أبواب التوظيف مقفلة أمام الشباب الليبي

أبواب التوظيف مقفلة أمام الشباب الليبي

03 فبراير 2021
الشباب الليبي يواجه صعوبات في معيشته (عبد الله دوما/ فرانس برس)
+ الخط -

 

لا تزال المعسكرات والمقار الأمنية، الوجهة الوحيدة أمام الشاب الليبي، الباحث عن وظيفة وعمل. منذ دخول البلاد في فوضى مسلحة وحروب، اضطرت برامج التنمية إلى التراجع، في ظلّ انشغال الحكومات العديدة التي تحكم البلاد في الصراع مع بعضها. ولم تفلح الحكومة الموقتة، في تنفيذ برامجها الخاصة بدمج المقاتلين في مؤسسات الدولة المدنية، بسبب تزايد مستويات العنف وانتشار السلاح الذي أدى إلى عسكرة الدولة وتحكم أمراء الحرب في مفاصل البلاد.

ورغم أنّ هيئة شؤون المحاربين، التي أسستها الحكومة، بهدف إعادة دمج المسلحين في المجتمع، أطلقت عدّة برامج، منها برنامج "ايفاد" لتدريس 150 ألف شاب في الخارج، وبرنامج "طموح" الهادف إلى توفير فرص عمل من خلال دعمه لمشاريع صغيرة ومتوسطة للمقاتلين، وبرامج أخرى، إلا أنّها فشلت بسبب الانقسامات بين المسلحين، وانحياز كلّ مجموعة منها لطرف سياسي، في ظلّ تجاذبات برزت منذ العام 2013، بحسب عبد المنعم صويد، المسؤول السابق في هيئة شؤون المحاربين.

وتزداد وتيرة إقبال الشباب على الانخراط في المجموعات المسلحة، بعد الإعلان عن برامج إعادة تأسيس الجيش الليبي، مطلع عام 2014، وفتح باب التدريب مع حوافز مالية. هذا الأمر أدى إلى تقدم قرابة 14 ألف شاب بطلبات الالتحاق بمختلف المؤسسات الأمنية والعسكرية، وعلى حدّ تعبير صويد، هي "مليشيات لا تخضع لأوامر أحد سوى أمرائها". ويضيف: "في المقابل، أطلق (اللواء المتقاعد) خليفة حفتر عملية الكرامة شرق البلاد، واندفع مئات الشباب للمشاركة فيها رغبة في الاستفادة من الرواتب الكبيرة التي دفعتها دول إقليمية وقتها لدعم حفتر".

لكنّ هذه الظاهرة لا يبدو أنها توقفت، بل لا تزال الوحدات العسكرية والأمنية، وجهة الشباب الليبي، بعد أن فقد أمله في الحصول على وظيفة آمنة ضمن تخصصه. وهو ما يؤكده فؤاد بورويلة، الذي انضم عام 2016، إلى تشكيلٍ مسلّح في مدينة اجدابيا. ورغم أنّه انخرط في العمل في إدارة التشكيل المسلح ضمن تخصصه كمهندس للمنظومات المكتبية، إلا أنّه وجد نفسه منخرطاً في القتال بسبب التجنيد الإجباري الذي فرضته المجموعات المسلحة، على كلّ منتسبيها، إبان الحرب بين حفتر ومعارضيه في منطقة الهلال النفطي، وسط البلاد. 

قضايا وناس
التحديثات الحية

ويتحدث بورويلة عن تجربته لـ"العربي الجديد"، بالقول: " تركت العمل في التشكيل المسلّح، كنت وقتها محتاجاً بشكلٍ كبير للمال والوظيفة. ما تدفعه الكتيبة شهرياً هو أضعاف ما تدفعه لي كموظف في إدارتها، لذا قررت العمل كمسلّح. أما التدريب، فقد كان بحسب التجربة والخبرة خلال أشهرٍ من القتال". ويذكر بورويلة أنّه ليس الوحيد المنخرط في العمل ضمن المجموعات المسلحة بحكم تخصصه، بل هناك العديد غيره كمسعفين ومصورين وإعلاميين، جذبتهم الأموال الكبيرة التي تدفعها المجموعات المسلحة.

ورغم جهود حكومات البلاد في الحدّ من مظاهر السلاح، إلا أنّها لا تزال في المراحل الأولى من القضاء على الظاهرة، كما يؤكد الضابط في مديرية أمن القربولي التابعة لحكومة الوفاق، عثمان عزيز. ويشير إلى أنّ خطط وزارة الداخلية تسير وفق جدول زمني لدمج المجموعات المسلحة المختلفة في المؤسسات الرسمية سواء الأمنية أو العسكرية. ويعترف عزيز في حديثه لـ"العربي الجديد"، بأنّ الخطط غير كافية لإعادة دمج الشباب المسلّح في العمل المدني. ويؤكد انّ حجم خطر السلاح أكبر من أن تتمكن خطط موقتة من العمل على علاجه.

وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أعلنت وزارة الداخلية عن بدء عمل لجانها لدمج وتأهيل المجموعات المسلحة والمقاتلين، موضحة أن آلياتها تعتمد على تقسيم المجموعات إلى 3 أصناف، يتم خلالها إعادة تدريب صنفين وتسريح أفراد الصنف الثالث، "ولو بالقوة"، وتوفير لهم بالمقابل، الأعمال المدنية، والتدريب المهني والتعليم العالي، وقروض الأعمال الصغيرة، وغيرها من الخطط الأخرى. لكنّ عزيز يشير إلى أنّ توفير الوظائف البديلة للمسلحين يحتاج استقراراً سياسياً يتيح آفاقاً اقتصادية، تعزز اقتصاد القطاع الخاص.

طلاب وشباب
التحديثات الحية

وينبّه الباحث الليبي في الشؤون الأمنية، الصيد عبد الحفيظ، إلى أنّ النزاع المسلح الحالي لا يزال يخلق الظروف لاستمرار هذه الظاهرة. فالعلاجات التي تقدمها سلطات طرابلس غير ممكن تطبيقها في معسكر شرق البلاد، الذي لا تزال معسكراته تستقبل مئات الشباب الذين أوصدت أبواب التوظيف الحكومي في وجوههم. ويعتبر عبد الحفيظ، خلال حديثه لــ"العربي الجديد"، أنّ ظاهرة العمل كمسلّح أصبحت ثقافة سائدة، بل مرغوبة، تعزز من مكانة الشاب في محيطه ومنطقته. ويرجح أنّ ثقافة المجتمع ونظرتها للمسلّح هي أيضاً من العوامل التي تدفع الشباب للانخراط في المليشيات. ويقترح الباحث الأمني الليبي، بالإضافة للخطط الاقتصادية، إنشاء مراكز تأهيلٍ نفسي لتمكين الشباب من الخروج من دائرة العنف والآثار النفسية التي ترتبت على الحروب ومظاهر التسلح.

ولا توجد أرقام رسمية لعدد المجموعات المسلحة في ليبيا، ويرجح عبد الحفيظ أن يكون عدد الوحدات قرابة الألف مجموعة، ويقول: "في كلّ الأحوال،عدد الشباب الليبي المسلح كبير جداً"، معتبراً أنّ "قفل باب التوظيف وإضعاف الاقتصاد كان متعمّداً لإجبار الشباب على التوجه إلى السلاح".

المساهمون