4 أشهر من حرب غزة... العدوان يطاول الضفة الغربية أيضاً

4 أشهر من حرب غزة... العدوان يطاول الضفة الغربية أيضاً

07 فبراير 2024
جندي للاحتلال في مخيم طولكرم، 17 يناير الماضي (نضال اشتية/الأناضول)
+ الخط -

بعد 4 شهور على حرب الإبادة الإسرائيلية المستمرة في قطاع غزة، تعيش الضفة الغربية، ميدانياً وسياسياً واقتصادياً، ارتدادات الحرب، عبر عمليات عسكرية انتقامية لجيش الاحتلال، واعتداءات مستمرة للمستوطنين، وصمت سياسي فلسطيني رسمي ينتظر انتهاء الحرب ليقرّر ماذا سيفعل.

وبينما يرى محلّلون وسياسيون أن إسرائيل أرهبت الضفة الغربية بضربات استباقية كبيرة، وقامت بمهاجمة بؤر المقاومة بشكل وحشي على طول الضفة الغربية وعرضها، وأعطت أمثلة دموية على العقوبات الجماعية والتدمير على الأرض، إلا أن الضفة ما زالت مصدر خوف لجيش الاحتلال ومكاناً خصباً للمقاومة.

أما على المستوى السياسي، فعلى العكس تماماً، إذ تطغى السلبية وسياسات "الانتظار" التي تحترفها القيادة الفلسطينية من جهة، و"التخويف بالفوضى" من جهة أخرى، وهي سمات مألوفة للقيادة التي كسرت معركة "طوفان الأقصى" عزلتها دولياً وعربياً، ورغم ذلك لم تستطع أن تحوّل حتى اللحظة صمود الشعب والمقاومة في قطاع غزة إلى ثمن سياسي مستحق يغير من قواعد اللعبة السياسية التي فرضها اتفاق أوسلو ومصالح طبقة من المستفيدين منه، بحسب ما يرى سياسيون.

ضربات استباقية في الضفة الغربية

تعيش الضفة الغربية منذ أربعة أشهر تحت وقع ضربات إسرائيلية انتقامية عميقة، لكن حال صوت الحرب الدامية في غزة دون أن تتصدر أخبار الضفة المشهد الإخباري.

لم تستطع السلطة أن تحوّل صمود الشعب والمقاومة في غزة إلى ثمن سياسي مستحق يغير قواعد اللعبة

وتشير المعطيات إلى أنه ومنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي حتى اليوم، استشهد 382 فلسطينياً برصاص جيش الاحتلال والمستوطنين، وأصيب 4400 آخرون بجراح.

وشرع الاحتلال بعمليات عسكرية انتقامية هدم فيها كلياً وجزئياً مئات المنازل والمباني إلى جانب الشوارع والبنية التحتية في مخيمات طولكرم، مخيمي نور شمس وطولكرم، ومخيم جنين ومخيم بلاطة، ومخيمي عقبة جبر وعين السلطان في أريحا، بحيث أصبحت حياة اللاجئين في هذه المخيمات شبه مستحيلة.

فعلى سبيل المثال لا يستطيع سكان مخيمات طولكرم وجنين تحديداً، استخدام أي سيّارات داخل المخيم، بعدما تمّ تجريف الشوارع بشكل لا يسمح بمرور أي مركبات أو سيارات إسعاف، فضلاً عن تدمير البنى التحتية من مياه وكهرباء واتصالات بشكل شبه كامل.

ويقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة الخليل، بلال الشوبكي، في حديث لـ"العربي الجديد" إنه "خلال الأشهر الأربعة الماضية، كانت هناك استراتيجية إسرائيلية فعالة إلى حد ما في تثبيط أي استجابة للحرب التي تجري في قطاع غزة".

وتابع: "الاستراتيجية التي اتبعتها إسرائيل هي حملة واسعة النطاق طاولت كل من تعتقد أنه قادر على تحريك الشارع شعبياً، ولا نتحدث هنا عن اعتقال عسكريين، والدليل أن الغالبية ممن تم اعتقالهم لا توجه إليهم تهم بل يتم اعتقالهم إدارياً، وبالتالي هذه العملية الاستباقية أثّرت بشكل كبير على تحرك الشارع الفلسطيني".

ورصدت هيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينية ونادي الأسير الفلسطيني أكثر من 6500 حالة اعتقال في الضفة الغربية منذ 7 أكتوبر الماضي.

ولفت الشوبكي إلى أن "هذه الخطوة تعود لتخوف أمني إسرائيلي من أن الأحداث في قطاع غزة لا بد أن تشكل محركاً للشارع الفلسطيني، فأكثر ما كانت تخشاه إسرائيل ليست فقط البؤر العسكرية الموجودة في شمال الضفة الغربية مثل جنين وطولكرم ونابلس، بل أن يتحرك الشارع بما يغير من الواقع القائم، لأن تقديرات جهاز الشاباك الإسرائيلي خلال السنوات الماضية أشارت إلى أن بقاء الحال كما هو عليه في الضفة الغربية هو أفضل الخيارات الإسرائيلية المتاحة".

ويتجلى جانب من العقوبات الجماعية في الضفة الغربية بالحد من الحركة بشكل كبير، إما بإغلاق حواجز عسكرية رئيسية منذ الحرب كما هو الحال في حاجز حوارة، جنوبي نابلس، والذي يربط شمال الضفة بوسطها، أو تفعيل حواجز عسكرية ووضع أخرى جديدة على مداخل المدن. وبسبب ما يلاقيه الفلسطينيون من ذلّ وانتظار كبير على الحواجز واعتداءات للمستوطنين، فقد باتوا يفضلون الطرق الفرعية الطويلة والترابية، لتبدو شوارع الضفة الغربية الرئيسية شبه فارغة، فيما سماؤها مزدحمة بالطائرات التي تقطع سماء الضفة من وإلى قطاع غزة لتقصفها.

ورأى الشوبكي أن "إسرائيل مارست الإرهاب النفسي حيث استنسخت التدمير والقتل الذي تقوم به في قطاع غزة إلى الضفة الغربية ولو بصورة مصغرة، كما يحدث بشكل يومي من تدمير المنازل والشوارع في المخيمات، حيث لم يقتصر استهدافها على بؤر المقاومة بل شمل أيضاً الحاضنة الجماهيرية وممارسة العقاب الجماعي عبر تكرار الجرائم، وهذه مشاهد لم تكن قبل السابع من أكتوبر".

تزيد إسرائيل من ضعف السلطة وتراجع شعبيتها في كل مرة تشيد بالتنسيق الأمني

لكن كل ما سبق لم يعق توسع بؤر المقاومة في الضفة الغربية التي باتت تشمل بلدات وقرى لم تشهد عملاً مقاوماً منذ الانتفاضة الثانية، مثل بلدتي بني نعيم التي نفذ مقاومان منها عملية إطلاق نار ودهس في العمق الإسرائيلي منتصف يناير/كانون الثاني الماضي، وبلدة إذنا التي تسلّل ثلاثة شبان منها إلى مستوطنة مقامة على أراضيها لتنفيذ عملية أدت إلى استشهادهم في الشهر ذاته، وكلتا البلدتين في محافظة الخليل جنوب الضفة، إضافة إلى مدينة قلقيلية شمال الضفة الغربية التي تشهد  اقتحامات واشتباكات بين المقاومين وجنود الاحتلال بشكل غير مسبوق.

ونفّذ الفلسطينيون وفق مركز المعلومات الفلسطيني "مُعطى" منذ مطلع أكتوبر الماضي حتى نهاية يناير الماضي، نحو 983 عملاً مقاوماً ما بين "إطلاق نار وعمليات دهس وطعن واشتباك مسلح مع قوات الاحتلال الإسرائيلي" أسفرت عن إصابة 135 إسرائيلياً، ومقتل 13 آخرين.

ووقعت أبرز العمليات وفق مركز "مُعطى" خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، في محافظات جنين وطولكرم والخليل والقدس ورام الله، ومنها عملية بيت ليد شرق طولكرم والتي قتل فيها جنديان إسرائيليان في 2 نوفمبر، بالإضافة إلى عملية النفق جنوب بيت لحم التي وقعت في 16 الشهر ذاته وقتل فيها شرطي إسرائيلي وأصيب 4 آخرون، وعملية الأخوين إبراهيم ومراد نمر في القدس المحتلة نهاية الشهر والتي أدت إلى مقتل 4 إسرائيليين، وجميعها تبنتها "كتائب القسّام" - الذراع العسكرية لحركة "حماس".

المؤسسة الرسمية الفلسطينية: سلبية وغير فاعلة

على النقيض من واقع الضفة ميدانياً، والتي تمسي وتصبح على اقتحامات ومواجهات، ما زالت السلطة الفلسطينية تقف على ذات مربع "الانتظار" والتسويف، وتستخدم سياسة "التخويف" بالفوضى أو إحلال "حماس" مكانها سلاحاً وحيداً لها، وذلك بحسب آخر تصريح للمتحدث باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة يوم الأحد الماضي حين قال: "على أميركا إجبار إسرائيل على وقف عدوانها وحربها على شعبنا لأن البديل هو الفوضى".

وقال مسؤول سياسي فضّل عدم ذكر اسمه لـ"العربي الجديد": "نقول هذا الكلام للمسؤولين الأميركيين والأوروبيين، إن البديل عن القيادة الفلسطينية المعتدلة ستكون حركة حماس التي صعدت أسهمها في الشارع بشكل كبير بعد عملية طوفان الأقصى، وإنهم لن يجدوا شركاء سلام جدّيين إذا غادر الرئيس محمود عباس المشهد السياسي". وتابع: "إن قيام الإدارة الأميركية بلجم المستوطنين والإعلان عن عقوبات إجرائية بحقهم يأتي من ذات النقطة وهي عدم إضعاف السلطة الفلسطينية أكثر ووقف الانتقادات الشديدة للمؤسسة الأمنية".

ويوجه الشارع الفلسطيني انتقادات شديدة للأجهزة الأمنية التي يزيد عدد عناصرها عن 80 ألف عنصر أمن، ولا تقوم بحماية شعبها من اعتداءات المستوطنين اليومية، حيث وصلت على سبيل المثال في شهر يناير الماضي إلى 186 اعتداء أبرزها نهب ماشية ومعدات المزارعين وإطلاق النار عليهم.

لكن اعتداءات الجنود طاولت عناصر الشرطة الفلسطينية أيضاً، كما حدث في 25 يناير الماضي في بيت لحم، حين أظهر مقطع مصوّر تداوله روّاد مواقع التواصل الاجتماعي قيام جنود الاحتلال بتصويب بنادقهم نحو أفراد الشرطة الفلسطينية، ودفع أحدهم بفوهة البندقية في صدره، وإطلاق قنابل صوتية تجاه أفراد السلطة الذين انسحبوا من المكان دون إبداء أي مقاومة".

مصطفى البرغوثي: إسرائيل أعادت احتلال الضفة كاملة في الأشهر الأربعة الأخيرة

ورأى الأمين العام لحركة "المبادرة" الفلسطينية مصطفى البرغوثي، أن إسرائيل أعادت احتلال الضفة الغربية كاملة في الأشهر الأربعة الأخيرة، وقامت بتجريد السلطة من كل صلاحياتها، ولم يعد هناك أي مدينة أو قرية أو مخيم تحت سيطرة السلطة، وبالتالي اختفى "أوسلو" كاملاً، وتم تجريد السلطة من السيطرة على أموال الضرائب الخاصة بها.

وتابع البرغوثي في تصريحات لـ"العربي الجديد": "نحن أمام ثلاث عمليات تجري في وقت واحد، إعادة احتلال الضفة، شنّ حرب على شعب تحت الاحتلال وهذا مخالف لكل قوانين العالم ولم يفعلها سوى النازيين، وثالثاً التمهيد لعمليات تطهير عرقي سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة".

وأكد البرغوثي أن "لا شيء سيغير السلوك الإسرائيلي إلا الصمود والثبات والمقاومة الفلسطينية، لكن المؤسسة الرسمية الفلسطينية سلبية جداً، ولم تقم بأي شيء فاعل منذ بداية العدوان، والمخرج الوحيد يكمن بتشكيل قيادة وطنية موحدة تضم كل القوى الفلسطينية، وإظهار ذلك أمام إٍسرائيل والعالم".

وتزيد إسرائيل من ضعف السلطة وتراجع شعبيتها أمام الشارع الفلسطيني، في كل مرة تشيد بالتنسيق الأمني، كما فعل وزير جيش الاحتلال أخيراً يوآف غالانت في مؤتمره يوم 15 يناير الماضي، حين قال: "السلطة الفلسطينية تعمل للجم الإرهاب وإنقاذ الإسرائيليين وهذا مهم لنا". ويأتي هذا التصريح وغيره من الإشادة الأميركية بدور السلطة في منع التدهور الأمني في الضفة الغربية في الوقت الذي تحتجز فيه إسرائيل عائدات الضرائب الفلسطينية، ما خلق أزمة مالية خانقة للسلطة التي لا تستطيع أن تدفع رواتب موظفيها بشكل منتظم وكامل منذ بداية الحرب.

ويضاف إلى ذلك، تراجع شعبية السلطة بشكل حاد، لا سيما بعد قتلها أربعة متظاهرين في أكتوبر خرجوا في تظاهرات نصرة لقطاع غزة، وقيامها باحتواء وتثبيط الحراك الشعبي من مسيرات ووقفات شعبية مع قطاع غزة عبر الاستدعاءات والاعتقالات السياسية وخنق الفضاء العام من جهة، وتفكيك العبوات الناسفة التي يضعها المقاومون في طريق آليات الاحتلال كما حدث في عزون قلقيلية وجنين من جهة ثانية. كما تصر السلطة على أن تسويتها لوضع أي مطلوب للاحتلال يشترط أن يسلم سلاحه وأي سلاح يعود له للسلطة كما حدث في مخيم بلاطة، فضلاً عن أجواء الاستنفار الأمني التي تعيشها المقار الأمنية الفلسطينية تحسباً من هجوم داخلي عليها.

وبرأي البرغوثي فإنه "في نهاية المطاف هذا الحديث (ما قاله غالانت) ليس بريئاً، وهو رسالة أن أي سلطة تريد أن تكون موجودة في الضفة وقطاع غزة يجب أن تكون عميلة للاحتلال، ووكيل أمني للاحتلال، وإن لم تقم بذلك سيواصلون الهجوم عليها، وبالتالي أنا برأيي هذا كلّه محاولة لتدجين السلطة الفلسطينية".