المصالحة الفلسطينية تراوح مكانها

المصالحة الفلسطينية تراوح مكانها

22 نوفمبر 2014
المصالحة ما زالت في المربع الأول (سعيد خطيب/فرانس برس)
+ الخط -

لم تغادر المصالحة الفلسطينيّة المربّع الأول بعد، على الرغم من انقضاء نحو ستة أشهر على توقيع آخر اتفاقيات جولاتها في قطاع غزّة الذي عرف بـ"اتفاق الشاطئ"، في 23 أبريل/نيسان الفائت، بل إن العلاقة بين قطبي الانقسام "فتح" و"حماس" تشهد تدهوراً مستمراً، لا سيّما بعد التفجيرات التي استهدفت 15 منزلاً ومكتباً لمسؤولين من "فتح"، ولم توفّر منصّة الاحتفال بإحياء ذكرى الرئيس الفلسطيني الشهيد ياسر عرفات، في السابع من الشهر الحالي.

وفي وقت يؤكد فيه أمين سر المجلس الثوري لحركة "فتح" أمين مقبول لـ"العربي الجديد"، عدم وجود اتصالات بين الحركتين منذ التفجيرات، إلا أنّ التراشق الإعلامي بينهما لم يتوقف. ويعتبر مقبول أنّ "الكرة الآن في ملعب حماس، التي عليها أن تتبرّأ ممن قام بالتفجيرات، وقبلها الاعتداءات على كوادر "فتح"، ورفع الغطاء عنهم وتقديمهم للمحاكمة، كتعبير عن النوايا الصادقة".

وفي الإطار ذاته، يقول عضو اللجنة التنفيذيّة لمنظمة التحرير وعضو وفد المصالحة، جميل شحادة، لـ"العربي الجديد"، إنّ "العقدة الحاليّة تتمثّل في التفجيرات الأخيرة"، معلناً أن "الفصائل الفلسطينيّة في قطاع غزة، تعمل على رأب الصدع، والخطوة الأولى ستكون عبر إدانة "حماس" للتفجيرات والكشف عن الفاعلين". ويلفت "إلى أنّ الاحتلال الإسرائيلي استهدف المصالحة عبر العمليّة العسكريّة في الضفّة الغربيّة في يونيو/حزيران الماضي، تلاها إعلانه الحرب على قطاع غزة لمدة 51 يوماً".

في المقابل، ترى حركة "حماس"، على لسان نائبها عن القدس أحمد عطون، أنّ "هناك أشهراً سبقت الحرب على غزة"، مشيراً لـ"العربي الجديد"، إلى أنّه "لم يثبت حتى الآن، تورّط حماس في التفجيرات الأخيرة، ومع ذلك لم تقم حكومة التوافق الوطني بأيّ زيارة لقطاع غزّة قبل العدوان".

ويتساءل عطون في هذا الإطار: "لماذا لم يدعُ الرئيس الفلسطيني محمود عباس المجلس التشريعي للانعقاد، ويحدّد موعداً للانتخابات، على الرغم من أنّ "فتح" هي من وقّعت على هذا البند في القاهرة؟"، ليستنتج أنّه "باختصار ليس هناك إرادة سياسيّة للمصالحة".

ولم يعلّق الشعب الفلسطيني، منذ اليوم الأول، آمالاً على قادة الحركتين في طيّ صفحة الانقسام، وقابَل الاتفاق بالتشكيك والسخريّة عبر تعليق بات الأبرز لاختصار الوضع "مصالحة... مو صالحة"، وبالتالي لم يكن مفاجئاً ما آلت إليه الأمور من تعقيد وعدم إنجاز.

وفي وقت تبدو فيه التفجيرات ذريعة "مقنّعة" لكلا الطرفين، لزيادة وتيرة التراشق الإعلامي وتعميق الخلاف، لكنّ الأشهر التي سبقت التفجيرات لم تشهد تحقيق أيّ من الأهداف الواردة في "اتفاق الشاطئ"، الذي تمّ التوافق فيه على وضع الجداول الزمنيّة لإنهاء الانقسام وتطبيق اتفاق المصالحة الوطنيّة، والتنفيذ الفعلي لاتفاق القاهرة المُوقّع في مايو/أيار 2011، وإعلان الدوحة في فبراير/شباط 2012.

ومن أبرز الأهداف التي وضعها الاتفاق ليصار إلى تحقيقها في مهلة أقصاها ستة أشهر، تشكيل حكومة التوافق الوطني من قبل عباس، وتحديد الرئيس الفلسطيني انتخابات متزامنة تشريعيّة ورئاسيّة، بالتشاور مع القوى والفصائل الفلسطينيّة، في مدّة لا تتجاوز ستة أشهر من تشكيل حكومة الكفاءات، فضلاً عن عقد لجنة تفعيل وتطوير منظمة التحرير الفلسطينية في غضون خمسة أسابيع من تاريخ توقيع الاتفاق، واستئناف عمل لجنة المصالحة المجتمعيّة، وتطبيق ما تمّ الاتفاق عليه في القاهرة بالنسبة إلى ملفّ الحريّات العامة واستئناف عملها وتنفيذ قراراتها.

وبعد مراجعة لكلّ البنود التي تمّ التوافق عليها، وتوقيعها ضمن أجواء احتفالية بشّرت بعهد جديد يطوي صفحة الانقسام، لكن يقتصر ما تمّ إنجازه من بنود المصالحة، على تشكيل حكومة توافق وطني فقط، ميزتها الأولى والأخيرة أنها متعثّرة وبالكاد تستطيع مواصلة أداء دورها الخدماتي. وفشلت الأخيرة فشلاً ذريعاً في مهماتها الرئيسية وهي: توحيد ودمج المؤسّسات الفلسطينيّة في الضفّة الغربيّة وقطاع غزة، والتمهيد لإجراء انتخابات، حتّى إنّ اللجنة الإداريّة والقانونيّة التي تمّ تشكيلها للنظر في ملف الموظفين في قطاع غزة، لم تنجز مهمّتها بعد ستّة أشهر.

ولعلّ ملفي موظفي "حماس" والأمن، يعدّان سببين رئيسيين لما آلت إليه الأمور، إذ لم تجرِ مناقشة هذين الملفين ووضع آليات واقعية لهما، ليتفجّر الموقف بعد أيام من تشكيل الحكومة، حين خرج المئات من موظفي قطاع غزة غاضبين، بسبب عدم صرف رواتبهم من حكومة التوافق الوطني التي لا تمتلك مالاً، وتخاف من العقوبات الإسرائيليّة الأميركيّة في حال امتلكته وأرسلته إلى قطاع غزة.

أما الملف الثاني، والذي من الصعب حلّه على أرض الواقع، فهو الأمن. ففي حين يشغل رئيس الحكومة رامي الحمد لله منصب وزير الداخليّة في الوقت نفسه، لكنّه لا يملك أي صلاحيات على الأمن في قطاع غزّة، ومن الصعب الحديث عن الأمن والسلاح في القطاع من دون أن تقرع المقاومة جرس الإنذار.

ويأسف عضو وفد منظمة التحرير إلى "اتفاق الشاطئ" بسام الصالحي، في حديث لـ"العربي الجديد"، لـ"عدم التقدّم في أيّ من القضايا المتّفق عليها، سوى قضيّة تشكيل حكومة التوافق الوطني، والتي لا يزال أمامها الكثير من العقبات". ويعزو عدم تنفيذ الأهداف المرسومة وفق الاتفاق، إلى "عدم وجود إرادة سياسيّة بشكل جدّي لتنفيذ الاتفاق".

ويرى أنّ "هناك مجموعة من الأسباب، أبرزها القضايا المعقّدة والتي لم يتمّ التعامل معها ومعالجتها بالشكل اللازم، إذ طغت قضايا الموظفين والأمن على المشهد بأكمله". ويؤكّد أنّ "هناك حاجة لوضع الشعب في صورة الوضع القائم، وهذا جزء من مسؤوليّة القيادة الفلسطينيّة".

وفيما يتعلّق بدعوة حماس لانعقاد المجلس التشريعي، يرى الصالحي أنّ "انعقاد المجلس التشريعي ضرورة، لكن في إطار اتفاق بين القوائم والكتل البرلمانيّة، حتى لا يصبح انعقاده موضع صراع إضافي". ويشدّد على أنّ "الحاجة ماسّة لأن تكون هناك مقاربة جديدة فيما يتعلّق بالمصالحة، تقوم على وضع استراتيجيّة وطنيّة موحّدة، يُصار على ضوئها إلى معالجة كلّ القضايا المعقّدة، استناداً لما تمّ التوافق عليه في الاتفاقيات السابقة، وتخضع للرقابة الشعبية". ويعترف الصالحي في الوقت ذاته، بأنّ "الظرف الحالي لا يساعد على عقد أي لقاءات".

ولم تسمح القيادة المصريّة، قبل الوضع الحالي بكلّ تعقيداته التي تبعت الحرب الإسرائيلية على غزة، والوضع الأمني المتدهور في شبه جزيرة سيناء، والتفجيرات بين "فتح" و"حماس"، بلقاءات على أرضها للإطار القيادي الموحّد لمنظمة التحرير. ورفضت القيادة المصريّة الاجتماع الذي كان يُعوّل عليه لوضع استراتيجيّة وطنيّة فلسطينيّة واضحة، تتّفق عليها جميع الفصائل وقوى العمل الوطني، ولا تنفرد بها "فتح" و"حماس"، لأنّها ترفض وجود رئيس المكتب السياسي لـ"حماس" خالد مشعل على أرضها. ولم تجرؤ القيادة الفلسطينيّة أن تفكّر بعقده في مكان آخر، خشية من غضب القيادة المصريّة.

ويرى عضو المجلس التشريعي الفلسطيني ونائب أمين عام "الجبهة الديمقراطية" قيس عبد الكريم، أنّ "العمل في المرحلة الحالية يجب أن ينصبّ على خفض التوتّر في العلاقة بين "فتح" و"حماس" والحدّ من التراشق الإعلامي، وذلك بعد أن وصلت العلاقة إلى حدّ كبير من التعقيد بعد التفجيرات في قطاع غزة". ويؤكّد لـ"العربي الجديد"، أنّ "الكرة الآن في ملعب حماس، وهي من يجب أن تقوم بالخطوة الأولى نحو "فتح"، وذلك عبر محاسبة مرتكبي جريمة التفجيرات في قطاع غزة".

ويعزو عبد الكريم عدم تحقيق الأهداف التي نصّ عليها "اتفاق الشاطئ" قبل أن تتعقّد الأمور بتفجيرات قطاع غزة، إلى "التجاذب المتواصل للخطوات المطلوبة، لا سيّما دور حكومة التوافق الوطني في قطاع غزة، وتلا ذلك الحرب الإسرائيليّة على القطاع وما تبعها من اتفاق لوقف إطلاق النار، كلّها أمور عقّدت المصالحة ولم تؤدِ إلى إنجاز أهداف الاتفاق".

من جهته، يرى المحلّل السياسي والمحاضر في جامعة بيرزيت، نشأت الأقطش، أنّ "المصالحة شابها منذ اليوم الأول التردّد وسارت بخطى بطيئة، بسبب التدخّلات الإقليميّة والدوليّة، ومن الواضح أنّ هناك قراراً سياسياً لإعادة النظر في المصالحة، لأنّها قد تعود على السلطة بحصار وعقوبات اقتصاديّة، والأمر ذاته عند "حماس" التي لديها حساباتها الإقليمية حول المصالحة، ليكون الوضع القائم حالياً هو إدارة الانقسام وليس إنهاءه".

ويشير الأقطش الى أنه "حتى الآن، لا أحد يعرف ماذا تقصد الحكومة عندما تطلب "تمكينها" في قطاع غزة، فهل المطلوب سيطرتها على سلاح المقاومة وفرض سيطرة أمنيّة كاملة على قطاع غزة، أم على المعابر فقط، وتكون مسؤولة عن ملف الإعمار؟"، موضحاً "أنّ كلمة تمكين تحمل فهماً ملتبساً عند الطرفين". ويطرح الأقطش، مثل كثير من المحللين، سؤالاً حول سبب عدم قيام عباس بدعوة المجلس التشريعي للانعقاد، وتحديد موعد للانتخابات للخروج من مياه المصالحة الراكدة التي بات الجميع يغرق فيها.