إيران: احتجاجات على وفاة مهسا أميني والقضاء يعد بـ"تحقيق عادل"

إيران: احتجاجات على وفاة مهسا أميني والقضاء يعد بـ"تحقيق عادل"

19 سبتمبر 2022
وفاة مهسا أميني تتصدّر أخبار الصحف والإعلام عموماً في إيران (فاطمة بهرامي/ الأناضول)
+ الخط -

 

ما زالت تداعيات وفاة الشابة الإيرانية مهسا أميني (22 عاماً) بعد أيام من احتجازها في طهران، بتهمة عدم التقيّد بمعايير الحجاب المفروضة، تتواصل في إيران. ومع استمرار الردود والتعليقات الغاضبة من مختلف المكوّنات والأوساط الإيرانية، شهدت مدن إيرانية عدّة، اليوم الاثنين، تجمّعات وإضرابات احتجاجاً على وفاة أميني، في حين أوضح القضاء الإيراني أنّه سوف يُجري "تحقيقات عادلة" بشأن ملابسات الوفاة، وطمأن عائلتها بذلك، مع نشر الشرطة "تسجيلاً مصوّراً كاملاً" عن لحظة دخول أميني إلى مقرّ الشرطة حتى وقوعها أرضاً ودخولها في غيبوبة.

ومساء اليوم الإثنين، سُجّلت في العاصمة الإيرانية طهران وكذلك في مدينتَي مشهد وأصفهان ومدن كردية غربي البلاد، تجمّعات احتجاجية على وفاة مهسا أميني، رفع المشاركون فيها شعارات من بينها "المرأة والحياة والحرية". وفي هذا الإطار، أفادت وكالة "تسنيم" الإيرانية المحافظة بأنّ "العشرات تجمّعوا في شارع كشاورز" وسط العاصمة، مطلقين هتافات. أضافت الوكالة أنّ التجمّع الاحتجاجي استمرّ لساعة قبل أن تفرّق الشرطة المشاركين فيه، متّهمة وسائل الإعلام المعارضة بالسعي إلى "توسيع رقعة الاحتجاجات والترويج لها على أنّها تتجاوز مسألة الاحتجاج على وفاة السيدة أميني. لكنّ هذا التوجّه غير المنطقي لم يلقَ ترحيباً لدى عامة الشعب".

من جهتها، أشارت وكالة "إيسنا" الإيرانية إلى أنّ المحتجّين تجمّعوا "من دون تصريح قانوني" في شارع حجاب وسط العاصمة للاحتجاج على أداء "شرطة الأخلاق"، لافتة إلى أنّهم أطلقوا "شعارات منتهكة للحرمات"، في إشارة إلى هتافات سياسية.

وبحسب الأنباء المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي، فإنّ الاحتجاجات تتمركز في مدن كردية غربي البلاد، مع إشارة إلى جرحى وقتلى في إطلاق نار. لكنّ السلطات لم تعلّق حتى الآن على هذه التجمّعات والأنباء، لا نفياً ولا تأكيداً.

وفي وقت سابق من اليوم الإثنين، أفادت وكالة "تسنيم" بأنّ طلاباً من جامعات طهران، من بينها "جامعة أمير كبير للصناعة"، و"جامعة طهران"، و"جامعة الشهيد بهشتي"، نظّموا تجمعات احتجاجية على وفاة مهسا أميني. كذلك تداولت مواقع التواصل الاجتماعي تسجيلات مصوّرة عن تجمّعات مماثلة في جامعَتي "العلامة طبطبائي" و"تربيت مدرس" في طهران، وقد رفع المحتجون فيها هتافات ونددوا بما حصل مع أميني، وسط دعوات إلى محاكمة المتسبّبين في وفاتها، وإنهاء عمل دوريات الآداب في الشوارع.

كذلك، بعد دعوات على شبكات التواصل الاجتماعي، أمس الأحد، أظهرت تسجيلات فيديو لم يتسنَّ لـ"العربي الجديد" التحقّق من صحّتها، إضراب محال تجارية في مدن بمحافظات كردستان وأذربيجان الغربية وكرمانشاه في غرب إيران. ولم تصدر أيّ تعليقات من قبل السلطات الرسمية بعد في هذا الخصوص.

إلى جانب ذلك، شهدت مدن إيرانية تجمّعات مختلفة في اليومَين الأخيرَين، وقد ذكرت وكالة "فارس" الإيرانية أنّ "نحو 500 شخص من سكان مدينة سنندج" نظّموا، أمس الأحد، تجمّعاً وسط المدينة احتجاجاً على وفاة أميني. وقد نقل مراسل الوكالة عن بعض المحتجّين قولهم إنّ معظمهم "على قناعة بأنّ مهسا أميني تُوفيت تحت التعذيب"، مشيراً إلى أنّ "هؤلاء الأشخاص بمعظمهم إمّا لم يستمعوا إلى توضيحات الشرطة، وإمّا هم غير مقتنعين بها".

ورأت وكالة "فارس" أنّ "ثمّة محتجّين حاولوا تسييس التجمّع من خلال إطلاق هتافات ضدّ المسؤولين في البلاد"، مضيفة أنّهم كسروا زجاج بعض السيارات وأحرقوا النفايات. وأشارت إلى أنّ الشرطة "اضطرّت إلى استخدام الغاز المسيل للدموع"، وقد اعتقلت عدداً من المحتجّين.

وبيّنت تسجيلات فيديو بُثَّت على مواقع التواصل الاجتماعي تنظيم تجمّعَين آخرَين في مدينة كرج إلى غرب العاصمة طهران، ومدينة رشت شمالي إيران للاحتجاج على وفاة أميني.

وكانت "شرطة الأخلاق" في العاصمة الإيرانية طهران قد اعتقلت، الثلاثاء الماضي، مهسا أميني التي كانت في زيارة إلى طهران للسياحة برفقة أسرتها، آتية من محافظة كردستان، أمّا السبب فحجابها "غير المناسب" وفق رواية الشرطة. لكن بعد ساعتَين من اقتيادها إلى مركز شرطي، نُقلت الشابة إلى مستشفى في حالة غيبوبة، قبل أن تتوفّى مساء الجمعة الماضي.

وأعلنت الشرطة الإيرانية أنّ الغيبوبة نتجت عن إصابة أميني بـ"نوبة قلبية مفاجئة" خلال "جلسة إرشاد". لكنّ أسرتها ونشطاء ومدوّنين يشكّكون في الرواية الرسمية، وسط اتهامات للشرطة بتعذيبها. كذلك تعالت الأصوات المطالبة بضرورة إنهاء نشاط دوريات "شرطة الأخلاق" في الشوارع، وإلغاء "قانون الحجاب الإجباري".

وتحوّلت وفاة مهسا أميني في هذه الظروف إلى قضيّة رأي عام في إيران، وحاولت السلطات احتواء غضب الشارع، من خلال إطلاق تصريحات وتطمينات بإجراء تحقيقات عاجلة بشأن حادث وفاة أميني.

كذلك توافد مسؤولون محليون في محافظة كردستان، في مقدّمتهم رئيس المحافظة إسماعيل زارعي كوشا وقائد الحرس الثوري فيها العميد صادق حسيني، إلى بيت عائلة أميني في اليومَين الأخيرين، للتضامن معها وتقديم التعازي.

من جهته، أجرى الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي اتصالاً مع أسرة مهسا أميني، مقدّماً التعازي لها وواعداً بإجراء تحقيقات حتى تتّضح أبعاد الحادثة، قائلاً لها إنّ "ابنتكم ابنتي".

وقد نقلت وسائل إعلام عن الوالد أمجد أميني أنّه أبلغ رئيسي عدم اقتناعه بالتسجيل المصوّر الذي عرضته الشرطة والذي يوثّق دخول ابنته إلى مقرّ الشرطة حتى لحظة وقوعها أرضاً في حالة غيبوبة، نافياً صحة ما ورد من تصريحات بشأن معاناتها من أمراض سابقة.

واليوم الاثنين، أوضح رئيس السلطة القضائية الإيرانية غلامحسين محسني إيجئي في تصريحات أوردها التلفزيون الإيراني أنّه كلّف المدّعي العام بمعاينة كلّ كاميرات المراقبة العامة والخاصة منذ لحظة اعتقال مهسا أميني حتى انتقالها إلى مقرّ الشرطة وفي داخل المقرّ. وتوجّه إيجئي إلى عائلة الفتاة قائلاً "أُطمئن عائلة السيدة أميني بأنّ الملف سوف يُتابَع بسرعة ودقّة، وسوف يُعلَن عن نتيجة التحقيقات على أساس الحقّ والعدل من دون أيّ ملاحظة أو تحفّظ".

وفيما واجه التسجيل المصوّر الذي عرضته الشرطة، يوم السبت الماضي، انتقادات لكونه أتى مقطّعاً، عادت الشرطة اليوم الاثنين إلى بثّ تسجيل أفادت بأنّه كامل يصوّر لحظة وقوف سيارة الشرطة أمام المقرّ ونزول مهسا أميني منها ودخولها المقرّ إلى أن سقطت أرضاً داخل قاعة، بحضور أشخاص آخرين، ونُقلت بعد ذلك إلى المستشفى.

وصرّح قائد شرطة طهران حسين رحيمي، اليوم الاثنين، وفق ما أفادت وكالات الأنباء الإيرانية بأنّ مهسا أميني كانت برفقة ثلاث نساء ورجلَين آخرَين في حديقة شمالي طهران، قبل أن تعترضهم دورية الشرطة، مشيراً إلى أنّ حجاب أميني "لم يكن مناسباً وقد نُقلت" إلى مقرّ الشرطة. وأوضح رحيمي أنّ "لباس السيّدة أميني كان مختلفاً عمّا كانت ترتديه في جلسة الإرشاد" في مقرّ الشرطة، علماً أنّها بدت في التسجيل المصوّر وهي ترتدي معطفاً طويلاً. كذلك نفى رحيمي وقوع أيّ "شجار أو مقاومة" خلال اعتقالها، مشدّداً على أنّ "ما يُروَّج عن سبب الوفاة عارٍ من الصحة تماماً".

تجدر الإشارة إلى أنّ شقيق مهسا أميني الذي كان برفقتها لحظة اعتقالها، أفاد بأنّه حاول منع اقتياد شقيقته من قبل "شرطة الأخلاق" إلا أنّه لم يفلح في ذلك.

المساهمون