إدمان في تونس... "القوارص" تهدد الأطفال والشباب

إدمان في تونس... "القوارص" تهدد الأطفال والشباب

19 نوفمبر 2020
التهديد يطاول مختلف الفئات العمرية (شاذلي بن إبراهيم/ Getty)
+ الخط -

يحذّر اختصاصيون من أنّ الإدمان على المخدرات والكحول في تونس ينتشر في مختلف المحافظات وبين مختلف الشرائح، خصوصاً مع سهولة الوصول إلى بعض المخدرات الخطيرة

"حالات الإبلاغ عن إدمان الأطفال والشباب على مواد مخدرة وكحولية تكاد تكون يومية، كما ازدادت البلاغات حول الوفاة بسبب الإدمان. الأخطر هو مزج مواد عشوائية من الكحول والمواد العطرية والمنزلية وتلك القابلة للاستنشاق، وهي خلطات خطيرة وسامة. اتصل بي طبيب مؤخراً يبحث عن علاج لإدمان ابنه الثلاثيني بعدما لاحظ مزاجه العصبي المفرط وميله الشديد للعزلة. واتصلت سيدة لتعلمنا بإدمان ابنتها، فالإدمان لم يعد يقتصر على فئة، بل يشمل عدة فئات. ومن المدمنين من لا يتجاوز 12 عاماً". هذا ما يقوله رئيس الجمعية التونسية للوقاية ومعالجة الإدمان، الدكتور عبد المجيد الزحاف، لـ"العربي الجديد".

الأرشيف
التحديثات الحية

يضيف الزحاف أنّ إدمان الشباب على مواد كحولية عشوائية يرجع إلى توفر مكوناتها في العديد من الأماكن، ويمكن اقتناؤها بكلّ سهولة من أيّ بائع، مثل "القوارص" وهي مواد عطرية تضاف إليها نسبة معينة من الكحول ومشتقاته، مؤكداً أنّ الأخطر هو أنّ المدمنين لا يخشون العواقب حتى لو كانت مميتة، ولا يفكرون في المخاطر، مشيراً إلى أنّ الإدمان يتسلل إلى العديد من البيوت التونسية في محافظات عدة.
يتابع أنّ تعاطي "القوارص" يلفت انتباه الرأي العام في تونس، لتسببه في وفيات، مع وقوع تسمم جماعي لعدد من الأشخاص. وهناك بالإضافة إلى "القوارص" عدة أصناف من الإدمان مسكوت عنها، مثل استنشاق الأطفال للمواد اللاصقة. ويؤكد من خلال عمله في الجمعية على القضية، أنّ هناك وفيات يومية في صفوف الأطفال والشباب بسبب الإدمان، لكن لا أحد يسمع بهم. ويشير إلى أنّ على الأسر التونسية الانتباه ومتابعة أبنائهم، وبمجرد ملاحظة علامات الإدمان والتغيرات في سلوكهم أن يسارعوا بالتدخل، فالبعض يتجاهل العلامات ويدركها بعد فوات الأوان، وكلما تأخر العلاج تعقد الوضع ووصل المدمن إلى مراحل أخطر. ويضيف أنّ عدم علاج المدمنين يقود إلى مشاكل أخطر تصل إلى حدّ قتل الوالدين وأفراد الأسرة والعنف، ناهيك عن احتمال موت المدمن من جراء التسمم أو الجرعات الزائدة.
وخلّفت حادثة التسمم الجماعي من جراء تعاطي عطر "القوارص" بعد مزجه بنسبة مرتفعة من كحول الميثانول في معتمدية حاجب العيون بمحافظة القيروان، وسط غرب تونس، في 26 مايو/أيار الماضي، صدمة للرأي العام في تونس، إذ مات سبعة شباب من بينهم 3 أشقاء، بالإضافة إلى 71 تسمموا، وجرى نقلهم إلى المستشفيات، فيما عانى أصحابها من عدة مضاعفات أدى بعضها إلى فقدان شابين البصر. وأفاد وكيل الجمهورية، والناطق الرسمي باسم المحكمة الابتدائية بالقيروان، نزار الغريبي، يومها، بتوقيف شخصين على ذمة القضية تورطا في بيع "القوارص" في محلين خصصا لبيع المواد الغذائية بحاجب العيون بالقيروان. كذلك، توفي أربعيني من محافظة سيدي بوزيد في 4 يونيو/حزيران الماضي بعد تناول كمية من عطر "القوارص".
ويدمن أطفال وشباب تونسيون على مواد عشوائية مختلفة كالكحول والعطور الممزوجة بمواد مختلفة، أو استنشاق مواد "طيارة"، وهي عبارة عن سوائل وأبخرة كيميائية كالطلاء والوقود وسوائل التنظيف، يتعاطاها المدمن عن طريق الاستنشاق. وبعض هذه المواد متاح حتى في المنازل.
من جهتهم، يجمع اختصاصيون على أنّ تخلي أسر تونسية عدة عن دورها في متابعة أبنائها والإحاطة بهم، يقف وراء انتشار الإدمان، مشيرين إلى بروز عدة علامات على المدمنين كالعزلة والمزاج العصبي المفرط، لكن يجري تجاهلها إلى حين وقوع كوارث تصل إلى حد الموت، أو اقتراف المدمن لجريمة تكون عقوبتها السجن.
ويؤكد أستاذ علم اجتماع الجريمة، سامي نصر، لـ"العربي الجديد" أنّ انتشار الإدمان ينذر بالعديد من المخاطر في ظلّ أرضية خصبة لمزيد من الانتشار. يتابع أنّ فهم الوضع يكون من خلال فهم الأسباب أو ما يعرف بقوة الدفع وقوة الرفض التي تبعد الشباب عن هذه السلوكيات المحفوفة بالمخاطر، والملاحظ أنّ قوة الدفع تكبر مقارنة بقوة الرفض من خلال تفشي الفساد والانحراف وغياب السلطات الراعية للشباب من العائلة إلى المدرسة ودور الشباب والمجتمع المدني، عن أداء دورها. ويوضح نصر أنّ الإمكانات المادية الضعيفة وراء الإقبال على مواد عشوائية خطيرة وزهيدة الثمن، نظراً لكونها متوفرة بكثرة ويسهل الحصول عليها، مؤكداً أنّ العجز عن اقتناء مواد مخدرة أو كحولية معينة يدفع إلى البحث عن مواد بديلة أقل كلفة، والمدمن لا يفكر عادة في الضرر، وبالتالي حتى لو كانت مواد مميتة فإنّه سيقبل على تعاطيها. يتابع أنّ الخلل يكمن في بعض الأسر التونسية التي تخلت عن دورها، فالحوار غائب ولا وجود لدقة الملاحظة في ما يتعلق بسلوكيات الأبناء، كما أنّ داخل بعض العائلات أصبح كلّ فرد من أفراد الأسرة يعيش في عالمه الخاص، وقد ساهم الدخول إلى العالم الافتراضي عبر الإنترنت في مزيد من تشتت الروابط الأسرية. يضيف أنّ مؤشرات عدة تظهر على الطفل المدمن، من بينها العزلة والانطواء على الذات والمزاج العصبي، والشعور المستمر بالإعياء، لافتاً إلى أنّه يجب التدخل عند بروز أحد المؤشرات وقبل أن يتطور الأمر، وبالتالي فإنّ المسؤولية الأولى تقع على عاتق الأسرة، ثم الجمعيات والدولة. ويشدد على أنّ إدمان الأطفال على مواد كحولية عشوائية لا يتعلق بظروف اجتماعية ومعيشية بقدر ما يقترن بالمحيط والأقران الذين يؤثرون في الطفل والشاب فيقودونه إلى عالمهم.

يتابع نصر أنّ الإدمان على المخدرات بمختلف أصنافها والمواد العشوائية من مشتقات المواد الكحولية والعطرية والمنزلية، له تداعيات صحية خطيرة، والأخطر أنّ المدمنين عادة لا يكتفون بمواد محددة بل يبحثون في كلّ مرة عما هو أكثر تأثيراً، وقد يقترفون مختلف الجرائم للوصول إلى غايتهم. ويتابع أنّ أضرار هذه المواد لا تقتصر على الوفاة التي تخلف عادة ضحية واحدة بل تمتد إلى الجرائم المرتكبة من جراء الإدمان، ومن بينها الاغتصاب والقتل وغيرهما من الجرائم العنيفة البشعة، لافتاً إلى أنّ الجريمة زادت بنسبة 2 في المائة، لكنّ الزيادة في نسبة الجرائم العنيفة وصلت إلى 70 في المائة.

المساهمون