تركيا قلقة على جاليتها في أوروبا

تركيا قلقة على جاليتها في أوروبا

09 يناير 2015
تضامناً مع ضحايا الجريمة في إسطنبول (الأناضول)
+ الخط -
لم يكن من المستغرب مسارعة المسؤولين الأتراك إلى إدانة الهجوم الدموي على مجلة "شارلي إيبدو" الفرنسية الأسبوعية الساخرة، وخصوصاً أن تركيا هي صاحبة واحدة من أكبر الجاليات المسلمة في عموم أوروبا، وهو ما أشاع جواً من القلق التركي على هذه الجالية من بوابة احتمال تعرضها لأعمال انتقامية. من هنا، دان نائب رئيس الوزراء التركي يالجين آكدوغان، الهجوم المسلح "الصادم والمروّع" على حد تعبيره، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن "الاتصالات الدبلوماسية مع الدولة الفرنسية جارية على قدم وساق، كما أن الوزراء الأتراك في تواصل مباشر مع نظرائهم الفرنسيين". بدوره، دان وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو العملية، قائلاً: "ندين بشدة كل أشكال الإرهاب، ونحن ضد جميع أنواعه مهما كان سببه وهدفه، ومن الضروري جدًا مكافحة الإرهاب". وأوضح جاويش أوغلو أن عدم مكافحة الإرهاب يشكل معضلة عالمية، مشيرا إلى أن الحرب على "داعش"، لم تأت بنتائج، بسبب غياب الاستراتيجية الشاملة، مضيفا أنهم أكدوا مرارا في مختلف المحافل الدولية أن العنصرية، ومعاداة الأجانب، والتمييز، وظاهرة الإسلاموفوبيا تهدد الشعوب والقيم في أوروبا، وأن تلك التيارات لها تأثير مباشر على الإرهاب، وينبغي احترام حرية الاعتقاد. وربط جاووش أوغلو بين الانضمام لـ"داعش" والعنصرية التي يلاقيها المسلمون في أوروبا، قائلاً إن "أغلب الذين ينضمون إلى داعش، يُعزون سبب انتمائهم إلى التمييز الذي يتعرضون له، ولذلك فإن هاتين المسألتين تؤثران على بعضهما بعضا".

يأتي الربط التركي في الوقت الذي تجند فيه أنقرة طاقاتها على المستوى الإعلامي والدبلوماسي والاقتصادي لمحاربة موجة صعود اليمين الأوروبي المتطرف الذي تُرجم على شاكلة اعتداءات نالت بعض المساجد في ألمانيا والسويد، والتوتر الذي شهدته العلاقات التركية الهولندية بعد الدعوات الذي ظهرت من بعض الأحزاب اليمينية المتطرفة لإغلاق المساجد في هولندا، وقيام حزب العمل الهولندي بفصل نائبين من أصول تركية من الحزب إثر رفضهما التوقيع على عريضة قدمت في أحد اجتماعات الحزب، لتشديد الرقابة على أربع منظمات تركية بحجة أنها "تعمل على التركيز على الهوية الإسلامية والتركية"، ممّا يعيق جهود الدمج في المجتمع الهولندي، الأمر الذي دفع وزارة الخارجية التركية إلى إصدار بيان في فبراير/شباط الماضي، تحذر فيه الحكومة الهولندية من تفاقم "السياسات العنصرية ضد الأتراك".

وشكلت التظاهرات التي دعت إليها حركة "أوروبيون وطنيون ضد أسلمة الغرب" المعادية للإسلام، أخيرا، والمعروفة اختصارا باسم "بيغيدا"، سببا إضافيا لتفاقم القلق التركي من تأثير هذه الحركات على مستقبل الجالية التركية في أوروبا والتي شكلت تحويلاتها المالية خلال الأزمات الاقتصادية التي عاشتها تركيا مراراً، حجر الزاوية للاقتصاد التركي، كما أن وجودها يعزز الرغبة التركية في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.

يخشى الكثير من الأتراك بعد تزايد موجات الإسلاموفوبيا في أوروبا الغربية بالذات، أن تكون عواقب جريمة باريس المترافقة مع صعود "داعش"، مشابهة لما أدّت إليه أحداث 11 سبتمبر 2001 لناحية معاناة المسلمين من اعتداءات وتمييز. ووصل الهلع الذي أثاره اعتداء باريس في الإعلام التركي، إلى درجة ذهبت ببعض الإعلاميين الأتراك إلى تشبيههم هجمة باريس بحادثة اغتيال الأرشيدوق النمساوي فرانز فيرديناند عام 1914 والتي أشعلت الحرب العالمية الأولى.

وكانت الهجرات التركية إلى أوروبا قد بدأت في الستينيات من القرن الماضي، عندما كانت الدول الأوروبية تعاني نقصاً في اليد العاملة بعد اتفاقيات تصدير اليد العاملة التركية التي وقعتها حكومة أنقرة مع كل من ألمانيا عام 1961 وبلجيكا وهولندا والنمسا عام 1964، وفرنسا عام 1965. وتعتبر الجالية التركية أكبر الجاليات عموما في دول أوروبا الغربية، تليها الجالية المغربية، بما يزيد على الأربعة مليون تركي بحسب وزارة الخارجية التركية، يتركزون بشكل أساسي في ألمانيا، النمسا، هولندا، السويد وسويسرا وبلجيكا، واحتل بعضهم مناصب برلمانية ووزارية، كما حدث في التشكيلة الوزارية الأخيرة في السويد التي ضمت وزيرين من أصول تركية.

المساهمون