الأردن: الحكم "السياسي" على بن أرشيد يُحبط "الإخوان"

الأردن: الحكم "السياسي" على بن أرشيد يُحبط "الإخوان"

16 فبراير 2015
لا يمكن فصل الحكم القضائي عن علاقة السلطات بالإخوان(الأناضول)
+ الخط -

بدت الصدمة واضحة، أمس الأحد، على وجوه قيادات الحركة الإسلاميّة الأردنيّة، أي جماعة "الإخوان المسلمين" وذراعها السياسي حزب "جبهة العمل الإسلامي"، المعتصمين على الرصيف المقابل لمحكمة أمن الدولة الأردنية، إثر صدور الحكم على نائب المراقب العام للجماعة زكي بن أرشيد، بالسجن ثلاث سنوات، تمّ تخفيضها إلى سنة ونصف.

ويبدو أنّ الحكم على بن أرشيد، المدان بتهمة "القيام بأعمال من شأنها تعكير صفو علاقات المملكة مع دولة أجنبية"، جاء محبطاً لقيادة "جبهة العمل الإسلامي"، بعد تفاؤلها بنهاية مختلفة للمحاكمة الجدلية. وبدا أمين عام الجبهة، محمد الزيود، متفائلاً في تصريحات إلى "العربي الجديد"، قبل ساعات من نطق الحكم، إذ أعرب عن تفاؤل الحركة الإسلامية بأنّ "الحكم سيكون مخففاً بعد إعادة تكيف التهمة، وغالباً مع وقف التنفيذ". وقال إنّ "التفاؤل لم يُبنَ على تطمينات رسمية، بل على تقييم للحالة السياسية الأردنية في ظلّ الحديث عن رص الصفوف وتمتين الجبهة الداخلية". لكنّ الحكم جاء مغايراً لتوقعات جماعة "الإخوان" التي قابلته بـ "الإدانة والرفض والاستهجان".

وفي وقت يُعتبر القضاء الأردني فيه منزّهاً ومصوناً عن النقد، لا يزال الجدل يثار حول الأحكام الصادرة عن محكمة أمن الدولة، وهي محكمة عسكرية، يطالب ناشطون حقوقيون بإلغائها، نتيجة عدم دستوريتها ومخالفتها للمعاهدات الدولية التي وقع عليها الأردن. وفي سياق متصل، يصف رئيس هيئة الدفاع عن بن أرشيد، المحامي صالح العرموطي، في تصريحات إلى "العربي الجديد"، الحكم الصادر بحق موكله بأنّه "حكم سياسي وليس قضائياً"، معلناً عن "قراره بعدم الترافع أمام المحكمة مستقبلاً، تعبيراً عن رفضه لبقائها". ويرى العرموطي أنّ "الحكم الصادر بحقّ موكّله على خلفيّة مقال نشره على موقع التواصل الاجتماعي "فايسبوك"، وينتقد فيه قائمة الإرهاب الإماراتية، يُعتبر اعتداءً صارخاً على حقّ التعبير الذي يكفله الدستور الأردني".

ولا يمكن فصل الحكم القضائي الصادر عن المحكمة موضع الجدل، بحقّ الرجل الثاني في الجماعة والمحسوب على تيار الصقور (المتشددين)، عن الإطار السياسي لعلاقة السلطات الأردنيّة بجماعة الإخوان. تسجّل هذه العلاقة تراجعاً مضطرداً، وسط تنامي تيار داخل مراكز صنع القرار، يطالب بحظر جماعة "الإخوان"، إسوة بما أقدمت عليه دول محور الاعتدال العربي الذي يدور الأردن في فلكه، إلى جانب جمهورية مصر والإمارات العربية المتحدة والسعودية، وهو التيار الذي يروّج له كتّاب مقربون من الدولة، وأعضاء في مجلس النواب.

ويعرب عضو مجلس النواب الأردني السابق، ممدوح العبادي، في تصريحات إلى "العربي الجديد"، عن اعتقاده بأنّ "الدولة ضاقت ذرعاً بالمتشددين ولم تعد تتحمّل الجزء المتطرف داخل جماعة الإخوان". ويقول إنّ الأخيرة "معنيّة الآن بعدم التصعيد مع الدولة، في ظلّ حالة الضعف التي يعيشها الإخوان في المنطقة".
ويرى العبادي أنّ "الدولة الأردنية في أفضل حالاتها الآن للانقضاض على الجماعة وإضعافها"، داعياً الجماعة إلى "عدم الرد بقوة على الحكم الصادر بحق بن أرشيد، خوفاً من تطور الأمور إلى ما هو أسوأ".

وكانت الجماعة، وفي أول رد فعل على الحكم، قد أشارت في بيان رسمي، إلى أنّ "الحكم القامع للحريات والمصادر لحقوق المواطن دليل على تخلّف النظام الرسمي عن الإصلاح وعلى حقوق المواطنين وإرادتهم الحرة وكرامتهم".

وفي هذا السياق، يقول الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية، محمد أبو رمان، لـ "العربي الجديد"، إنّ "الرسالة التي حملها قرار المحكمة لا تدعو للتفاؤل"، من دون أن يعتبر أنّ ما حدث "يمثل دليلاً على مراجعة شاملة لعلاقة الدولة مع الجماعة"، حاصراً أبعاد الحكم "بخصوصية شخصية بن أرشيد الذي تجاوز في نظر الدولة الخطوط الحمراء".
ويعرب عن اعتقاده بأنّ "الحكم الصادر يتجاوز الحدود الأردنية، ويبعث برسالة تفيد بتمسّك الأردن بعلاقته مع الإمارات، أحد الداعمين الرئيسيين للأردن، والتي وجه لها بن أرشيد إساءة مباشرة في مقاله".

ولا يُعدّ الحكم الصادر عن محكمة أمن الدولة حكماً قطعياً، بل هو قابل للتمييز، وهي الخطوة المقبلة التي ستعكف عليها هيئة الدفاع، وفق ما أعلنه العرموطي، وإن كان غير متفائل بتمييز القرار في ظل الأجواء السياسية السائدة بين الدولة و"الإخوان".

يُذكر أنّ بن أرشيد، الذي اعتُقل في 20 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، يمتلك نفوذاً قوياً داخل الجماعة، خوّله حمل ملفات حسّاسة، على غرار علاقة الجماعة مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وملف الحراك الإصلاحي الذي شهدته المملكة مع انطلاق الربيع العربي، وهي الملفات التي تسبّبت في حالة من التوتر بين الجماعة والحكومة الأردنيّة.