السويد: جرائم العصابات "خارج السيطرة"

السويد: جرائم العصابات "خارج السيطرة"

21 يونيو 2022
الشرطة السويدية في مواجهة يومية مع العصابات (العربي الجديد)
+ الخط -

يعيش المجتمع السويدي هذه الأيام على وقع أخبار عنف عصابات المخدرات، التي باتت لا تشمل فقط عدد الضحايا الذي يرتفع بشكل غير مسبوق، بل وقائع انتقال أصوات الأعيرة النارية القاتلة من ضواحي المدن الكبيرة إلى بلدات وقرى أصغر، ما يعني بالنسبة إلى كثيرين أنّ "الأمور تخرج عن السيطرة". وحتى نهاية مايو/أيار الماضي، أحصت السويد أكثر من 30 ضحية بأعيرة نارية أطلقها أفراد في عصابات تتنافس على سوق المخدرات.
والعام الماضي، أودت عمليات إطلاق الرصاص بحياة 47 شخصاً في السويد التي يسكنها 10.3 ملايين شخص، علماً أنّ الدنمارك التي تضم 5.8 ملايين نسمة أكثر من السويد، شهدت مقتل 8 أشخاص فقط بأعيرة أسلحة نارية. وتقول الشرطة السويدية إنّ "الشبكات الإجرامية تضم 1200 شاب تحت سن الثامنة عشرة ممن تصنّفهم القوانين بأنّهم "أطفال"، وأنّ 170 منهم تحت سن الخامسة عشرة"، علماً أنّ الناطق باسم الشرطة كريستوفر بومان يرجح أن يكون هذا الرقم أكبر في مناطق تشهد زيادة في عمليات إطلاق نار بين العصابات المتحاربة على سوق المخدرات.

في الفترة الأخيرة، زاد السجال القانوني والسياسي في السويد، خصوصاً أنّ غالبية شبكات العصابات التي تتقاتل على أسواق المخدرات تضم أطفالاً وشباناً من أصول مهاجرة، أي من أبناء الضواحي. وتقدر الشرطة أنّ مزيداً من الشبان ينضمون إلى حملة السلاح القاتل.

ويوضح بومان أنّ انتشار السلاح وصل إلى أيدي أفراد يصنفون بأنهم "أطفال"، ويقول: "نعيش في مجتمع يضم مجموعات صبيان غير مسيطر عليهم، وينتقلون بسرعة من حياة عادية إلى حمل السلاح، وبعضهم لم تتضمن سجلاتهم أبداً أي مخالفة قانونية بسيطة. وتطالب الشرطة بتعديل القوانين التي تمنع حبس من هم دون سن الخامسة عشرة، فالبلاد تحتاج إلى إصلاحات في القوانين لمنع وصول الصغار إلى شبكات العصابات، ويجب التضحية ببعض البقرات المقدسة (قول في السويد يشير إلى الاضطرار لاتخاذ قرارات صعبة)".

الصورة
قد يتحوّل الشبان بسرعة من حياة عادية إلى حمل السلاح (العربي الجديد)
قد يتحوّل الشبان بسرعة من حياة عادية إلى حمل السلاح (العربي الجديد)

وكاد تنامي الجريمة المنظمة يطيح بالحكومة، بعدما اقترحت المعارضة الأسبوع الماضي التصويت على حجب الثقة عن وزير العدل والداخلية مورغان يوهانسون، بحجة أنه فشل في وقف ظاهرة القتل اليومي الذي نشر الغضب بين أفراد المجتمعات المحلية التي لم تعرف إلا الأمان والرفاهية سابقاً.
ويخشى سياسيون ومتخصصون في قضايا اجتماعية وأمنية من اتساع حالات العنف، في وقت تتصدر السويد قائمة الدول الأوروبية في عدد ضحايا القتل بالرصاص ضمن عالم الجريمة المنظمة. ويبدو أنّ وعود السياسيين بمكافحة العصابات لم تأتِ بأي نتيجة، ما زاد ملامح غضب المجتمع واتهام الحكومة السويدية بالعجز عن مواجهة انتشار العنف من ضواحي المدن الكبيرة إلى البلدات الصغيرة.
ويصف متخصصون في شؤون القضاء الوضع بأنه "كارثي". ويرى الباحث في الجريمة المنظمة بجامعة لوند (جنوب) مارتن أسكلسنن، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أنّ "الوضع ينذر بالأسوأ، ليس بسبب تضاعف أرقام الضحايا مقارنة بالعام الماضي، بل بسبب توسيع نطاق حرب العصابات، وتأثيرها على المجتمعات المحلية".

الصورة
تنتقل أصوات الرصاص من ضواحي المدن الكبيرة إلى بلدات أصغر (العربي الجديد)
تنتقل أصوات الرصاص من ضواحي المدن الكبيرة إلى بلدات أصغر (العربي الجديد)

وفعلياً، تشتكي الشرطة السويدية منذ سنوات من أنّ مواردها الحالية غير كافية لمواجهة التطورات الأمنية السلبية، في حين انتقل الإحباط السياسي إلى الشارع الذي بات يخاطبه أقصى اليمين القومي، ويستغله يمين الوسط للمطالبة بتشديد سياسات الهجرة والدمج في المجتمع الإسكندنافي الذي عُد حتى عام 2015 أحد أكثر المجتمعات الأوروبية انفتاحاً واستقبالاً للمهاجرين، واحتل المرتبة الثانية عددياً بعد ألمانيا، باستقباله في ذلك العام أكثر من 163 ألف لاجئ.
ولا يكترث المتحاربون في عصابات المخدرات بغضب المجتمع والانعكاسات السلبية للأحداث على مجتمعات الهجرة. ويرى الصحافي المتخصص في الشؤون القانونية أويسين كانتويل أنّ السويد تتجه إلى مزيد من كوارث القتل، باستخدام الأسلحة النارية المرتبطة كلها تقريباً بحرب العصابات".
وما يجعل السويد مختلفة عن جارتها الدنمارك التي عانت في السنوات الماضية من مستوى العنف ذاته، قبل أن تتخذ إجراءات مشددة على المستويين الأمني والقضائي للسيطرة عليه بدءاً من عام 2019، أنّ العصابات فيها غير مركزية، أي أنّها لا تتمركز في ضواحي مدن محددة، بل أكثر اتساعاً وتمدداً وتتعدد شبكاتها في بلدات بعيدة عن الضواحي التقليدية.

يذكر أن عدد القتلى في السويد ارتفع من 9 عام 2010 إلى 32 عام 2015. ويسجل البلد مئات من حالات إطلاق النار سنوياً، وبعض التفجيرات التي تصيب أشخاصاً لا علاقة لهم بحرب العصابات، ما يزيد الاحتقان الشعبي أيضاً. ويربط بعض علماء الجريمة والاجتماع تصاعد عنف عصابات المخدرات، بتراجع معدلات تهريب المخدرات عبر أوروبا إلى السويد.
ومطلع يونيو/حزيران الجاري، حذرت الشرطة الدولية (إنتربول) من إمكان تسرب السلاح من أوكرانيا إلى عالم الجريمة، ما يخلق سجالاً آخر حول وصول السلاح المهرب إلى عصابات في السويد.

المساهمون