5 سنوات على الانسحاب الأميركي من النووي الإيراني: ما هي فرص إحيائه؟

5 سنوات على الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي الإيراني: ما هي فرص إحيائه؟

09 مايو 2023
بدأ الملف النووي الإيراني في الأيام الأخيرة يعود لواجهة الصراع الإيراني الغربي (فرانس برس)
+ الخط -

مرت خمس سنوات على انسحاب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب من الاتفاق النووي الموّقع في عام 2015، والذي لم يعّمر إلا عامين ونصف العام، وتوقّفت المفاوضات التي أطلقها خلفه جو بايدن لإحيائه، منذ سبتمبر/أيلول الماضي، لتتراجع التوقعات باستئنافها إحياءً للاتفاق، مع تكهنات بتدويل الملف النووي الإيراني، في ظلّ تهديدات أميركية وأوروبية متصاعدة. 

وفي هذه المناسبة، قال كبير المفاوضين الإيرانيين، علي باقري كني، الذي يشغل منصب نائب وزير الخارجية الإيراني للشؤون السياسية، اليوم الثلاثاء، إن "أميركا بانسحابها من الاتفاق النووي قبل خمس سنوات، وجهت ضربة قاضية لسيادة القانون على المستوى الدولي"، مضيفاً أن "الولايات المتحدة فشلت في التراجع عن اتجاهها الخاطئ". 

وتوعد باقري كني في تغريداته على "تويتر" بأن تستمر"الإجراءات العلاجية المشروعة لإيران"، في إشارة إلى تطوير إيران برنامجها النووي من خلال خفض تعهداتها النووية المنصوص عليها في الاتفاق النووي. 

وأكد كبير المفاوضين الإيرانيين أنه "يمكن استئناف التنفيذ الكامل لخطة العمل الشاملة المشتركة (مع رفع العقوبات الفعالة في جوهرها)، إذا أظهر الطرف المنحرف إرادة سياسية موثوقة لهذا الغرض"، مذكراً أن الفرصة "غير متاحة للأبد".

إلى ذلك، قال المهندس الإيراني للاتفاق النووي، وزير الخارجية الإيراني السابق، محمد جواد ظريف، في تغريدة "قبل 5 سنوات، انسحبت الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة خدمة للمصالح الإسرائيلية، ونسفت إنجازاً دبلوماسياً فريداً. مع عدم وجود بديل، عرّضت الولايات المتحدة مصالح الجميع للخطر، وخاصة الأميركيين والإيرانيين. نتيجة التخلي عن الفرص المشتركة لصالح أوهام المحصلة الصفرية".

 خروج سهل وعودة صعبة 

العودة إلى الاتفاق النووي لم تكن سهلة كما الخروج الأميركي منه، فبعد مرور عامين على إطلاق المفاوضات النووية أصبح إحياء الاتفاق النووي بعودة الطرف الأميركي إليه أبعد ما يكون في الوقت الراهن. 

عادت آمال إحياء الاتفاق المترنح بعد رحيل ترامب ومجيء الرئيس جو بايدن المؤيد للاتفاق النووي، الذي ظل حبراً على ورق بعد الانسحاب الأميركي منه، وردت إيران بوقف تنفيذ معظم تعهداته في عدة مراحل، وطوّرت برامجها النووي بوتيرة أسرع مما كانت عليه قبل الاتفاق.

بعد وصول بايدن إلى السلطة، بدأت المفاوضات النووية لإحياء الاتفاق النووي، في 2 إبريل/نيسان 2021 في فيينا، بمشاركة أعضاء الاتفاق المتبقين: إيران وفرنسا وبريطانيا وألمانيا والصين وروسيا. إلا أن المفاوضات كانت بالأساس مباحثات غير مباشرة بين وفدي طهران وواشنطن في فيينا، حيث رفضت الحكومة الإيرانية إجراء أي مفاوضات مباشرة مع الإدارة الأميركية. 

الطرفان أجريا ثماني جولات من المفاوضات في فيينا، وجولة في الدوحة، لكنها لم تفض إلى اتفاق لإحياء الصفقة النووية بسبب خلافات جوهرية مرتبطة برفع العقوبات، والضمانات التي طلبتها طهران، فضلا عن خلافات عالقة بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية.

تحقق تقدم كبير في بعض الأحيان خلال المفاوضات، زاد التفاؤل بإمكانية التوصل إلى اتفاق اعتبره بعضهم في حينه قريباً، غير أن شن روسيا، التي كانت وسيطاً بارزا بين طهران وواشنطن أثناء المفاوضات، حرباً على أوكرانيا في فبراير/شباط 2022، وما تبعه من توتر العلاقات بين روسيا والغرب، أنهى الوساطة الروسية، مما شكل ضربة كبيرة للجهود الرامية إلى إحياء الاتفاق النووي.

ما زاد من تعقيدات الوضع وقلل من حماسة الغرب، وبالذات الدول الأووربية للتفاوض مع إيران وإحياء الاتفاق النووي، هو الاتهامات الغربية المستمرة لطهران بتزويد روسيا بمسيّرات وأسلحة، فأصبحت أوروبا تطالبها بوقف ذلك شرطاً لاستئناف المفاوضات النووية. 

عقيدة نيكسون 

في السياق، يستبعد الخبير الإيراني، صلاح الدين خديو، في حديثه إلى "العربي الجديد"، تحقيق المفاوضات النووية لمبتغاها في إحياء الاتفاق النووي، عازيا ذلك إلى تغير الظروف الإقليمية والدولية، وقال إن "تلك الظروف التي أدت إلى إبرام الاتفاق النووي قبل ثماني سنوات قد تغيرت اليوم بالكامل". 

ويضيف أن "التقدم التقني للبرنامج النووي الإيراني أيضا يحد من إمكانية العودة إلى الوراء"، مرجعاً فشل الاتفاق النووي إلى فشل استراتيجية الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما في إحياء عقيدة الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون في الشرق الأوسط من خلال إحداث التوازن في علاقات أميركا مع إيران والسعودية عبر "احتواء إيران وتحويلها إلى لاعب مسؤول في المنطقة". 

ويوضح خديو أن استراتيجية أوباما فشلت بسبب "القطبية التي طرأت على التنافس الإقليمي وإصرار لاعبين رئيسيين في المنطقة على اتباع السياسات الإقليمية الأحادية". 

إحياء متعذّر

كما يرى الخبير الإيراني في العلاقات الإيرانية الأميركية هادي خسرو شاهين، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "إحياء الاتفاق النووي إن لم نقل إنه بات غير ممكن فقد أصبح صعبا للغاية"، ذاكراً جملة عوامل، "أولها، التقدم الذي حققه البرنامج النووي الإيراني سواء من الناحية العلمية أو التوسع أو حجم احتياطيات اليورانيوم المخصب، والتي لا تقارن بما كان موجودا عام 2015" عندما أبرم الاتفاق النووي بين إيران والمجموعة الدولية. 

ويضيف خسرو شاهين أنه "فنيا لم تعد الالتزامات النووية الإيرانية وفق الاتفاق النووي تتناسب كثيرا مع التقدم الراهن"، لافتا إلى أن تلك التعهدات تشمل غالبا ما مجالات الرقابة والتحقق والتعهدات خارج اتفاق الضمانات المكمل لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية. 

والعامل الثاني الذي يشير إليه الخبير الإيراني هو قرب انتهاء مواعيد "بنود الغروب" المُدرجة في الاتفاق النووي، أي القيود الأساسية، وخاصة أن القرار 2231 الصادر عن مجلس الأمن تكميلا للاتفاق النووي سينتهي أجله في عام 2025، فضلا عن انتهاء صلاحية استخدام آلية "فض النزاع" المنصوص عليه بالقرار والاتفاق النووي، والتي يلجأ إليها في حال أخل أي من الطرفين بتعهداته. 

ويوضح خسرو شاهين لـ"العربي الجديد"، أن "بند الغروب" المرتبط بالقيود المفروضة على البرنامج الصاروخي الباليستي والمسيرات الإيرانية أيضا سينتهي خلال أكتوبر 2023، لافتا إلى أن انتهاء هذا البند "لكونه أصبح مرتبطا بالتعاون العسكري الإيراني الروسي واستمرار الحرب الأوكرانية قد قلل من أهمية الاتفاق النووي لدى الغرب". 

وعلى وقع تعثر المفاوضات النووية، بدأ الملف النووي الإيراني في الأيام الأخيرة يعود إلى واجهة الصراع الإيراني الغربي، على خلفية تقارير غربية عن احتمال لجوء الأطراف الغربية إلى تفعيل آلية "فض النزاع" المنصوص عليها في الاتفاق النووي، اذا ما زادت إيران تخصيب اليورانيوم إلى أكثر من 60 في المائة. ومن شأن تفعيل هذه الآلية إعادة الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن وإعادة فرض عقوبات دولية على ِإيران.  

وفي السياق، وفي تصعيد لافت لأول مرة، هدد مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، الخميس، في كلمة أمام معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، إيران بالورقة الإسرائيلية، قائلا إن الإدارة الأميركية ستتخذ كافة الإجراءات لمنع إيران من إنتاج القنبلة النووية، "بما في ذلك الاعتراف بحرية إسرائيل في اتخاذ الإجراءات اللازمة". 

وردت إيران على تصريحات سوليفان بتحميل واشنطن مسؤولية أي اعتداء إسرائيلي على منشآتها النووية، متوعدة بـ"رد قاس".  

اتفاق شامل

يقول الخبير الإيراني هادي خسرو شاهين لـ"العربي الجديد" إن التهديد بتفعيل "آلية فض النزاع" ومنح إسرائيل "حرية العملِ" في مواجهة البرنامج النووي الإيراني، فضلا عن إرسال قاذفات مزودة بقنابل خارقة للتحصينات، و"إرسال رسائل سرية" إلى إيران "كلها تندرج في سياق الردع". 

ويضيف أن الولايات المتحدة تسعى من خلال "هذا الردع، لا من خلال إجراءات عسكرية وسياسية، إلى تدعيم خطواتها الدبلوماسية بالنظر إلى التقدم الملحوظ للبرنامج النووي الإيراني"، مشيرا إلى أن واشنطن تريد دفع الأمور باتجاه "اتفاق طويل الأمد يتمثل في اتفاق إقليمي شامل" مع طهران، بدلا من الاتفاق النووي. 

ويتابع خسرو شاهين أن هذا الاتفاق الذي تنشده الإدارة الأميركية، وأشار إليه مقال في "مجلة فورين أفيرز" الأميركية أخيراً، "يعتمد نموذج جنوب أفريقيا في إبرام اتفاق نووي إقليمي متعدد الأطراف".

 حرب نفسية 

في المقابل، يرى القيادي السابق بالحرس الثوري الإيراني السياسي حسين كنعاني مقدم، في حديثه مع "العربي الجديد"، أن التهديدات الأميركية والأوروبية ضد إيران بشأن البرنامج النووي والحديث عن "خطة ب" يكشف عن "فشل جميع الإجراءات الأميركية الأحادية ومتعددة الأطراف السابقة ضد إيران، ومنها العقوبات". 

ويضيف كنعاني مقدم أن "الخطة (ب) تعني الدخول في حرب واذا ما أرادت أميركا شن هذه الحرب فهي تعلم أنها ستطاول كل المنطقة وربما تندلع حرب عالمية ثالثة"، مؤكد أن ذلك يعني أن تلك التهديدات "مجرد سياسية لممارسة الضغط العسكري على إيران لتحصيل تنازلات على طاولة المفاوضات". 

ويوضح الناشط السياسي الإيراني أن "إسرائيل لكونها غير قادرة على مواجهة إيران عسكرياً تسعى إلى جر أميركا إلى حرب ضدها، ستكون نتائجها على الأميركان أسوأ نتائج من الحرب العراقية والفيتنامية". 

ويلفت كنعاني مقدم إلى أن "تنفيذ خطة (ب) لن يكون متاحاً من دون تعاون صيني وروسي وبقية دول المنطقة"، مؤكدا أن واشنطن "لن يكون بمقدورها جرّ إيران إلى صفقة تربحها وتخسرها طهران". 

المساهمون