توقيف "نساء المجاهدين": هل يضرب مفاوضات تبادل الجنود اللبنانيين؟

توقيف "نساء المجاهدين": هل يضرب مفاوضات تبادل الجنود اللبنانيين؟

04 ديسمبر 2014
خلال قمع رجال الأمن لأهالي العسكريين المخطوفين (حسين بيضون)
+ الخط -
أنهت وزارة الداخليّة العراقيّة النقاش الذي دار في لبنان على مدى الأيام الماضية حول علاقة سجى الدليمي بزعيم تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) أبو بكر البغدادي، إذ أعلنت أن سجى ليست زوجته الحالية ولا السابقة. إعلان أبرز مدى الفخّ الذي وقعت فيه أجهزة الاستخبارات اللبنانيّة التي أبلغت مختلف وسائل الإعلام ووكالات الأنباء، أن الزوجة الثانية "للخيلفة" وقعت في الأسر. لكن هذا لا يُلغي أن لسجى موقعاً مهماً بين الجهاديين بسبب عائلتها، التي تُعتبر "جهادية من الدرجة الأولى، وقد تكون لعبت دوراً في نقل الرسائل"، يقول أحد المشايخ لـ"العربي الجديد".

أمّا زوجة أبو علي الشيشاني، (أنس جركس، سوري الجنسية)، فأيضاً لا تُعدّ صيداً ثميناً، لابتزاز جبهة النصرة في عملية التفاوض الدائرة. فأبو علي الشيشاني ليس مسؤولاً في "النصرة". والدليل على ذلك، أنه وقّع بإسم فصيل خاص به على الوثيقة التي وقعتها الفصائل المقاتلة في القلمون، لتنظيم علاقتها بلبنان. وهذا الأمر يُضاف إلى إعلان الأمن العام اللبناني في بيان له أن مصير العميد السوري المنشق، عبدالله الرفاعي، قائد تجمّع القلمون الغربي في الجيش السوري الحرّ، مرتبط بمصير العسكريين المخطوفين؛ وكأن "النصرة" و"داعش" يهتمون لمصير القياديين في الجيش الحرّ، وهم الذين يخوضون معهم معارك شرسة في مختلف المناطق السورية.
 

لكن عمليتي التوقيف تركتا أثراً، يبدو أنه سيكون سلبياً على ملف التفاوض. موقف جبهة النصرة كان واضحاً، لجهة إعلانها النية بالانتقام، "ومن يعرف طريقة تفكير الجهاديين يُدرك أنهم لا يخضعون للابتزاز في موضوع النساء، لكنهم يرونه من الكبائر التي تدفعهم إلى ردة فعل قاسية"، يقول أحد الخبراء في قضايا الجهاديين. وقد يكون الكمين الذي وقعت فيه دورية للجيش اللبناني ساعاتٍ بعد إعلان توقيف السيدتين، مؤشراً على موقف "النصرة" هذا، ورسالة بإنها لا تُمانع بإعادة فتح المعارك مع الجيش اللبناني حينما تريد. 

اللافت، أن عمليّة التوقيف حصلت بعدما أُنجز التوافق داخل الحكومة حول ملف التبادل. إذ تُشير مصادر حكوميّة، إلى أن مختلف أطراف الحكومة اللبنانيّة، وافقت على إطلاق سراح خمسةٍ من الموقوفين مقابل كلّ عسكري. وقد وضع حزب الله شرطاً واحداً وافق عليه الجميع، وهو عدم إطلاق المتورطين بالتفجيرات التي طالت الضاحية الجنوبية لبيروت والبقاع الشمالي؛ وهذا ما يُفسّر سبب تركيز جبهة النصرة أخيراً، على إطلاق جمانة حميّد كونها أوقِفت في سياق الحملة الأمنية للقضاء على السيارات المفخخة، وقد اعتقلت "بالجرم المشهود" خلال قيادتها سيارة مفخخة.

وما كان ينقص استكمال عمليّة التبادل، إقناع الجانب السوري بإطلاق سراح خمسين معتقلة في سجونه مقابل كل عسكري لبناني مخطوف. وذلك لأن الحكومة اللبنانيّة اختارت العرض الثالث التي تقدمت به جبهة النصرة، وهو مقايضة كل عسكري بخمسة موقوفين في لبنان وخمسين معتقلة في سجون النظام السوري؛ بدل أن تختار العرض الأول، وهو مقايضة كل عسكري بعشرة موقوفين في لبنان، وبالتالي لا تربط الحكومة مصير عسكرييها بموافقة النظام السوري و"كرمه". من دون إغفال أن العلاقة بين الحكومة اللبنانيّة والنظام السوري ليست في أفضل حالاتها، وأن التنسيق بين البلدين لا يتجاوز الجانب الأمني. وقد يستغل الجانب السوري الحاجة اللبنانيّة إليه لإنجاز صفقة التبادل، في سبيل إعادة تطبيع العلاقات بين البلدين، وهو ما قد يكون له أثر سلبي على تماسك الحكومة اللبنانية.

المثير في هذا الجانب، حديث مصادر سياسيّة لبنانيّة عن وجود صراع بين مراكز القوى، خصوصاً مع وصول عمليّة التفاوض إلى مراحلها الجديّة، وكلّ طرف يُريد أن ينسب الفضل لنفسه. وتتخوف هذه المصادر "من تكرار وقوع الأخطاء، خلال عملية الصراع الداخلي، ما يؤدي إلى انهيار المفاوضات، وتلقي العسكريين مصيراً أسود". وتضيف هذه المصادر أن هذا الصراع تجلّى بمحطات عدّة، وبدأ يأخذ طابعاً شخصياً، خصوصاً بين بعض المسؤولين الأمنيين. ويأتي حديث هذه المصادر عن "صراع بين مراكز القوى" مع قرار الحكومة بالانتقال إلى التفاوض المباشر، الذي ترافق مع تراشق إعلامي بين أطراف في الحكومة على خلفية قمع قوى الأمن الداخلي تحرّكاً لأهالي الجنود المخطوفين. تلا ذلك غياب التنسيق بين الوزراء، عند تهديد "النصرة" بإعدام العسكري علي البزال، وانتظارهم تدخّل الشيخ مصطفى الحجيري (المطلوب للقاء اللبناني) لدى "النصرة" لتأجيل عمليّة الإعدام.

وفي هذا السياق يأتي كلام مسؤول عسكري عراقي، يشغل منصباً رفيعاً في وزارة الدفاع العراقية، ومفاده أن "الدليمي التي أُعلِن اعتقالها من قبل اللبنانيين كانت في العراق وتركته لتنتقل إلى سورية، ومنها إلى لبنان كمحطة أخيره لها على ما يبدو للعيش هناك بشكل دائم، بعيداً عن صخب ومشاكل "داعش" الذي لا تعلم عنه الكثير، إلا ما يصدر في وسائل الإعلام، وقد تكون انفصلت عنه بحسب المعلومات الأولية".

وأضاف المسؤول الذي يشغل رتبة عميد ركن بهيئة رئاسة أركان الجيش العراقي: "كان بالإمكان اعتقالها أو قتلها في العراق، حيث كانت بمحافظة الأنبار، لكن هناك على ما يبدو خطة لتوريط لبنان بالحرب على "داعش" بشكل أوسع، ونقل جزء من حرارة المعركة إلى أراضيه. وقد تكون الحكومة اللبنانية سقطت في فخ إقليمي أُعِدّ مسبقاً بمشاركة نظام بشار الأسد، مستغلة سعي الجيش السوري لإبراز دوره في حماية أمن لبنان، بعد أزمة الرهائن وسلسلة الهجمات الإرهابية التي استهدفت جنوده في عرسال". واستغرب هذا المسؤول الحديث عن معلومات غربية أوصلت إلى الدليمي، لأن أجهزة الاستخبارات الغربية تعرف أنه لا قيمة للأخيرة على صعيد المعلومات.

المساهمون