مساعدات العراقيين رهينة الفساد

مساعدات العراقيين رهينة الفساد ورواتب الحماية الاجتماعية ممنوعة عن مواطنين

15 أكتوبر 2020
تردي كبير في الأوضاع المعيشية إثر تداعيات فيروس كورونا (أحمد الرباعي/فرانس برس)
+ الخط -

 

صحيح أنّ المبالغ المخصصة للمواطنين العراقيين الذين يستحقون رواتب الحماية الاجتماعية التي تقدمها وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، ليست كافية لجميع المحتاجين، لكنّ ما أثار حفيظة العراقيين مؤخراً إعلان حكومي عن متجاوزين على رواتب المحتاجين، ويؤكد كثير من العراقيين أنّ الفساد الأساسي هو "فساد حكومي" يقف وراء هذه التجاوزات.
في 21 سبتمبر/أيلول الماضي، أعلنت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، عن استرجاع أكثر من 5 مليارات دينار (أكثر من 4 ملايين دولار) من المتجاوزين على رواتب الحماية الاجتماعية الشهرية. وقالت المديرة العامة لصندوق الحماية الاجتماعية، جاكلين صليوا، في بيان: "بمتابعة مباشرة من الوزير عادل الركابي، استطاع الصندوق استرداد خمسة مليارات و452 مليون دينار منذ بداية العام، حتى منتصف سبتمبر/أيلول (الماضي) بالرغم من ظروف جائحة كورونا وحظر التجول الصحي وتوقف الدوام في بعض الأوقات". وأضافت: "موظفو أقسام الحماية الاجتماعية والصندوق كثفوا جهودهم لتنفيذ توجيه الوزير القاضي بمتابعة أموال الدولة المتجاوز عليها، واستردادها وإعادتها إلى خزينة الدولة من منطلق الحفاظ على المال العام".
ولم يكن التجاوز على رواتب الحماية الاجتماعية جديداً، بحسب ما يؤكد عراقيون، لكنّ ما أثار القضية وجعل الحديث عنها يزداد في مواقع التواصل ووسائل الإعلام المحلية، هو التردي الكبير في الأوضاع المعيشية الذي جاء على إثر تداعيات فيروس كورونا الجديد، وجعل تلك الرواتب أساسية للبعض. وبذلك، فإنّ أسراً فقيرة كثيرة لم تتمكن من الحصول على رواتب الحماية الاجتماعية، علماً أنّ مصادر دخلها يومية مما يجنيه أفرادها، لكن منذ بداية العام الجاري ازدادت معاناتهم بسبب آثار الفيروس، وعدم تمكن كثيرين من العمل، وبالتالي فقدان الدخل الأساسي.

أسرة عبد الحكيم التميمي المكونة من ستة أفراد، تعتمد بشكل أساسي في معيشتها على عمل الأب في البناء، على الرغم من أنّه يعاني من أمراض منها السكر وارتفاع ضغط الدم. يقول التميمي لـ"العربي الجديد" إنّه يعمل نحو عشرة أيام في الشهر، إذ إنّ صحته لا تؤهله لممارسة عمل متعب، ويسكن رفقة عائلته في منزل متواضع في أطراف بغداد الشمالية، في حي بدائي لا تتوفر فيه أبسط الخدمات الصحية. يتسلم راتب حماية اجتماعية يبلغ 250 ألف دينار (نحو 200 دولار)، في حين يؤكد أنّ احتياجات أسرته الشهرية تتجاوز مليون دينار (نحو 800 دولار). ويضيف: "لديّ ثلاثة أولاد وابنة واحدة، أكبرهم في المرحلة الثانوية من المدرسة، وأرفض أن ينخرطوا في سوق العمل مثل حال كثيرين في أعمارهم، بل أحاول أن أوفر لهم ما يتيح لهم إكمال دراستهم". مع ذلك، يؤكد أنّ أشخاصاً يأخذون حقه وحق كثيرين غيره بتجاوزهم على رواتب الحماية الاجتماعية، موضحاً: "ليس الأمر سراً، فجميع العراقيين يعرفون أنّ هناك فساداً كبيراً لولاه لتقاضيت راتباً من الحماية الاجتماعية يسد احتياجات أسرتي أو نصفها على الأقل".
ويؤكد مواطنون تحدثوا إلى "العربي الجديد" أنّ أعداداً كبيرة ممن يستحقون أن تخصص لهم رواتب حماية اجتماعية لا ينالونها، ولولا التكافل الاجتماعي وما يصلهم من معونات من قبل بعض المحسنين لكانوا في حال صعبة. ويعتمد فؤاد عبد الرحمن، وهو ناشط في مجال حقوق الإنسان، على متبرعين دائمين، من رجال أعمال وميسورين، لكي يقدم دعماً مادياً لأسر فقيرة، يقول إنّها بحاجة ماسة للمساعدة. يوضح عبد الرحمن لـ"العربي الجديد" أنّ بعض الأسر التي يوصل لها المساعدات تتسلم رواتب حماية اجتماعية "لكنّها لا تفي حاجتها"، مشيراً إلى أنّه ساهم من خلال علاقاته بمسؤولين في وزارة العمل على حصول بعض الأسر على رواتب الحماية الاجتماعية "لكنّ المبالغ لا تكفي الأعداد الكبيرة من الفقراء والعاطلين من العمل". يضيف: "بسبب الفساد الحكومي هناك أموال ضخمة تصرف على أنّها لمواطنين محتاجين ضمن مبالغ الحماية الاجتماعية في حين أنّها تذهب لمن لا يستحقها".
وبحسب موظف مسؤول في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، يتحدث إلى "العربي الجديد" طالباً عدم الكشف عن هويته لعدم تخويله بالحديث للإعلام، فإنّ الوزارة تعتمد بيانات تثبت أحقية الشخص من عدمها في تسلم راتب الحماية الاجتماعية، لكنّه يشير من جانب آخر إلى "عمليات تزوير" يرتكبها مواطنون من أجل الحصول على رواتب الحماية، في حين أنّهم لا تنطبق عليهم شروط الراتب. ومن أجل استحقاق راتب حماية اجتماعية هناك عدة شروط، أبرزها أن تكون الأسرة عديمة الدخل أو ذات دخل متدنٍ، كما يستحق الراتب كلّ من العاطلين من العمل والأشخاص ذوي الإعاقة ممن نقصت أو انعدمت لديهم القدرة على العمل، والعاجزين كلياً، والأرملة أو المطلقة التي ليس لها دخل يسد حاجتها، وأسرة السجين.
في مطلع يوليو/تموز الماضي، كشف وزير العمل والشؤون الاجتماعية، عادل الركابي، أنّ مستويات الفقر في البلاد شهدت زيادة كبيرة بسبب تفشي فيروس كورونا وانخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية، محذراً من وقوع أزمات اقتصادية وصحية في العراق من جراء ذلك. وقال الركابي إنّ نسبة الفقر ارتفعت من 22 في المائة إلى 34 في المائة، مؤكداً أنّ العراق يسعى إلى تجاوز الأزمة من خلال التعاون مع مختلف الجهات الدولية لإيجاد حلول سريعة.