أحمر الشفاه... نضال نسوي ملوّن

أحمر الشفاه... نضال نسوي ملوّن

04 فبراير 2021
رفيق النساء... بمعظمهنّ (Getty)
+ الخط -

يُعَدّ أحمر الشفاه عنصراً تجميلياً أساسياً بالنسبة إلى نساء كثيرات، سواء لجهة تعزيز الثقة أو كأكسسوار يسهل استخدامه واقتناؤه. والعلاقة التي تقوم بين النساء وأحمر الشفاه من اللون الأحمر تحديداً، متجذرة في التاريخ. ففي أوائل القرن العشرين، كان أحمر الشفاه مرادفاً للقوة، وتحديداً في خلال حركة "سوفراجيت" (Suffragettes) التي ناضلت مطالبةً بحق التصويت للمرأة وآمنت بالاحتجاج السلمي الذي ارتبط أو اعتمد بالأحرى على الجمال. وفي حين ناضلت النساء المنضويات تحت لواء هذه الحركة من أجل حقوقهنّ، أصبح اللون الأحمر الجريء رمزاً للقوة، وذلك في وقت كان الرجال يحاولون فيه تجريد النساء من ذلك.
وعندما سارت آلاف الناشطات المناديات بحق المرأة بالاقتراع في عام 1912 أمام صالون إليزابيث آردن (شركة أميركية كبرى لمستحضرات التجميل والعناية بالبشرة والعطور) في مدينة نيويورك، راحت آردن مؤسِّسة العلامة التجارية (أطلقتها قبل عامين) والداعمة لحقوق المرأة توزّع أحمر الشفاه اللامع عليهنّ مجّاناً. يُذكر أنّ إليزابيث كادي ستانتون وشارلوت بيركنز جيلمان، زعيمتي الحركة النسائية، أحبّتا قدرة هذا اللون الجريء على إحداث صدمة لدى الرجال آنذاك، واعتبرتاه علامة على التمرّد والتحرّر.
ويرجع أحمر الشفاه أبعد من ذلك في الزمن، حاملاً معاني كثيرة في حين اختلفت نظرة المجتمعات إليه. ويشير مؤرخون إلى أنّ السومريين القدماء، الذين سكنوا جنوب بلاد ما بين النهرين ما قبل الميلاد، هم الذين اخترعوا أحمر الشفاه. ويُقال إنّهم كانوا يفتّتون حجارة الصخور الحمراء ليحصلوا على مسحوق لتلوين الشفاه. أمّا مؤرّخون آخرون، فيربطون أحمر الشفاه بالنخبة الفرعونية القديمة، إذ اشتهرت كليوباترا بطلاء الشفاه المصنوع من الحشرات المسحوقة الممزوجة بالشمع الأحمر. وفي اليونان القديمة، كان يُستخدم من قبل بائعات الجنس. ففي مجتمعات عدّة، ارتبط  اللون الأحمر على الشفاه بالنساء المشكوك بهنّ أخلاقياً. وفي العصور المظلمة، كان يُنظر إلى الشفاه الحمراء كعلامة تدلّ على الاختلاط بالشيطان. وعندما بلغ هوليوود، صار يُعَدّ رمزاً للسحر والجاذبية.

تشير راشيل فيلدر، مؤلفة كتاب "أحمر الشفاه الأحمر: نشيد لأيقونة الجمال" الصادر في إبريل/ نيسان من عام 2019، إلى أنّ المكياج ارتبط بالأنوثة الغامضة المخيفة. وتوضح في كتابها أنّه كما تبنّت الحركة النسائية الأميركية "سوفراجيت" الشفاه الحمراء، كذلك فعلت حركات حقوق المرأة التي انتشرت في مختلف أنحاء أوروبا وفي نيوزيلندا وأستراليا. وتقول فيلدر إنّ المنظّمات البريطانيات والأميركيات كنّ يتبادلنَ الخطط في الغالب، من تنظيم المسيرات إلى الإضراب عن الطعام وصولاً إلى استراتيجيات أكثر هجومية. وقد اتّسع نطاق هذا التضامن إلى المكياج، فاختارت زعيمة حركة "سوفراجيت" البريطانية إيميلين بانكهورست، الشفاه الحمراء متأثّرة بنظيراتها الأميركيات، الأمر الذي ساهم في انتشار ذلك بين زميلاتها الناشطات. بالتالي، أدّى استخدام أحمر الشفاه من قبل النساء المطالبات بحق التصويت، إلى تظهير صورة "المرأة العصرية" في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية.
وفي خلال الحرب العالمية الثانية، كانت الشفاه الحمراء ترمز إلى التحدي، وقد عُرف الزعيم الألماني النازي أدولف هتلر بكرهه لها. أمّا في دول الحلفاء، فأصبحت دليلاً على الوطنية وعلى مناهضة الفاشية. وعندما أدّت الضرائب في بريطانيا إلى رفع ثمن أحمر الشفاه، عمدت النساء إلى صبغ شفاههنّ بعصير الشمندر.

المرأة
التحديثات الحية

حتى اليوم، ما زال أحمر الشفاه يُستخدم في إطار اتخاذ مواقف سياسية واجتماعية. ففي عام 2018، وضع رجال ونساء نيكاراغوا أحمر شفاه وحمّلوا صورهم على وسائل التواصل الاجتماعي مطالبين بالإفراج عن متظاهرين مناهضين للحكومة تمّ اعتقالهم. وفي عام 2019، خرجت نحو عشرة آلاف امرأة في شوارع تشيلي، وعصبنَ أعينهنّ فيما طلينَ شفاههنّ باللون الأحمر، تنديداً بالعنف الجنسي في البلاد.
من جهة أخرى، ما زال لون الشفاه الأحمر في عصرنا اليوم يُعَدّ "فاضحاً"، خصوصاً بالنسبة إلى النساء ذوات البشرة الملوّنة اللواتي استُبعدنَ غالباً في خلال حركة "سوفراجيت". وفي هذا السياق، تحكي مؤرخة الموضة شيلبي آيفي كريستي، وهي من أصحاب البشرة السوداء، عن علاقتها الخاصة بأحمر الشفاه الأحمر. وتقول إنّ "ثمّة تاريخاً طويلاً من الإثارة الجنسية المفرطة التي تُضخّم من خلال رسوم كاريكاتورية لنساء سوداوات بشفاه حمراء مبالغ بها". وتشير كذلك إلى "تاريخ من العروض مع ممثلين يسخرون من السود، من خلال طلاء بشرتهم باللون الأسود مع شفاه حمراء ضخمة".