استهلاك البلاستيك... كارتيلات تروّج للفوائد رغم مخاطر التلوث

استهلاك البلاستيك... كارتيلات تروّج للفوائد رغم مخاطر التلوث

04 يوليو 2023
فارق شاسع بين الأرباح والأضرار على البيئة (جوني كريسوانتو/فرانس برس)
+ الخط -

يمكن تقدير معضلة البشرية مما أنتجته واستهلكته من المواد البلاستيكية من خلال أرقام تكشفها منظمات معنية بشؤون البيئة ووكالات الأمم المتحدة. وهي تتفق على أن المحيطات والبحيرات في العالم تستقبل يومياً نحو ألفي شاحنة من قمامة البلاستيك، وبالتالي كمية تبلغ نحو 390 مليون طن سنويا، في حين أن القيمة السوقية لهذه النفايات تقدر بنحو 590 مليار دولار. 
وما يصدم بعض حاملي الأكواب البلاستيكية التي يرمونها بعد استخدامها لشرب القهوة أو العصير، أن مجموع المخلفات البلاستيكية في العالم هو 8 مليارات طن، أي ضعف وزن مجموع الحيوانات على الأرض، علماً أن برنامج الأمم المتحدة للبيئة يقدّر بأن كميات نفايات البلاستيك التي غزت غالبية المجتمعات لا تشكل فقط ضعف الكتلة الحيوية للحياة البرية في العالم، بل تجاوزت وزن مجموع سكان العالم.
ويتوسّع استخدام المواد والصناعات البلاستيكية إلى صناعة الألعاب والأدوات المنزلية والملابس والهواتف المحمولة، وأجهزة الكمبيوتر والتلفزيون والمعدات الرياضية والحربية، وأيضاً إلى النظارات والدراجات والسيارات والطائرات، وحتى الصواريخ والمركبات الفضائية. وعلى الصعيد الطبي، وصل البلاستيك إلى عدسات العيون وصمامات القلب والأجهزة الخاصة بتغيير الوركين.
فعلياً لا تتعلق المشكلة بكون البلاستيك مفيداً أم لا، بل بكيفية التعامل مع نفاياته، وبينها تلك التي تهيمن على تدابير تغليف المنتجات. ويورد برنامج الأمم المتحدة للبيئة أن "المنتجات البلاستيكية ذات العمر القصير، مثل الأكياس والتغليف، تنتج نحو 280 مليون طن من النفايات سنوياً، بينها 98 مليون طن يصعب أن تتحلل وتنتهي في مدافن النفايات، و107 ملايين طن تنتشر في الطبيعة التي تشمل البحار والمحيطات والأنهار والبحيرات، وهذا ما عنته الأمم المتحدة بقولها إن "ألفي سيارة شحن للبلاستيك تلوّث البحار والمحيطات والمياه عموماً يومياً".
وتعتبر الأمم المتحدة أنه من دون اتخاذ إجراءات فعّالة لمواجهة ما يجري، ستكون كميات النفايات البلاستيكية غير الخاضعة لرقابة ضعف رقمها الحالي، كما ستتضاعف ثلاث مرات كميات هذه النفايات في البحار.
واللافت أنه لا يمكن مقارنة الأرباح التي يجنيها مصنعو البلاستيك من المواد البتروكيميائية بالأضرار التي تتسبب بها هذه المصنوعات للبيئة ونظمها، والتي تتراوح، بحسب برنامج الأمم المتحدة للبيئة، بين 144 و170 مليار دولار سنوياً، علماً أن البرنامج يربط المواد البلاستيكية المصنوعة من زيوت مواد نفطية بتزايد انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في العالم، وبالتالي التغيّرات المناخية.
وترعى الأمم المتحدة منذ فبراير/ شباط 2022 مفاوضات عالمية لإبرام معاهدة ملزمة للدول في شأن مكافحة التلوّث البلاستيكي في العالم. وفي مطلع يونيو/ حزيران الماضي، كثفت المنظمة الدولية مفاوضاتها للتوصل إلى قرار واعد يؤيده ممثلو 175 دولة، كما حصل لدى إبرام اتفاق باريس للمناخ والتنوع البيولوجي عام 2015، واعتبر اتفاقاً ملزماً، علماً أن اتفاق باريس للمناخ واجه تحديات كثيرة على صعيد الالتزام بتنفيذ بنوده، رغم انعقاد قمم تالية عدة، وتكرر التحذيرات من مخاطر التطرف المناخي الذي تشهده الأرض.
ويأمل المهتمون بشؤون التلوّث البيئي في العالم، وفي مقدمهم منظمة "منع بلاستيك المحيطات" غير الحكومية، ألا يكرر التوافق العالمي المرتقب في شأن النفايات البلاستيكية تجربة اتفاق باريس على صعيد التطبيق.
ويفترض تجهيز اتفاق مواجهة الملوّثات البلاستيكية للأرض في نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، بعد انعقاد جولة مفاوضات جديدة في باريس بين 29 مايو/ أيار و2 يونيو/ حزيران الماضيين، بعدما استقبلت الأوروغواي جولة أولى بين نوفمبر/ تشرين الثاني وديسمبر/ كانون الأول 2022، ويعوّل المهتمون على تحقيق تقدم في المفاوضات التي ستعقبها ثلاث جولات أخرى.
وتواجه رغبات الأمم المتحدة في الاتفاق على معاهدة ملزمة تحديات عدة، رغم أن كثيرين يبدون حرصهم على مسألتي تنظيف البيئة من النفايات البلاستيكية، والاتفاق على أنظمة إعادة تدوير البلاستيك، أو الحد من إنتاجه واستهلاكه. في المقابل، تفرض قطاعات الصناعة البتروكيميائية سطوتها، رغم أنها تحاول الظهور بمظهر الحريصة على تنظيف اليابسة والمحيطات من البلاستيك الذي يتراكم فيها.

الصورة
خسارة أسواق العالم الثالث كارثي بالنسبة إلى كارتيلات صناعات البلاستيك (عارف علي/ فرانس برس)
خسارة أسواق العالم الثالث كارثة لكارتيلات صناعة البلاستيك (عارف علي/ فرانس برس)

وبالتزامن مع المفاوضات التي عقدت أخيراً، أعادت وسائل إعلام أوروبية تتابع القضية البيئية الخطيرة التذكير بتصريحات أدلى بها مدير مجلس الكيمياء الأميركي، ستيوارت هاريس، والتي ركزت على معارضة المجلس على غرار الاتحاد التجاري لشركات النفط العملاقة الذي يضم "إكسون موبيل" و"شل" و"دوو"، فرض معايير الاستدامة الدولية الإلزامية والتنازلية الخاصة بالبلاستيك".
ويعتبر البعض أيضاً أن أجندات التغير المناخي التي تلحظ خفض الاعتماد على الوقود الأحفوري تشكل فرصة لتوسيع صناعات البتروكيميائيات، وبينها مادة البلاستيك.
وكان فريق يضم باحثين دنماركيين توصل، في دراسة أجرتها جامعة "لوند" السويدية، وتناولت الضغوط الكبيرة التي تمارس حالياً للحفاظ على المنتجات البتروكيميائية بشكلها الحالي، إلى أن "جزءاً كبيراً من هذه الصناعات مدعومة من دول لديها مصالح في خلق مستقبل للنفط والغاز من خلال المنتجات الكيميائية".
والعام الماضي تشكل "التحالف العالمي الطموح لإنهاء التلوّث البلاستيكي"، بمشاركة 58 دولة. ومؤخراً أصدر هذا التحالف بياناً أورد أن "إيقاف التلوّث البلاستيكي بحلول عام 2040 يجب أن يحصل استناداً إلى معاهدة ملزمة تقيّد وتقلل إنتاج واستهلاك البوليمرات البلاستيكية الأولية".

الصورة
تريد جماعات الضغط الاكتفاء بمعالجة النفايات البلاستيكية في البحار (اوليفيه موران/ فرانس برس)
تريد جماعات الضغط الاكتفاء بمعالجة النفايات البلاستيكية في البحار (أوليفيه موران/فرانس برس)

وفي السياق، تحاول منظمات بيئية، بينها "غرينبييس"، فرض تخفيض إنتاج البلاستيك العالمي بنسبة 75 في المائة، علماً أن هذه المنظمات تحذر منذ عام 2017 من مخاطر البلاستيك على البيئة، وقد ربطت إنتاجه بالرغبة في جعل إنتاجه يتوافق مع أهداف خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، ويتماشى مع هدف تحديد سقف ارتفاع حرارة الأرض بـ 1.5 درجة، تنفيذاً لاتفاق باريس للمناخ.
لكن تزايد الحديث عن احتمال إبرام اتفاق عالمي في شأن التلوّث الذي يسببه استخدام البشر للبلاستيك، لا يجعل جماعات الضغط في الصناعات البتروكيميائية في حالة صمت. وكتبت مجلة "ميديابارت" الفرنسية أن "جولة المفاوضات الأخيرة في باريس شهدت حضوراً كبيراً لممثلي جماعات الضغط الذين اتفقوا على أن الهدف الأول لأي اتفاق هو إعادة تدوير النفايات البلاستيكية التي تنتشر في البحار بحلول عام 2050، من دون التدخل لخفض وتغيير كميات الإنتاج والاستهلاك الذي تريده غالبية المنظمات البيئية والدول ذات الأهداف الطموحة".
وأوضحت المجلة أن جماعات الضغط في صناعة البتروكيميائيات حضرت بأعداد كبيرة الجولة الأخيرة من خلال الجمعية الكيميائية الأميركية التي تدعم خطة تفاوض اقترحتها اليابان، وتهدف بعكس خطط تحالف البلدان الطموحة إلى إعادة الحياة إلى النفايات البلاستيكية في البحار في عام 2050، من دون أن تتحدث عن تدخلات في الإنتاج والاستهلاك.

وتعمل الجمعية الكيميائية الأميركية لتشكيل تحالف صناعي يهدف إلى قلب الجدل من طلب الحدّ من إنتاج البلاستيك إلى نقاشات عن "فوائد البلاستيك". لكن الغريب في محاولة تزيين فوائد المنتجات البلاستيكية، رغم تأكيد تقارير دولية عدة أضرارها على صحة الإنسان، وضرورة تخفيف دول عدة استخدامها في التغليف، أن تحالف كارتيلات الصناعات البتروكيميائية بات يتخذ من الدول الفقيرة مبرراً لإظهار فوائد البلاستيك، إذ يرى أن الحدّ من إنتاج البلاستيك عالميا سيضرّ بالمجتمعات الفقيرة في شكل أكبر، ويزيد عدم المساواة، "لأن نقص البلاستيك المستخدم في التغليف سيزيد هدر الطعام".
في الحقيقة يتعلق الأمر بالأرباح أكثر من مصالح الفقراء، فخسارة أسواق العالم الثالث كارثة بالنسبة إلى كارتيلات هذه الصناعات، خصوصاً مع زيادة القيود الأوروبية على استخدام التغليف البلاستيكي، وفرض ضرائب باهظة، وأيضاً إخضاع أسعار أكياس البلاستيك لضرائب من أجل الدفع في اتجاه خفض استخداماتها.

المساهمون