إيران تفرض إغلاقاً عاماً لستة أيام وتحذيرات من انهيار النظام الصحي

إيران تفرض إغلاقاً عاماً لستة أيام وتحذيرات من انهيار النظام الصحي

14 اغسطس 2021
بانتظار تلقي اللقاح (عطا كناره/فرانس برس)
+ الخط -

شهدت إيران خمس موجات متلاحقة لفيروس كورونا، منذ بدء تفشي الجائحة فيها خلال فبراير/شباط 2020، لكن الموجات السابقة لم تكن بخطورة وقساوة الموجة الخامسة التي بدأت منذ نحو شهرين، وهو ما دفع السلطات الإيرانية إلى اتخاذ قرار، اليوم السبت، بتعطيل البلاد بشكل كامل لستة أيام، اعتباراً من يوم الإثنين حتى صباح السبت المقبل. ويشمل الإغلاق جميع البازارات والأسواق والمكاتب العامة، فضلاً عن دور السينما وصالات الألعاب الرياضية والمطاعم في جميع المدن الإيرانية. كما أمرت فرقة العمل الوطنية الخاصة بفيروس كورونا، التي أصدرت القرار، بحظر السفر بين جميع المدن الإيرانية، من الأحد إلى الجمعة.
وتتصاعد الانتقادات الشعبية لطريقة التعاطي الرسمية مع الجائحة، وحظر اللقاحات الأميركية والبريطانية، وعدم إطلاق حملة تطعيم عامة، فضلاً عن تحذيرات الأطباء من انهيار النظام الصحي الإيراني في حال استمرار الوضع الراهن.  

أعلنت المتحدثة باسم وزارة الصحة، سيما سادات لاري، اليوم السبت، تسجيل 466 وفاة خلال الساعات الـ24 الأخيرة، فضلاً عن 29 ألفاً و700 إصابة جديدة، مشيرة إلى أنّ العدد الإجمالي للوفيات ارتفع إلى 97208 وفيات، وفقاً لوزارة الصحة، بينما ارتفع إجمالي الإصابات إلى أربعة ملايين و89085 إصابة.  

ومن بين المصابين 7252 يرقدون في العناية المركّزة، وهو رقم يكشف عن خطورة الوضع في إيران، ولم يسبق أن سُجّل مثل هذا الرقم للحالات الشديدة، منذ بدء تفشي الفيروس.  

الأرقام الحقيقية 

حطّمت أعداد الوفيات والإصابات اليومية الأرقام القياسية التي سجّلتها إيران خلال الموجات السابقة، ليستقرّ معدل عدد الوفيات اليومي هذه الأيام عند أكثر من 500 شخص، والإصابات أكثر من 40 ألفا، ما دفع الإيرانيين على شبكات التواصل الاجتماعي إلى الحديث عن أن هذه الأرقام أعلى من تلك التي كانت تسجّل يومياً خلال الحرب الإيرانية - العراقية، في ثمانينيات القرن الماضي. 

إلا أنّه ثمة تأكيدات بأنّ الأرقام الحقيقية للوفيات والإصابات اليومية، ثلاثة أضعاف الأرقام الرسمية التي تعلنها وزارة الصحة الإيرانية يومياً، وهي تشمل فقط الوفيات التي أكدت نتائج فحوصهم إصابتهم بكورونا، كما قال نائب وزير الصحة الإيراني، إيرج حريرجي، الأسبوع الماضي، للتلفزيون الإيراني. وأشار حريرجي إلى أنّ البعض توفوا بسبب كورونا لكنهم لا يُحسبون في عداد وفيات الجائحة، لأنهم لم يُجروا اختبار كورونا، أو أنّ نتائج تحاليلهم كانت خاطئة، أو أنّ البعض يراجعون المراكز الصحية في وقت متأخر، "بعد مرور الفترة الذهبية لفحص كورونا لإظهار إصابتهم بالفيروس". 

وفي السياق، قارن الصحافي الإيراني البارز، عباس عبدي، اليوم السبت، في مقال، بين أرقام الوفيات المسجّلة في دوائر السجل المدني في إيران خلال العامين الأخيرين منذ تفشي كورونا، وبين أرقام السنوات ما قبل تفشي الجائحة في البلاد، مؤكداً أنّ العدد الحقيقي لوفيات كورونا يبلغ 194 ألفاً وليس 94 ألفاً كما أعلنت وزارة الصحة الإيرانية.  واليوم السبت، قال عضو اللجنة الوطنية لمكافحة كورونا الإيرانية، مسعود مرداني، إنّ 50 في المائة من الإيرانيين البالغ عددهم 85 مليون نسمة، قد أصيبوا بكورونا منذ تفشّيه حتى الآن، قائلاً إنّ احتمال وفاة هؤلاء بسبب الإصابة بسلالة دلتا أقلّ ممن لم يتعرّضوا للإصابة أبداً.  

وفي السياق، أعلن التلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، أنّ "كل ثانيتين يصاب شخص جديد بالعدوى في إيران، وتقريباً كلّ دقيقتين يموت شخص بفيروس كورونا"، وأشار إلى أنّه تمّ رفع مستوى التحذير في أغلب محافظات البلاد البالغ عددها 31، من البرتقالي منخفض الخطورة إلى الأحمر شديد الخطورة. 

وفي تعارض مع الأرقام الرسمية، أعلن علي رضا صداقت، مدير قسم الطوارئ في مستشفى الإمام الرضا بمدينة مشهد، شمال شرقي إيران، والتي تصنف على أنها من بؤر الجائحة في البلاد هذه الأيام، أنّ العدد الحقيقي للوفيات اليومية بسبب كورونا في المدينة يتراوح بين 250 و300 شخص. 

وإذا أضفنا إلى ذلك، الرقم الرسمي وهو 216 وفاة في العاصمة طهران، أمس الجمعة، والذي يعد رقماً قياسياً فيها منذ تفشي الجائحة، فإن أرقام الوفيات اليومية في المدينتين الكبريين وحدهما، يبلع نحو 500.  

امتلاء المستشفيات والمقابر 

تتحدث السلطات الصحية الإيرانية عن امتلاء أسرّة المستشفيات في معظم المدن المصنّفة على أنها "حمراء" شديدة الخطورة، مثل مدينة مشهد التي اضطرت بعض مستشفياتها إلى تخصيص أسرّة على الأرض للمصابين، حسب تقرير بعنوان "كارثة كورونا في مشهد"، لوكالة "إيسنا" الإيرانية. 

وأضافت الوكالة أنّ القوة الصحية العاملة والمعدات وحتى سيارات الإسعاف، لا تغطي حاجات المدينة بسبب ارتفاع أرقام إصابات كورونا الهائل فيها، واصفة الوضع فيها بأنه "مأساوي".  

وليست المستشفيات وحدها الممتلئة بالمصابين، بل بحسب تقارير صحافية، لم تعد المقابر في المدن تتسع لاستقبال المزيد من الوفيات، فبضعها أصبحت ممتلئة، إذ انتشرت صور على شبكات التواصل الاجتماعي، خلال الأسبوع الماضي، تظهر القيام بحفر مقابر جماعية في محافظة كرمان.  

وفي السياق، وصفت وكالة "فارس" الإيرانية، يوم أمس الجمعة، في مقبرة طهران، بأنه "أسوأ أيام مقبرة جنة الزهراء"، مشيرة إلى تسجيل 390 وفاة فيها خلال اليوم، في عدد غير مسبوق منذ 51 عاماً، وقالت إنّ 216 منها كانت بسبب كورونا. 

شحّ الأدوية 

في غضون ذلك، أصبحت إيران تعاني أخيراً من شحّ أدوية، خاصة تلك التي تستخدم لعلاج مرضى كورونا، خاصة أن جزءاً كبيراً من هؤلاء يرقدون في البيوت وليس المستشفيات، ما تسبّب في تشكيل طوابير طويلة أمام الصيدليات في بعض المدن الإيرانية، بما فيها العاصمة طهران.  

وثمة شحّ حالياً في بعض أنواع السوائل المغذية وريمديسيفير (Remdesivir‎) المضاد للفيروسات وفافيبيرافير (Favipiravir) وأدوية أخرى في الصيدليات الإيرانية الخاصة بعلاج كورونا.  

لكن السلطات الإيرانية أعلنت أنها بدأت بإجراءات لتوفير هذه الأدوية، خاصة السوائل المغذية، وزادت خلال اليومين الأخيرين من عدد الصيدليات التي تتوافر فيها هذه الأدوية، بعد توزيع تلك الأدوية في صيدليات أخرى. 

غير أنّه حسب رصد "العربي الجديد"، فمازال هناك شحّ في هذه الأدوية، وطوابير أمام بعض الصيدلات في العاصمة طهران.  

 وقام الرئيس الإيراني الجديد، إبراهيم رئيسي، الخميس، بجولة ميدانية على بعض الصيدليات في العاصمة طهران، لتفقد الوضع والطوابير، واعداً المواطنين بتوفير الأدوية اللازمة. 

نظام صحي مرهق 

أثقل فيروس كورونا، منذ قرابة عامين، كاهل النظام الصحي الإيراني وعرّضه لخطر الانهيار، بحسب أطباء إيرانيين، إذ أصبحت الطواقم الطبية تعاني من الإرهاق والإجهاد، ما دفع أطباء وإخصائيين إلى إطلاق تحذيرات من خطورة الوضع. 

وفي السياق، قال بيام طبرسي، رئيس قسم الأمراض العفونية في مستشفى مسيح دانشوري في طهران، أحد أهم معاقل معالجة مرضى كورونا في إيران، إنّ المستشفيات لم يعد بمقدورها استيعاب المزيد من المرضى بعد ارتفاع الإصابات بسلالة "دلتا". وقال إنّ "النظام الصحي في البلاد في طريقه نحو الانهيار". 

وأضاف أنّ عدم معرفة المواطنين بالسلالة المتحورة، وزيادة الرحلات والتجمّعات والمراسيم الدينية، رفعا بشكل كبير أعداد الوفيات والإصابات.  

من المقصر؟ 

فيما يحصد كورونا يومياً المزيد من الأرواح في إيران، لا اتفاق حول المسؤول عن ما آل إليه الوضع في البلاد. فمن جهة توجّه وزارة الصحة أصابع الاتهام إلى المواطنين الإيرانيين لعدم التزامهم بالبروتوكولات الصحية وانخفاض هذا الالتزام إلى أقل من 40 في المائة، فضلاً عن اتهامها للحكومة بعدم اتخاذ قيود صارمة في مواجهة الفيروس وعدم تطبيق ما فرضته اللجنة الوطنية لمكافحة كورونا بحزم.  

لكن الوزارة نفسها واللجنة الوطنية لمكافحة كورونا، تتعرّضان لاتهامات من قوى سياسية وأوساط إعلامية وشعبية، بأنّ تعاطيها مع أزمة كورونا لم يكن على المستوى المطلوب وقراراتها لم تكن مدروسة، وسط اتهامات للوزارة والسلطات الأخرى بالتقصير في استيراد اللقاحات المضادة لكورونا، ومنع ذلك أحياناً والتسبّب في حظر لقاحات أجنبية، ما أدى، حسب هذه الأوساط، إلى أن تصبح إيران من البلاد الأقلّ تطعيماً في العالم، وهو ما أضعفها في مواجهة كورونا وسلالاته المتحورة الجديدة.  

وفي الإطار، وقع، خلال الأيام الماضية، سجال بين وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، ووزارة الصحة الإيرانية، بعد اتهام الأخيرة للجهاز الدبلوماسي الإيراني بعدم تعاونه لاستيراد لقاحات كورونا. لكن ظريف رد على ذلك في منشور على "إنستغرام"، اتهم فيه وزارة الصحة بإحباط جهود الخارجية بمنعها من استيراد هذه اللحاقات.  

إلى ذلك، تحولت أزمة كورونا إلى أحد عناوين الصراع السياسي في إيران، ليحمّل التيار المحافظ حكومة الرئيس السابق حسن روحاني، الذي انتهت ولايته في الثالث من الشهر الجاري، مسؤولية الوضع. لكن في ظلّ مغادرة روحاني الحكم ومجيء حكومة محافظة برئاسة إبراهيم رئيسي، لم ينته هذا الجدل بعد، لأنّ الأخير مازال يدير الوضع بالطاقم الحكومي السابق، بانتظار أن تنال تشكيلة حكومته المقترحة على البرلمان الثقة خلال الأسبوعين المقبلين.  

وفي السياق، ثمة مخاوف وتحذيرات من تفاقم الوضع مع حلول شهر المحرم وإقامة التجمّعات والمراسيم الدينية في إيران، خاصة خلال التاسوعاء والعاشوراء. 

لقاحات كورونا 

لا يتجاوز عدد الجرعات المقدمة إلى الإيرانيين من لقاحات كورونا المسموح باستيرادها، 18 مليون جرعة، وذلك لا يشكّل مناعة عامة في بلد يبلغ عدد سكانه نحو 85 مليون نسمة، لذلك فإنّ إخفاق السلطات الإيرانية في حملة التطعيم، يعتبر أحد أهم أسباب تفشي كورونا الواسع أخيراً وزيادة أعداد الوفيات.  

وهنا استحضرت أوساط شعبية إعلامية وطبية وسياسية أخيراً، إعلان السلطات حظر استيراد اللقاحات الأميركية والبريطانية بعد إنتاجها، معتبرة أنه أحد أهم الأسباب خلف الوضع الراهن، داعية إلى التسريع في التلقيح العام لإيجاد مناعة واسعة ضد الفيروس. 

ودأبت الحكومة الإيرانية من جهتها، خلال الأشهر الماضية، على اتهام الإدارة الأميركية السابقة والراهنة بمنع تصدير لقاحات كورونا إلى إيران، بسبب العقوبات المستمرة على القطاع المالي ورفض الدول إجراء معاملات مالية بهذا الشأن.  

كما أعلنت الحكومة الإيرانية أنّ لقاحها محليّ الصنع يوفّر حماية بنسبة 85 بالمائة من فيروس كورونا، بدون الكشف عن بيانات أو تفاصيل. وتستورد إيران أيضاً لقاح سبوتنيك- في الروسي، وكذلك لقاح أكسفورد - أسترازينيكا من خلال برنامج كوفاكس المدعوم من الأمم المتحدة. وقال متحدث باسم وزارة الصحة، إنّ بإمكان إيران استيراد اللقاحات الغربية "طالما لم يتم إنتاجها في الولايات المتحدة أو بريطانيا".

وفي السياق، أكّد المرشد الإيراني الأعلى، علي خامنئي، الذي حظر سابقاً اللقاحات الأميركية والبريطانية، على "تكثيف الجهود لتوفير اللقاحات بأيّ شكل ممكن، سواء من خلال الاستيراد أو الإنتاج الداخلي".  

وقال المرشد الإيراني الأعلى، في كلمة متلفزة له الأربعاء الماضي، إنّ كورونا تشكّل "القضية الأولى والعاجلة لإيران"، قائلاً إنّ "وفاة أكثر من 500 مواطن في يوم واحد وإصابة عشرات الآلاف ومشاكلهم العلاجية باتت مؤلمة جدا".  

واليوم السبت، أعلن الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، وفقاً لما أورده التلفزيون الإيراني، أنّ استيراد 30 مليون جرعة بات قطعياً، قائلاً إنه بحسب الخبراء تحتاج البلاد إلى 60 مليون جرعة أخرى لكبح الجائحة. كما أكّد رئيس قسم العلاقات العامة بوزارة الصحة الإيرانية، كيانوش جهانبور، أنه "لا حظر على استيراد أي لقاح مثل فايزر وموديرنا أو أي لقاح آخر صادقت عليه منظمة الصحة العالمية أو منظمة الغذاء والدواء الإيرانية، غير اللقاحات التي أنتجت في الولايات المتحدة وبريطانيا"، وفقاً لما أوردته وكالة "فارس".  

 

 


 

المساهمون