التعليم الرسمي في لبنان.. إضراب لأجل غير مسمّى

التعليم الرسمي في لبنان: إضراب لأجل غير مسمّى

26 يناير 2023
مطالبة بإنصاف الأساتذة (حسين بيضون)
+ الخط -

على وقع الجدل السياسي والقضائي الذي تشهده الساحة اللبنانية منذ يوم أمس الأربعاء، والارتفاع الجنوني في سعر صرف الدولار الأميركي، نُظّمت سلسلة اعتصامات تربويّة للمطالبة بحقوق الأساتذة وإنصافهم، بعدما قارب إضراب التعليم الرسمي ثلاثة أسابيع، من دون أيّة بوادر لحلول حتى الآن. أمرٌ يهدّد مستقبل التلاميذ اللبنانيّين في سيناريو مجحفٍ يتكرّر كلّ عام، وينذر بضياع العام الدراسي وتدمير التعليم الرسمي في لبنان.

الحال ذاتها تنسحب على زملائهم السوريّين، الذين ربط أخيراً المدير العام لوزارة التربية والتعليم العالي اللبنانيّة، عماد الأشقر، قرار عودتهم بعودة التعليم خلال فترة ما قبل الظهر (أي التعليم للبنانيّين).

وما زال قرابة 350 ألف تلميذ لبناني و40 ألف أستاذ (ملاك ومتعاقد) في التعليم الرسمي (الأساسي والثانوي) خارج مقاعد الدراسة، وفق ما ذكرته اللجنة الفاعلة للأساتذة المتعاقدين في التعليم الرسمي الأساسي. فلا تعليم رسمياً في لبنان منذ 20 ديسمبر/ كانون الأول الماضي. وسبق أن نفّذ المعلّمون إضراباً تحذيرياً قبل يومين من بدء عطلة عيدي الميلاد المجيد ورأس السنة، على أن تكون العودة في التاسع من الشهر الجاري بعد انتهاء العطلة، علماً أنّ الأسبوع التعليمي يقتصر على أربعة أيام، وقد وصل إلى حدّ الاكتفاء بيومين في بعض المدارس خلال شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وذلك بقرارٍ من روابط التعليم الرسمي (الأساسي والثانوي)، الذي وصفته حينها اللجنة الفاعلة بـ"القرار غير التربوي"، ولم تلتزمه.

لجنة المتعاقدين: لا تعليم قبل إعطائنا حقوقنا

في السياق، تداعت صباح اليوم الخميس اللجنة الفاعلة للأساتذة المتعاقدين في التعليم الأساسي، برفقة الأساتذة الثانويّين الملاك في التيار النقابي المستقل وممثّلي المجتمع المحلي، إلى تنفيذ سبعة اعتصامات متزامنة على مختلف الأراضي والمحافظات اللبنانية، وذلك بمشاركة "التلامذة والأهالي وكلّ منتفض حر يمثل نفسه من أساتذة ملاك ومتعاقدين ومستعان بهم، ثانوي، أساسي ومهني"، وفق بيان اللجنة الفاعلة. واختزل التحرّك بأنّه "يوم انتفاضة الحقوق والكرامة، والوقوف وقفة واحدة دفاعاً عن المدرسة الرسمية وحقّ التلامذة بالتعلّم وحقّ الأساتذة بالحصول على حقوقهم، من خلال الإفراج عن أموال القطاع التعليمي".
وشملت الاعتصامات وقفات احتجاجيّة أمام وزارة التربية والتعليم العالي في العاصمة بيروت، وأمام المنطقة التربوية في طرابلس (شماليّ البلاد)، وسرايا جونية (شمال بيروت)، وكذلك أمام المنطقة التربوية عند مدخل بعلبك/ دورس (البقاع الشمالي)، وسرايا جب جنين (البقاع الغربي)، بالإضافة إلى تحرّك أمام سرايا بيت الدين (جبل لبنان)، وعند تمثال شكيب جابر في عاليه (جبل لبنان).
ورفع المعتصمون لافتات وشعارات شدّدت على أنّ "كرامة المعلم خط أحمر"، وأنّ "أبناءنا أمانة لا تفرّطوا بها"، مردّدين: "ليس بالفتات المستجدَى يحيا المعلّم، بل بمستحقات لعيش كريم وآمن". وإذ استنكروا ما يتلقّونه دائماً من وعود رنّانة، رأوا في الاعتصام تعبيراً عن وجعهم المعيشي وفرصة للمطالبة بحقوقهم المهدورة، مؤكّدين أنّهم ليسوا "هواة إضراب ولا تعطيل كما يتمّ اتّهامهم، بل على العكس فنحن حريصون على مصلحة طلابنا، الذين هم بمثابة أولادنا، وعلى عودتهم بأقرب وقت إلى صفوفهم".
إلا أنّ الوزارة والمسؤولين هم من يعطّلون العام الدراسي، ويحرموننا أبسط حقوقنا ولقمة عيشنا ويمعنون في إفقارنا وتجويعنا". وتابعوا: "مطالبنا متشعّبة، ومن ضمنها تقاضي أجورنا بشكلٍ شهريّ والحصول على بدل نقلٍ عادلٍ، لا سيّما بعدما تخطّى سعر صفيحة البنزين المليون ليرة لبنانية (الدولار يساوي نحو 60 ألف ليرة لبنانية). لا تهمّنا سجالات الوزارة مع الدول المانحة، نريد حقوقنا من دولتنا كي ننقذ العام الدراسي والمدرسة الرسمية".
وتوضح رئيسة اللجنة الفاعلة للأساتذة المتعاقدين في التعليم الأساسي الرسمي، نسرين شاهين، لـ"العربي الجديد"، أنّ "التحرّكات اليوم تطالب وزير التربية والتعليم العالي في حكومة تصريف الأعمال عباس الحلبي، بدفع حقوق الأساتذة من الهبات والقروض التي وصلت على اسمهم بقيمة ستين مليون دولار أميركي. كذلك تطالبه بما صرّح به أخيراً (إعلانه دفع خمسة دولارات) وأنّ لديه وفرة 15 مليون دولار من العام الماضي، فليدفع حوافز الـ130 دولاراً أميركيّاً التي أكّد أنّه سيدفعها قبل بدء العام الدراسي، لإعادة الحياة إلى المدارس بدلاً من أخذ القطاع التربوي ومستقبل تلاميذ لبنان رهينة ابتزاز الجهات المانحة بعد ربط تعليم التلاميذ السوريّين بعد الظهر بالتلاميذ اللبنانيّين قبل الظهر".
الصورة
التعليم في لبنان (حسين بيضون)
سبق أن نفّذ المعلّمون إضراباً تحذيرياً (حسين بيضون)
وإذ لفتت إلى أنّ "اعتصاماتهم مضادة لممارسات وبيانات روابط التعليم الرسمي المرتهنة للسلطة والتي لا تمثلنا"، طالبت الحلبي "بتحديد المسؤوليّات لجهة عدم صرف الهبات التي وصلت إلى صناديق المدارس الرسمية (500 مليون دولار هبة لكل صندوق من العام الماضي و30 مليون دولار هذا العام)"، سائلةً إيّاه عن سبب "عدم توفير مستلزمات المدارس من التدفئة والكهرباء والكتب، رغم تحويل بعض المبالغ إلى صناديق المدارس".
وباسم الأساتذة، ناشدت شاهين "تصحيح الأجور بما يتوافق مع ارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي، ودفع بدل النقل بالدولار ليوازي سعر المحروقات أو تحديد ليترات من البنزين عن كلّ يوم حضوري". كذلك دعت الحلبي إلى "تطبيق مرسوم بدل النقل للأساتذة المتعاقدين الذي أُقرّ في مجلس الوزراء في 10 فبراير/ شباط 2022، ولم يطبّقه حتّى اليوم، بحجّة وجوب موافقة الحكومة عليه، وكان قد صدر بموافقة الحكومة ذاتها. أضف إلى وجوب دفع العقد الكامل رقم 235 الموجود في درج الحلبي، الذي نفّذه للمتعاقدين في التعليم الثانوي وحرم منه المتعاقدين في التعليم الأساسي، وكذلك العقد الكامل عن هذا العام".
وفيما أعربت عن "رفضهم خصخصة الاستشفاء والتعاقد الوظيفي"، كشفت شاهين عن "رفضهم الكلّي لمسألة ربط إغلاق المدارس الرسمية بالملف السياسي وبانتظار جلسات حكومة عقيمة، وتصدُّق جهات مانحة، وتسويف على لسان روابط السلطة التي تجرّ الإضراب إلى المجهول، بربط الحلول بالفراغ بدلاً من تحديد المسؤوليات". أضافت أن على وزير التربية دفع الحقوق ممّا هو متوافر (باعتراف منه) لينقذ المدارس الرسمية من الإضراب، ثمّ يحدّد دور وزارة المالية ورئاسة الحكومة في احتجاز الهبات والقروض، من دون ترك المسؤوليّات تدور في دوّامة مفرغة".
وكانت اللجنة الفاعلة للأساتذة المتعاقدين قد أعلنت في بيانها أمس الأربعاء "عدم التهاون في الرد على المؤامرة التي تفتك بالتعليم الرسمي، بعد انطلاق شرارة الفدرالية التربوية، وقد أخذت كلّ جهة سياسية تقديم الدعم المادي إلى المدارس الرسمية التي تقع في محيطها المذهبي والحزبي". ووصفت "سطو أصحاب الرأسمال والقرار الحزبي على المدارس الرسمية بالفاجعة الجديدة، بعدما سطوا سابقاً على منظومة التعليم بتعزيز المدارس الخاصة التابعة لهم. ولسخرية القدر، أن تأتي الروابط، لسان حال وزير التربية والسلطة، لتركب موجة الإضراب وتحمّل الجهات المانحة مسؤوليّته، وتحيل الإضراب إلى جلسات حكومة عقيمة ووضع سياسي متأزّم وتعفي وزير التربية ووزير المالية من صرف ما في جعبتهم من قروض وهبات. إنّه آخر مخاض لبنان الذي سيولد أو سيوارى الثرى بجعل التعليم الرسمي في قبضة من نكّلوا به".
الصورة
التعليم في لبنان (حسين بيضون)
ما زال قرابة 350 ألف تلميذ لبناني خارج مقاعد الدراسة(حسين بيضون)

روابط التعليم الرسمي: مستمرّون بالإضراب

وكان الحلبي قد أعلن تبلّغه "منذ أيام قليلة الموافقة على استخدام جزء من أموال المدارس لتعزيز إنتاجية المعلّمين في الملاك والتعاقد والمستعان بهم بالدولار النقدي"، آملاً أن "يعاود المعلّمون التدريس، وأن ننهي مناهجنا المقرّرة للعام الحالي، فلا نخسر أيّ يوم تدريس بعد كلّ الخسارات السابقة".
وفي بيانها اليوم الخميس، أكّدت روابط التعليم الرسمي (ثانوي، مهني، أساسي) رفضها المطلق "للحوافز التي أعلنتها وزارة التربية، والتي بلغت 90 دولاراً شهرياً لأربعة أشهر مقبلة، واختصرت الأشهر الثلاثة المنجزة كلّها قبل رأس السنة بتسوية هزيلة تساوي مائة دولار فقط. وهي حوافز لا تلبّي جزءاً بسيطاً جدّاً من الحاجات المحقّة للمعلّمين والأساتذة".
وإذ أشارت إلى أنّ "مطالبها غير تعجيزية، بل وتُعدّ أقل الممكن من أجل إنقاذ العام الدراسي والتعليم الرسمي"، جدّدت التذكير ببعضها، ومن بينها "إنشاء منصة صيرفة خاصة برواتب الأساتذة والمعلّمين على سعر الدولار الجمركي 15 ألف ليرة، وإعطاء بدل نقل عادل يساوي ستة ليترات بنزين عن كلّ يوم عمل، ومعالجة تقديمات تعاونية موظفي الدولة كي تلائم كلفة الاستشفاء الحقيقية، وإعطاء المتعاقدين مستحقاتهم في بدل النقل عن العام الماضي والحالي، واحتساب العقد كاملاً، وتقديم الحوافز المالية ليعيش المعلّم والأستاذ بكرامة بعيداً من المذلّة والهوان". ودعت الروابط إلى "عقد جمعيات عمومية للتصويت على تمديد الإضراب القسري الأسبوع المقبل".

المساهمون