أطفال أوروبيون معتقلون في مخيمات "قسد"

أطفال أوروبيون معتقلون في مخيمات "قسد"

21 فبراير 2021
حياة قاسية يعيشها المحتجزون في المخيمين (دليل سليمان/ فرانس برس)
+ الخط -

مرة أخرى، يعود السجال حول نساء وأطفال أوروبيين محتجزين في مخيمي اعتقال مخصصين لعائلات أفراد تنظيم "داعش" يديرهما مسلحون أكراد في شمال شرقي سورية، بعد تقارير طبية وأممية عن أوضاع صعبة يتعرض فيها الأطفال لأعراض اضطرابات ما بعد الصدمة. هذه المرة يعود السجال بعد الكشف عن تقرير موجه إلى وزارة خارجية الدنمارك، أعدّه في نهاية الشهر الماضي، ثلاثة أطباء، اثنان منهم من كبار الأطباء، عن طفلة تبلغ الرابعة، معتقلة مع والدتها الدنماركية، التي اعتنقت الإسلام وغادرت إلى زوجها في سورية عام 2014. وتثير قضية الطفلة في هذه الأيام سجالاً حقوقياً وسياسياً في مجتمعات اسكندينافيا على خلفية نشر صور للصغيرة (من دون وجهها) تكشف عن حياتها في "ظروف نفسية خطيرة يتوجب إخراجها منها بأسرع وقت ممكن"، بحسب ما خلص إليه تقرير خبراء الطب، الذين أجروا أبحاثاً سريرية معمقة حول الأطفال في مخيم روج. ويوصي الأطباء الدنماركيون الثلاثة بضرورة إخراج هؤلاء الأطفال "لعلاجهم قبل أن تتفاقم أوضاعهم الصحية". وكان تقرير للاستخبارات الدنماركية قد أكد في وقت سابق، أنّ الأطفال لا يشكلون خطراً الآن، بل على العكس "ربما يشكل عدم استعادتهم خطراً مستقبلياً".
وتثير مسألة وجود مئات النساء الأوروبيات وأطفالهن في مخيمات اعتقال جماعي سجالاً متكرراً في دول أوروبية عدة ترفض سياسياً الاعتراف بمسؤوليتها الوطنية والقانونية والإنسانية عن هؤلاء، ويحمّل اليمين المتشدد وبعض يسار الوسط فيها الأطفال والنساء مسؤولية خيار الانتقال إلى أراضٍ كان يسيطر عليها تنظيم "داعش".
من بين المحتجزين، يثير 35 طفلاً وامرأة من الجنسية الدنماركية، في مخيمي روج والهول، اللذين تديرهما قوات سورية الديمقراطية (قسد)، ذات الغالبية الكردية، حساسية أمنية ومجتمعية وسياسية في كوبنهاغن، بعدما أعلنت حكومة يسار الوسط أنّها لن تستقبل هؤلاء "الذين أدار أهلهم ظهرهم لبلدهم (الدنمارك)"، وفقاً لتصريحات سابقة لرئيسة الحكومة ميتا فرديركسن، التي تتعرض هذه الأيام لضغوط، بعد مرور نحو ثلاث سنوات ونصف السنة على اندحار "داعش" واعتقال الأكراد لمئات من الرعايا الأوروبيين في مخيمي اعتقال تصف منظمات حقوقية والأمم المتحدة ظروف الاعتقال فيهما بـ"الصعبة وغير الإنسانية". 
واستغلت أحزاب يسار ويسار الوسط ظهور نتائج تقرير الخبراء الثلاثة أخيراً، والذي تبين أنّه وضع على طاولة الحكومة الدنماركية في نهاية يناير/ كانون الثاني الماضي، للدعوة إلى استعادة هؤلاء الأطفال (عددهم 19)، من "ظروف احتجاز تعرّضهم لاضطرابات عقلية خطيرة، تستمر لديهم طالما استمر احتجازهم هناك، بما أنّ الاضطراب يتفاقم تحت الضغط المستمر المتمثل في تجارب مؤلمة للطفل والأم على حدّ سواء"، بحسب ما كشفت صحيفة "دي آر" نقلاً عن التقرير الطبي المتخصص. وبينما تحاول الأحزاب الداعمة لحكومة يسار الوسط الضغط عليها لاستعادة الأطفال، يحاول يمين الدنمارك المتشدد، متمثلاً في حزبي "الشعب الدنماركي" و"البرجوازية الجديدة"، تعميم "شبهة الإرهاب" على الأطفال، ما أثار موجة سجال تصدت لها شخصيات برلمانية رافضة لوصف أطفال بأنّهم "إرهابيون".

الصورة
في مخيم روج (التلفزيون الدنماركي)
في مخيم روج (التلفزيون الدنماركي)

ويتبين، وفقاً لتقرير الخبراء، أنّ الحكومة الدنماركية تلقت توصيات في 28 يناير/ كانون الثاني الماضي، مدعّمة بالصوت والصورة لفحوص ميدانية سريرية، بضرورة إنقاذ الصغار. وكشفت فقرات سرّبها التلفزيون الدنماركي أنّ التقرير يصف حالة الصغيرة (الطفلة الدنماركية التي كانت محور دراسة الخبراء الثلاثة)، كالتالي: "تعيش وضعاً نفسياً صعباً ولديها خوف كبير من معتقليها ولا ترفع بصرها إلى أحد غير والدتها، إذ تنظر إليها بشكل دائم. تقييمنا أنّ تطور الحالة سيؤدي إلى مرض عقلي - نفسي دائم بغياب أيّ علاج في المعتقل، وفي بيئة تخلق فقط مزيداً من اضطرابات ما بعد الصدمة". من جهته، اعتبر محامي الأسرة المعتقلة (الأم وطفلتها)، كنود فلودهاك، أنّ التقرير يمنح أملاً باستعادة "طفلة بعمر 4 سنوات تعاني من أمراض خطيرة، وعلينا أن نأمل بأن نخرج من السجال السياسي إلى نقاش إنساني حول هؤلاء الذين يعيشون أوضاعاً غير إنسانية وخطيرة لإعادة علاجهم في بلدهم". 
ويضم مخيم الاعتقال الجماعي، روج، وحده ما يقارب 600 أسرة أجنبية، غالبيتها أسر مكونة من نساء وأطفالهن، إما لوفاة الآباء أو اعتقالهم، بالإضافة إلى أطفال يتامى بعدما فقدوا الأهل في فترة حرب التحالف الدولي على تنظيم "داعش" في سورية. مخيم الاعتقال الآخر، الهول، يضم نحو 9 آلاف امرأة وطفل من الأجانب، وبحسب الأمم المتحدة، فإنّ 12 من هؤلاء قتلوا بظروف غامضة في الأسبوعين الأولين من يناير/ كانون الثاني الماضي. وأشار تقرير آخر لمعهد "إيغمونت" للعلاقات الدولية، في أكتوبر/ تشرين الأول 2020، إلى الظروف الصعبة التي تعيشها نساء وأطفال أوروبا في مخيمي الاعتقال الكرديين، ما اضطر بعض النساء من بلجيكا والسويد وألمانيا وهولندا وأيرلندا إلى المجازفة والهروب من مخيم الهول ليعدن إلى بلادهن. وتفضل الأجهزة الأمنية، مثل جهازي الاستخبارات الدنماركي والسويدي، اعتبار الأطفال "غير خطيرين" واستعادتهم بمعرفة السلطات، بدلاً من لجوئهم مع أمهاتهم إلى شبكات التهريب، إذ فقد الاتصال ببعض الأوروبيات وأطفالهن أثناء محاولة الهروب. وأشار تقرير "إيغمونت" إلى أنّ "تقييم الأجهزة الاستخباراتية الأوروبية يفيد بأنّ الأوضاع تزداد سوءاً".

تقارير عربية
التحديثات الحية

وصفت الأمم المتحدة الهول وروج بأنّهما مخيما اعتقال جماعي محاطين بأسلاك شائكة وحراسات من مسلحين أكراد على أبراج حراسة "وتُفرض على المعتقلين شروط صعبة جداً، وغير إنسانية، وهذا يعني أنّ الأطفال يعيشون في ظروف صحية ونفسية مزرية"، وفقاً لتصريحات المتحدث باسم مكتب تنسيق الإغاثة في حالات الطوارئ التابع للأمم المتحدة في جنيف، يانس لايكر. قال لايكر إنّ المخيمين "ساحة جحيم، فالمحتجزون، خصوصاً الأطفال، يعانون من الصدمات الشديدة، وهم أصلاً عانوا من الحرب والهروب، والآن يجري احتجازهم في المخيمين، للعام الثاني على التوالي بمعظمهم". وتصف الأمم المتحدة التي يسمح لها بالدخول إلى المخيمين، حياة المعتقلين بأنّها "سكن في خيام بظروف صعبة جداً... حياة تقوم على ريبة النساء الدائمة من معتقلِيهن الأكراد. وتُفرض في مخيم روج دروس للأطفال، وتمنع على النساء تغطية وجوههن، ما يزيد التوتر والريبة تجاه أيّ نشاط تقوم به إدارة المخيمين". 

الصورة
في مخيم روج (التلفزيون الدنماركي)
في مخيم روج (التلفزيون الدنماركي)

وكانت الدول الاسكندينافية الثلاث، السويد والدنمارك والنرويج، قد خطت خطوة شبيهة بما قامت به هولندا وألمانيا خلال العام الماضي، باستعادة بعض النساء والأطفال من مواطنيها المعتقلين، ما أشاع جواً متفائلاً بإمكانية فتح الباب أمام مئات من النساء وأطفالهن للعودة إلى البلاد التي يتحدرون منها. ولاقت قصة الفتاة الصغيرة، التي نشر التلفزيون الدنماركي صوراً لها من دون إظهار وجهها وهويتها، تعاطفاً، مع سجال اتسم بذهاب أغلبية المعلقين فيه إلى رفض محاولات وسم الصغار بأنّهم "إرهابيون" ويشكلون خطراً على المجتمعات الأوروبية. وتعزز ذلك النقاش المتعاطف تقارير الأمن التي تقول إنّ "الأكثر خطورة هو ترك هؤلاء الصغار يكبرون في ظروف تدفع بهم للنقمة والتطرف بسبب التخلي عنهم". 
وبحسب أرقام حديثة لمنظمة "إنقاذ الطفل" العالمية، فإنّ نحو 975 طفلاً استعادتهم دولهم الأصلية منذ عام 2017. ويشير تقرير للمنظمة إلى أنّ العام الماضي شهد استعادة نحو 200 طفل، وهو رقم متراجع عن 2019، الذي شهد عودة 685 صغيراً إلى بلدان أهلهم الأصلية.

وبحسب تقارير معهد "إيغمونت" ومؤسسات إعلامية أوروبية، يتحدر معظم الأوروبيين في مخيمي الاعتقال الكرديين في الشمال الشرقي لسورية من السويد، وهم ما بين 30 و35 بالغاً، من بينهم 20 امرأة، بالإضافة إلى ما بين 50 و70 طفلاً. ومن ألمانيا، وهم نحو 90 بالغاً، نصفهم نساء، بالإضافة إلى 135 طفلاً على الأقل. ومن الدنمارك، 35 شخصاً، هم 19 طفلاً و16 امرأة. ومن إيطاليا، امرأة وطفلان. ومن إسبانيا ثلاث نساء ورجلان ونحو 70 طفلاً. ومن بريطانيا 24 بالغاً، من بينهم 15 امرأة، كما 35 طفلاً. ومن بلجيكا 38 طفلاً، و35 بالغاً، من بينهم 21 امرأة. ومن فنلندا 7 بالغين، من بينهم 5 نساء، بالإضافة إلى 10 أطفال. ومن فرنسا ما بين 140 و200 شخص، من بينهم أكثر من 80 امرأة، ونحو 75 طفلاً.

المساهمون