العلاقات المغربية الفرنسية: "شارلي إيبدو" تصحح "انتكاسة" حمّوشي

العلاقات المغربية الفرنسية: "شارلي إيبدو" تصحح "انتكاسة" حمّوشي

03 فبراير 2015
فالس يعلن عصراً جديداً في العلاقات(ليونيل بونافينشير/ فرانس برس)
+ الخط -
لم تكن الانتكاسة التي شهدتها العلاقات المغربية الفرنسية قبل عام عادية، وذلك على إثر استدعاء السلطات الفرنسية المدير العام، لجهاز مكافحة التجسس المغربي، عبداللطيف حمّوشي، من أجل الاستماع إليه بشأن اتهامه بالتورط في التعذيب. إذ إن العلاقات تاريخية ومتينة بين البلدين، ولم تعرف هزّات كبيرة حتى بعد مشاركة قياديين أمنيين مغاربة في تصفية المُعارِض المغربي الكبير المهدي بن بركة في الستينيات من القرن الماضي في قلب الحي اللاتيني.

غير أنّ جريمة الاعتداء على صحيفة "شارلي إيبدو"، أعادت المياه إلى مجاريها، وساهمت في إزالة البرودة في العلاقات، والتي خلّفتها حادثة حمّوشي. إذ أعلنت وزارتا عدل البلدين، أخيراً، استئناف العلاقات القضائية والقانونية بين الرباط وباريس. كما أشاد رئيس الوزراء الفرنسي، مانويل فالس، بالصداقة بين فرنسا والمغرب، معلناً أن "عصراً جديداً من العلاقات بين بلدينا يجري بناؤه"، وذلك أثناء تقليد أوسمة منحها المغرب لثلاثة رجال دين في معهد العالم العربي في باريس.


وكانت السلطات الفرنسية قد استدعت حمّوشي للمثول أمام القضاء بعد اتهامه بـ "التواطؤ في التعذيب"، بناء على طلب جمعية "العمل المسيحي من أجل إلغاء التعذيب". ودعت الأخيرة السلطات الفرنسية إلى اغتنام فرصة حمّوشي في فرنسا، للاستماع إليه بشأن شكاوى رفعت في باريس تتعلق بوقائع تعذيب مفترضة في مركز احتجاز مغربي في تمارة، يتبع الإدارة العامة المغربية لمراقبة التراب الوطني.
وبحسب السفارة المغربية في باريس، فإن سبعة شرطيين زاروا مقر إقامة السفير المغربي "لإبلاغه باستدعاء من قاضي تحقيق" للمدير العام لجهاز مكافحة التجسس المغربي، في خطوة اعتبرتها السفارة تجاهلاً لـ"القنوات الدبلوماسية".

وكان حموشي يزور باريس برفقة وزير الداخلية المغربي، محمد حصاد، لحضور اجتماع رباعي مع نظرائه الفرنسي والإسباني والبرتغالي. واستدعت بعدها الرباط السفير الفرنسي لإبلاغه احتجاج المملكة المغربية الشديد. وقال بيان وزارة الخارجية في حينها إن "هذا الحادث الخطير وغير المسبوق، من شأنه أن يسيء إلى مناخ الثقة والاحترام المتبادل القائم" بين البلدين.
ولم تدفع القنوات السرية ولا الواقعية السياسية الطرفين إلى وقف العتاب، رغم أن فرنسا منخرطة في حروب دامية في إفريقيا، سواء كان في مالي أو إفريقيا الوسطى، ويمكن للمغرب أن يُعينها. ورغم أن الخارجية الفرنسية اعتذرت فيما بعد عن الحادثة، غير أنّ العلاقات لم تشهد تقدّماً ملموساً.

وتمثلت العلاقة الجافة بين البلدين في الحادثة التي وقعت بين الملك الحسن الثاني والرئيس، فرانسوا ميتران، في مؤتمر "لابول" للدول الفرنكوفونية. فقد دعا حينها ميتران إلى تعميم الديمقراطية في إفريقيا، وجاءه ردّ الملك الحسن الثاني المُتَّسِم بالجفاء.

ووقعت أمور عدة ساهمت في تأزيم العلاقات، وهي أمورٌ قد تفسرها الحكومة الفرنسية بحريّة القضاء واستقلاليته، ولكنها لا تعني شيئاً بالنسبة للمغرب، خصوصاً إذا كانت تمسّ عَصَب الأمن المغربي. ولذلك اعتبرت المغرب أن محاولة تهديد أو إيقاف حموشي، إهانة لها، ومسّاً بالملك شخصيّاً، بما أنّه هو من عيّن هذا الشخص في هذه المهمة الحسَاسة.


ولذلك جاءت محاولة اعتقال الحمّوشي من السلطات الفرنسية، القشة التي قصمت ظهر البعير. وجاء الردّ المغربي حاسماً، إذ اتخذ صبغة تجميد التعاون القضائي والأمني مع فرنسا، وهو ما فسّره دبلوماسيون مغاربة لنظرائهم الفرنسيين بأنهم "لا يقبلون ولن يقبلوا أن تخضع العدالة المغربية لنظيرتها الفرنسية".

ويصرّ المغاربة، ومن بينهم السفير المغربي لدى باريس، شكيب بنموسى، وهو وزير داخلية سابق، على أن المغرب لا يريد بأي حال من الأحوال، أن "يفلت أحَدٌ من العقاب". وإنما "يريد الندية والتكافؤ في العلاقات بين البلدين"، أي "احترام كل بلد لقوانين البلد الآخَر ومؤسساته القضائية والتزاماته الدولية".

ولهذا فإنّ الحلّ الأمثل بالنسبة للمغرب يتمثل في أن يقوم قاضٍ مغربي بمساءلة عبد اللطيف الحموشي، بدلاً من أي قاض فرنسي. غير إنّ هذا الخيار يثير حفيظة حقوقيين مغاربة وفرنسيين، يأخذون على القضاء المغربي البطء وعدم فعاليته.

ويرى مراقبون أن الاتصال الذي جرى بين الملك المغربي والرئيس الفرنسي كان حاسماً في تحريك الأمور، وفي تقبُّل الحكومة الفرنسية وتفهمها حساسية المسائل الأمنية المغربية (السيادة الأمنية)، غير أنّ الإرهاصات التي أعلنت عن هذا التقارُب كثيرة، من بينها العزاء الرسمي المغربي للشعب الفرنسي بعد تفجيرات "شارلي إيبدو"، وإن لم يكن المغرب حاضراً في تظاهرة باريس الضخمة بسبب حساسية الرسوم المسيئة للرسول في بلد يحكُمُه أميرُ المؤمنين.

كما أعلنت فرنسا عن "حربها" الشاملة على ما تصفه بـ"الإرهاب" و"الإسلاموية" و"الجهاديين"، جاعلة منها قضيتها الكبرى، فيما أعلن المغرب عن تضامنه الشديد مع فرنسا في هذه المحنة الكبرى. وفي هذه الأوقات أصبحت قضية المسؤول الأمني، عبد اللطيف حمّوشي، مجرد "تفصيل صغير"، يمكن أن يَحلَّه قاضٍ مغربي.                
      

دلالات

المساهمون