحة، بأنّها "طبيعية".
محمد الرفاعي، وهو مدرّس شارك في تدقيق امتحانات الطلاب، اعتبر حصول عدد كبير من الطلاب على معدلات مرتفعة أنه "استحقاق"، نافياً أن يكون هناك أيّ تلاعب أو غش أو تهاون من أيّ جهة بحسب ما يشاع.

قضايا وناس
التحديثات الحية

وأفاد لـ"العربي الجديد"، بأنّ "هناك عدة عوامل اجتمعت وكانت في صالح الطلاب"، مشيراً إلى أنّ "أول هذه العوامل هي فيروس كورونا، الذي بدل أن يكون عقبة تحوّل إلى مساعد للنجاح".
وأضاف: "بسبب كورونا، تقلّصت مواد الامتحانات، وكانت لديهم فترة طويلة جداً للدراسة بشكل كافٍ، ولاستيعاب المقرّر الداخل في الامتحانات، علاوة على هذا، هناك طلاب اعتمدوا على الدروس الخصوصية".
وأكّد الرفاعي أنّ "الأسئلة بشكل عام لم تكن سهلة كما يعتقد البعض، وتدقيق اللّجان الامتحانية لم يكن فيه أي تهاون أو تساهل، حتى أنّ المراقبين لم يتساهلوا مع الطلاب وقت أداء الامتحانات مثلما يشيع كثيرون".

المساهمون