قبر "السكاجين"... حكاية فريدة في سوق المدينة العتيقة في تونس

قبر "السكاجين"... حكاية فريدة في سوق المدينة العتيقة في تونس

14 نوفمبر 2020
ما من رواية واحدة لسر وجود القبر (العربي الجديد)
+ الخط -

عند مدخل المدينة العتيقة في تونس العاصمة، وتحديداً في سوق "السكاجين"، يفاجأ الزوار والسياح بقبر وسط زقاق السوق. يمرّ هؤلاء مستغربين وجود قبر وسط الطريق من دون أن يكلف البعض أنفسهم عناء السؤال أو الاستفسار عن الأمر. في المقابل، يثير الفضول آخرين لمعرفة قصة ذلك القبر، وسبب الحفاظ عليه وسط الطريق، على الرغم من أنّه يعطّل حركة السير. 
في هذا السياق، يقول عبد الحميد، أحد أصحاب محال بيع الفضة في السوق: "القبر يُثير دهشة الغرباء فعلاً. العديد من المارة يدخلون محلي الصغير لأنّه الأقرب إلى القبر للاستفسار عن سبب وجوده وسط الطريق. هل هو لأحد الأولياء الصالحين، أو أنه مجرّد قبر عادي؟ ومن يهتم ويعتني به؟". يضيف: "الرواية التي يتناقلها البعض في السوق أُخذت عن كبار التجار والحرفيين في المدينة العتيقة، وتم تناقلها جيلاً بعد جيل. ولا شيء يثبت صحتها، خصوصاً وأنّها تختلف من راوٍ إلى آخر. لكن الثابت فيها أنّ الجثة تعود لجندي تونسي دافع عن فتاة حتى الموت في المكان نفسه الذي دفن فيه. ولا يمكن هدم القبر أو إزالته. فأي محاولة تعني هلاك الفاعل، أو حدوث أمرٍ ما له". 
من جهته، يقول التاجر محمد الشافعي، لـ "العربي الجديد"، إنّه كغيره من أصحاب تلك المحال التجارية في المكان، سمع القصة عن جدّه وكبار السن ومن سبقوهم في ذلك السوق. يضيف: "القبر يعود لجندي تونسي قُتل زمن الاحتلال الإسباني (من 1535 إلى 1574) عندما كان يدافع عن فتاة تعرّضت للتحرّش من قبل أحد الجنود الإسبان وبقي يدافع عنها بمفرده إلى أن تمّ قتله في ذلك المكان ودفن فيه. وعند بناء المدينة وغالبية المحال، لم يجرؤ أحد على هدم أو إزالة القبر. ويقال إنّ كل من حاول ذلك سابقاً حصلت له مشكلة ما، أو أنّ القبر ينزف دماً ولا يتوقف إلّا إذا تم إغلاقه أو ترميمه من جديد". يضيف: "طبعاً، الرواية غريبة وصعبة التصديق.

آداب وفنون
التحديثات الحية

لكن هذا ما تمّ تناقله منذ سنوات، وهذا ما يعرفه السكان القدامى ومن تناقلوا الرواية عنهم. وبقي القبر كما هو لا أحد يتجرأ على هدمه أو إزالته. ويقوم التجار هنا بدهنه ودهن سياجه الحديدي باستمرار، لأنّه بقي لغزاً يجلب حتى الزوار والسياح إلى سوق السكاجين وإلى المدينة العتيقة بصفة عامة". 
ويقع سوق السكاجين في المدينة العتيقة. و"السكاجين" في الأصل تحريف لعبارة الشكازين، جمع شكّاز، أي الحرفي الذي يقوم بصناعة جلود السروج. ويمتد السوق على زقاق كبير تتفرع عنه أزقة فرعية صغيرة توجد فيها عشرات محال الحرفيين من صانعي الفضة والذهب وحرفيي الجلود وصناعة وبيع النحاس، وغيرها من الحرف التقليدية التي تشتهر بها المدينة العتيقة في العاصمة منذ عشرات السنوات. ويزور المكان آلاف الأشخاص يومياً، خصوصاً السياح الأجانب، ما يجعل الحرفيين في المكان من أكثر الأشخاص الذي يُسألون عن سرّ القبر وسبب وجوده في ذلك المكان بالذات. 

قبر في المدينة العتيقة في تونس (العربي الجديد)
(العربي الجديد)

ويقول معتز (23 عاماً) الذي يروي رواية مختلفة عمن سبقه إنّ "القبر ليس لجندي تونسي بل لمواطن عادي قتل في المكان"، مشيراً إلى أنّ جنوداً إسباناً تحرشوا بفتاة وحاولت الدفاع عن نفسها فقتلت أحد الجنود بينما قام آخر بقتلها. بعد ذلك، قُتل إخوتها جميعاً ودفن كل واحد منهم في المكان الذي قتل فيه. هذا القبر ليس إلا قبر أحد أشقاء الفتاة. وعلى الرغم من بناء المدينة والمحال التجارية، إلّا أنّه تم الحفاظ على القبر لسنوات عدّة. وحتى تجار السوق الذين تعاقبوا على غالبية الدكاكين هنا حافظوا على القبر وعمدوا إلى حمايته من أي اعتداء". 
يضيف: "خلال عام 2013، تعرّض القبر لمحاولة تخريب من قبل بعض المتشددين دينياً كانوا ملثمين. لكنّ عمد التجار في المنطقة إلى ترميمه ودهنه من جديد، لأنّه يجلب السياح إلى المكان خصوصاً من أصحاب الفضول لرؤية هذا القبر الغريب الذي رويت عنه العديد من الروايات الغريبة". 

سابقاً، كان القبر ملوّناً بالأحمر والأبيض ويحمل العلم التونسي. لكنّ تمّ تزيينه ببعض الزخارف ودهن باللون الأخضر كما تُزيّن غالبية أضرحة الأولياء. وعمد التجار إلى حماية القبر بسياج من حديد مخافة محاولة تخريبه. واعتُبِر القبر حارساً للمدينة، مقامه كمقام أحد الأولياء الصالحين، فلا يسمح لأحد بالاعتداء عليه أو تخريبه. 

قبر في المدينة العتيقة في تونس (العربي الجديد)
(العربي الجديد)

تختلف الروايات عن ذلك القبر، ولا حقيقة تاريخية ثابتة عنه. ويقول حمودة الياس، أحد الباحثين والمغرمين بالحكايات المنسية التونسية، إنّ "الروايات حول القبر تعدّدت وقيل إن عمره تجاوز الـ 500 عام. وتشير أخرى إلى أنّه قبر أول جندي قتله المستعمر الفرنسي، أو أنه يعود لجندي تونسي كان يحارب الجنود الإسبان. وعلى الرغم من قطع رأسه، إلا أنّه ظل يحارب الجنود إلى أن سقطت جثته في المكان حيث دفن". يضيف: "البعض يقول إنّه بعد الاستقلال كانت هناك محاولة لإزالة القبر، لكن بقي ينزف كثيراً إلى أن رمّم من جديد وترك في المكان. لكن تبقى الروايات متعددة ومختلفة لكنها غير ثابتة".

المساهمون