فرنسا تؤخّر الاعتراف بفلسطين... مقابل مساعٍ بلا نتيجة

فرنسا تؤخّر الاعتراف بفلسطين... مقابل مساعٍ بلا نتيجة

10 نوفمبر 2014
تزايد المطالبات للاعتراف بالدولة الفلسطينية (بيار أندريو/فرانس برس)
+ الخط -

التطورات الخطيرة في القدس الشرقية المحتلة، وتوسيع الاستيطان، بالإضافة الى المفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية المتعثّرة، مواضيع فرضت نفسها على الساحة السياسية الفرنسية هذا الأسبوع، وكانت حاضرة في أكثر من لقاء في باريس، كما حدث بين وزيري خارجية فرنسا لوران فابيوس والولايات المتحدة جون كيري، ولقاءات وزير الخارجية الأردني ناصر جودة مع نظيره الأميركي، واجتماع الكتلة الاشتراكية في البرلمان الفرنسي لبحث سبل بداية النقاش حول مسألة الاعتراف بفلسطين.

كما أن هذا الموضوع حضر بقوة أيضاً، في لقاء رئيسة لجنة الشؤون الخارجية إليزابيث غيغو ومستشار الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند للشؤون الدبلوماسية امانويل بون، مع السفير الفلسطيني في فرنسا هايل فاهوم.

ولم تُسهم جميع هذه اللقاءات في توضيح الصورة، ولم يصدر عن هذا المشهد الضبابي بصيص أمل يبشّر بوضع حد للاستفزازات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين أو إطلاق تحرك دبلوماسي فعال، مع العلم أن الفرنسيين والأميركيين سمعوا بوضوح ما نقله جودة، الذي استدعت بلاده سفيرها من تل أبيب، "بأن الرسالة كانت واضحة وتُظهر خطورة ما يجري، لأن القدس خط أحمر، والخروقات المتواصلة أمر مرفوض، والتعديات الإسرائيلية تغضب وتثير مشاعر وحساسية مليار ونصف مليار مسلم في العالم".

وبالنسبة إلى عملية السلام، كان كيري قد طلب من نظيره الفرنسي إعطاءه مهلة شهر، كي يبذل الجهود اللازمة من أجل إطلاق عجلة السلام، واستئناف المفاوضات الفلسطينية -الاسرائيلية.

ومع انتهاء المهلة وتعثّر السلام، والتصعيد الإسرائيلي الخطير، يبقى الغموض على حاله بالنسبة للموقف الأميركي بشأن تحريك عملية السلام، ووضع حد لتجاوزات إسرائيل التي تنسف أي فرصة للسلام.

واكتفى الوزير الأميركي بعد لقائه فابيوس بالإعراب "عن قلق واشنطن وباريس العميق حيال ما يجري في القدس"، آملاً "ألا تؤدي التوترات الى انفجار".

أما بالنسبة للموقف الأوروبي، فالمشهد وإن اختلف بعض الشيء نظراً لمساندة أوروبا للسلطة الفلسطينية وخصوصاً من الناحية الاقتصادية، إلا أن موقفها السياسي غير واضح.

ويؤكد مسؤول فرنسي لـ"العربي الجديد"، أن "أخطر ما في الأمر هو الفرص الضائعة، وإعطاء مهل وتحديد تواريخ مقدّسة وعدم تقديم أي جديد بالنسبة لاستئناف عملية السلام".

ويكشف المسؤول أن فرنسا تتقدّم بأفكار، "وطلبت أخيراً من الفلسطينيين تأجيل تقديم مشروع الاعتراف بالدولة الفلسطينية في مجلس الأمن لستة أسابيع، والولايات المتحدة تتحدث عن مهلة شهر، وكل هذه التواريخ تظهر غموض المواقف ونقصان الشجاعة والإرادة السياسية لاتخاذ اي قرار، لا بل إن الغموض أصبح مسألة مطلوبة في هذه المرحلة".

ويعتبر المراقبون أن هذا الوضع من شأنه أن يشجّع إسرائيل على المضي بسياستها وإجراءاتها التعسفية.

كما أن الأفكار التي تطرحها فرنسا من أجل تحريك عملية السلام، ومن بينها اتخاذ مبادرة أوروبية مشتركة من خمس دول أوروبية والذهاب للقاء المسؤولين في الحكومة الإسرائيلية، والطلب منهم الكفّ عن خروقاتهم، أفكار نظرية ولن تعطي أي نتيجة عملياً، وفي نهاية المطاف سترسل إشارات خاطئة للحكومة الإسرائيلية لأنها تعبّر عن حالة عجز.

كذلك طرح باريس لمسألة عقد مؤتمر دولي، غير واقعي في المرحلة الراهنة وغير قابل للتطبيق.

وأمام هذا الواقع، يجد الفلسطينيون أنفسهم مضطرين للذهاب الى مجلس الأمن الدولي لطرح مشروع الدولة "مهما كان ثمن الضغوطات وإمكان استخدام حق النقض، لأنه لا يمكنهم الوقوف موقف المتفرج، أو الانتظار الى ما لا نهاية، لنفاد المهل التي تطلب منهم تأجيل تقديم الأفكار والمشاريع"، كما يقول دبلوماسي فلسطيني لـ"العربي الجديد".

وفي هذا السياق، بدأ عدد من النواب الاشتراكيين في البرلمان الفرنسي، التحرك لحثّ نظرائهم على التوقيع على عريضة تطالب بالاعتراف بالدولة الفلسطينية.

وينصبّ اهتمام البرلمانيين الاشتراكيين على إعداد مشروع نص يطلب من الحكومة "الاعتراف بفلسطين كدولة من أجل تسوية الصراع العربي-الإسرائيلي".

هذه المبادرة تقدّمت بها غيغو والتي بحثت مع نواب الكتلة الاشتراكية موضوع الاعتراف. وقد بدأت بالفعل مناقشة مشروع النص هذا الأسبوع. كما بحث عدد من النواب الاشتراكيين في اللجنة الخارجية هذا الموضوع أيضاً مع فابيوس.

وكانت غيغو قد أكدت أن "الأوان قد آن للاعتراف بالدولة الفلسطينية وطرح مشروع المبادرة". وأشارت إلى "أن هذا الاعتراف من قِبل البرلمان سيؤدي الى دعوة الحكومة الفرنسية للاعتراف بفلسطين كدولة من أجل التوصل لتسوية"، وفق ما كشفت لـ"العربي الجديد" مصادر برلمانية شاركت في الاجتماع المغلق.

وتشير النسخة الأولى من مشروع البيان الذي يجري التشاور حوله، وقد تطرأ عليه تعديلات، إلى "أن النواب أخذوا علماً بفشل مفاوضات السلام ويحذرون من التهديدات القائمة على مشروع الدولتين، وخاصة الاستيطان في الأراضي الفلسطينية والتصعيد القائم".

وأعلن المتحدث باسم الحكومة الفرنسية ستيفان لوفول، "أن خط فرنسا هو الاعتراف بالدولة". ولفت إلى أن "مبادرة غيغو والنواب الاشتراكيين، هي مبادرة برلمانية"، في إشارة واضحة الى أن ما يتبناه البرلمان لا يشكل بالضرورة موقف الحكومة.

وعن مسألة الاعتراف، قال لوفول "إن خيار فرنسا هو السعي لأن تكون الدولة الفلسطينية معترفاً بها على الصعيد الدولي".

وكان وفد برلماني بريطاني قد زار العاصمة الفرنسية الأسبوع الماضي، وحثّ عدداً من البرلمانيين على المضي باتجاه مسألة الاعتراف.

ويدرك العديد من المتخصصين من سياسيين وأكاديميين أن مسألة الاعتراف، وإن "كانت آتية لأن لا محال منها في المستقبل"، إلا أنها تتطلب موقفاً شجاعاً من قبل المسؤولين الفرنسيين الذين لا يترددون في القول وراء الكواليس "بأن هذه المسألة هي حساسة، ولعل التوقيت ليس ناجحاً ومناسباً بما فيه الكفاية، وأن الأمور عليها أن تنضج أكثر، وينبغي العودة الى المفاوضات".

ويقول الكثير من المسؤولين في الغرب إن المفاوضات تشكّل نقطة البداية والنهاية ويجب انتظار استئنافها، لكن هذه العبارات لا تعني الكثير للفلسطينيين اليوم لأنهم يعرفون أنها لم تحقق الكثير لهم، وأن السلام متوقف بسبب غياب إرادة سياسية، ومواجهة العالم لإسرائيل.

بالتالي لا يمكن للفلسطينيين الوقوف موقف المتفرج من دون التحرك على أكثر من جبهة، حتى لو أن طريق الاعتراف سيكون مليئاً بالأشواك والألغام، النقاش حول مسألة الاعتراف لن يكون سهلاً.

المساهمون