أونروا الضفة الغربية... نكبة جديدة جراء تعليق التمويل (2/5)

أونروا الضفة الغربية... نكبة جديدة تنتظر الفلسطينيين جراء تعليق التمويل (2/5)

02 فبراير 2024
كلية العلوم التربوية التابعة لأونروا في الضفة الغربية (جعفر اشتيه/فرانس برس)
+ الخط -

أزمات بل كوارث يتوقع أن تحل بالفلسطينيين في الضفة الغربية جراء تعليق تمويل وكالة الأونروا، التي تقدم خدمات صحية وتعليمية وغيرها، عدا عن احتمال خسارة الآلاف أعمالهم وأرزاقهم.

اتخذت مجموعة من الدول، على رأسها الولايات المتحدة الأميركية، قراراً بتعليق تمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، إثر ادعاءات إسرائيلية اتهمت 12 موظفاً لدى الوكالة بالمشاركة في عملية "طوفان الأقصى"، الأمر الذي يؤثر على الخدمات التي توفرها للاجئين، وبالتالي على حياة اللاجئين ومعيشتهم، كما بدا استهداف الوكالة وموظفيها لافتاً في قطاع غزة، إذ استشهد منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي 152 من موظفيها. 
بدأت أحلام الشاب مؤيد الريان (23 سنة)، وهو من مخيمٍ للاجئين الفلسطينيين قرب مدينة نابلس، شمالي الضفة الغربية، تتلاشى بحصوله على وظيفة ممرض في قطاع الصحة التابع للأونروا عقب إعلان الدول إيقاف تمويلها. تخرج الريان حديثاً حاملاً شهادة بكالوريوس في التمريض، يقول: "أخشى أن توقف الوكالة عمليات التوظيف عقب الأزمة المالية التي ستواجهها، وبالتالي سيكون مستقبلي ومستقبل الكثيرين في مهب الريح".
يعد برنامج الصحة أحد البرامج الأساسية التي تنفذها الوكالة في مناطق عملياتها الخمس (الضفة، غزة، الأردن، لبنان، سورية). وتوجد لدى الوكالة عيادات داخل المخيمات يتلقى فيها المُراجع العلاج الأولي، وتصرف له الأدوية المجانية. أما خارجها، فهناك عيادات متنقلة لخدمة اللاجئين ويمكن للتجمعات السكنية القريبة من المخيمات الاستفادة من هذه الخدمات.
وهناك مستشفى وحيد يتبع للأونروا، هو مستشفى الوكالة في مدينة قلقيلية التي يقطن فيها نحو 40 ألف لاجئ. لكن يمكن لأي حامل لبطاقة الوكالة أن يستفيد من خدماتها، كما أنها تحول مرضاها إلى المستشفيات الحكومية في إطار تغطية مالية محدودة.

توقف تمويل وكالة أونروا يعني توقف رواتب آلاف الفلسطينيين

من جهته، يخشى اللاجئ محمد محمود، من جنين، أن يؤثر ذلك القرار على الخدمات الصحية الشحيحة أصلاً، ويقول لـ"العربي الجديد"، إنه يعاني من السكري ويحتاج إلى متابعة مستمرة. وإذا أراد متابعة علاجه في العيادات الحكومية، فسيحتاج إلى تأمين صحي وبدل أجرة مواصلات. كما أنه لا يستطيع شراء الدواء الذي تقدمه الوكالة من الصيدليات. أما سلمى عبد العظيم (أم غسان)، وهي من جنين، وتعمل في إحدى مدارس الوكالة، فتقول لـ"العربي الجديد"، إنها تخشى من أن يطاولها تأثير قرار إيقاف التمويل، وأن تضطر الأونروا للاستغناء عن الكثير من الموظفين.
منذ سنوات طويلة تعمل أونروا بشكل ممنهج على تقليص خدماتها للاجئين، وتوقفت عشرات المشاريع فيما قلصت أخرى بشكل واضح، كما يؤكد عضو لجنة الخدمات في مخيم بلاطة، شرق نابلس، إبراهيم صقر لـ"العربي الجديد"، ويشدد على أن هذا الإجراء سينعكس بشكل كبير وملموس على حياة اللاجئين، كونه قد يؤدي إلى توقف الخدمات الأساسية، مثل التعليم والصحة والنظافة، وكذلك البرامج الإغاثية التي تستفيد منها الأسر الفقيرة.

ومن البرامج الأساسية التي تقدمها الوكالة برنامج التعليم، إذ تشرف على عشرات المدارس داخل المخيمات وخارجها، ويدرس فيها الطالب من الصف الأول ابتدائي وحتى التاسع أساسي، وينتقل بعدها إلى المدارس الحكومية، فيما توفر الوكالة كافة الخدمات اللوجستية للعملية التعليمية التي تخصها، وتوجد في الضفة الغربية كلية للتعليم المهني وأخرى لتخريج المعلمين والمعلمات، ويتم استيعاب معظم الخريجين منهما في مؤسسات الوكالة.
وهناك برنامج البيئة الهادف إلى توفير بيئة سليمة لناحية النظافة وجمع القمامة من داخل المخيمات. كما أن هناك قسماً خاصاً في كل مخيم يعنى بملف المياه وفحصها والحد من التلوث، وهذا البرنامج ينفذ حصراً داخل المخيمات.

تزيد نسبة البطالة داخل المخيمات الفلسطينية عن 35 في المائة 

يوضح إبراهيم صقر أن "تعطل الوكالة يعني أنه سيكون هناك تسرب كبير لآلاف الطلاب من مدارسهم، لأن المدارس الحكومية أصلاً تعاني من الاكتظاظ، وسنشاهد تراكم النفايات بعد توقف جمعها، وزيادة التلوث البيئي وتوقف خدمة فحص المياه"، محذراً من مؤامرة تستهدف إنهاء الوكالة بصفتها شاهد على قضية اللجوء الفلسطيني، من خلال استخدام الاحتلال لما بات يعرف بـ"قضية موظفي الوكالة الذين شاركوا في أحداث السابع من أكتوبر" للتحريض عليها، وهو ما تؤكده سرعة القرار الذي اتخذته عدة دول غربية بوقف التمويل.
إضافة للبرامج الأساسية (الصحة، التعليم، البيئة)، فإن أونروا تقدم خدمات إغاثية لنحو 36 ألف فرد داخل المخيمات وخارجها، وهم المصنفون بأنهم تحت خط الفقر المدقع، وفق ما يؤكده الباحث في شؤون اللاجئين ياسر أبو كشك لـ"العربي الجديد"، ويشير إلى أن "الأعداد الحقيقية لمن يحتاجون خدمات إغاثية أعلى من ذلك بكثير، والوكالة تقر بذلك، لكنها تقول إن ميزانيتها لا تسمح بزيادة رقعة المستفيدين، فهذا الرقم ثابت منذ 15 عاماً تقريباً".

الصورة
أونروا باقية حتى تحقيق العودة (ناصر اشتيه/ فرانس برس)
أونروا باقية حتى تحقيق العودة (ناصر اشتيه/فرانس برس)

يتابع أبو كشك أن نسبة البطالة داخل المخيمات كانت تزيد عن 35 في المائة قبل السابع من أكتوبر، لكنها تضاعفت اليوم كون الغالبية العظمى من سكان المخيمات كانوا يعملون في الداخل الفلسطيني المحتل وتوقفوا عن العمل، ومع وقف تمويل الوكالة، ستصبح الظروف أصعب وأقسى.
يوضح أبو كشك أن الوكالة تنفذ أيضاً سلسلة من البرامج الطارئة، وهي مشاريع التشغيل والسلة الغذائية التي تتفاوت بحسب الظروف، وهي في تناقص دائم، وهناك المساعدات المالية المباشرة لمن هم تحت خط الفقر المدقع، وهذه أيضاً غير دائمة، بالإضافة إلى برنامج المال مقابل العمل الذي يستفيد منه حراس وأذنة المدارس وعمال النظافة، بالإضافة إلى المشاريع التشغيلية التي تستمر ثلاثة أشهر تقريباً وهي قابلة للتمديد، ويستفيد منها العاطلون من العمل، ويتم توفير فرص عمل لهم داخل المخيمات بأجور متواضعة.
وعن انعكاسات الأزمة، يشير أبو كشك إلى أن عدد موظفي الوكالة يزيد عن 30 ألف موظف دائم، بالإضافة إلى عدد من الموظفين الأجانب، ويلفت إلى أنه في حال توقف دعم الوكالة، فهذا يعني توقف رواتب عدد كبير من الموظفين، وتلقائياً كل برامج الخدمات، ولا يصبح بمقدور اللاجئين تلقي أي خدمات صحية أو تعليمية على وجه الخصوص.
ويقول: "قد يلجأ المستفيدون للبحث عن بديل، ولا يوجد بديل سوى السلطة الفلسطينية التي تعاني أصلاً من ضعف شديد في منظومتها نظراً لتوقف صرف رواتب موظفيها منذ 3 أشهر بعد امتناع الاحتلال عن تحويل أموال المقاصة، وحتى لو قدمت السلطة المساعدة للاجئي الضفة وغزة، فإن الدول المضيفة لن تقوم بذلك. توقف الدعم وتعطل الوكالة هو جزء من مخطط توطين اللاجئين والقضاء على حق العودة".
ويقول مدير عام المخيمات في منظمة التحرير الفلسطينية محمد عليّان لـ"العربي الجديد": "يعيش اللاجئ الفلسطيني اكتظاظاً سكّانياً على مساحة صغيرة من الأرض داخل المخيمات، ولا يسمح له بالتوسع. المنازل المبنية من الطوب متلاصقة غالباً وسط أزقة ضيّقة وشوارع تفتقد للبنية التحتية وخدمات الصرف الصحي".
ويبلغ عدد الفلسطينيين المسجلين لدى أونروا نحو 828.328 موزعين على 19 مخيماً في أراضي الضفة الغربية، ويشكّل اللاجئون الفلسطينيون ما يقارب 42 في المائة من نسبة سكّان الضفة الغربية، ويعيشون على مساحة تقدّر بـ640 كيلومتراً مربعاً من أصل 5660 كيلومتراً مربعاً من إجمالي مساحة الضفة. 

ويشير عليّان إلى أن "عدد اللاجئين الحقيقي يتخطى المليون لاجئ، ما يعني أن أكثر من مائة ألف منهم غير مسجلين لدى أونروا وبالتالي لا يتلقون الخدمات الأساسية الصحية والتعليمية، عدا عن وجود عشرات الآلاف ممن لا يتلقون الخدمات رغم تسجيلهم في سجّلات الوكالة، نظراً لتقليص الأخيرة خدماتها التي تتراجع مع تراجع الميزانية المرصودة لدعم المخيمات".
أثرت الحالة المتهالكة للمخيمات لناحية البنى التحتية والخدمات وفرص العمل، بحسب عليّان، على وجود اللاجئ في أرضه، ما دفع كثيرين إلى ترك المخيم والتوجه نحو مراكز المدن، وخصوصاً إثر تذبذب نشاط الوكالة وتقليص خدماتها وتراجعها مع مرور الزمن، ما جعل نسبة الفقر في المخيمات تصل إلى متوسط يبلغ 30 في المائة، وفق إحصائيات الوكالة.
وبحسب عليّان، كان اللاجئون في السابق يعتاشون على خدمات أونروا التموينية والمعونات الغذائية التي تقدم شهرياً والمخصصة لكل مخيم، لكن مع تقليص الخدمات وزيادة عدد اللاجئين وعدم قدرتهم على التوسع في مساحة المخيم منذ أكثر من 70 عاماً، ارتفعت نسبة البطالة التي تفوق الـ40 في المائة في بعض المخيمات. 
ويقول عليّان: "تقع مسؤولية المخيمات على عاتق الأونروا والسلطة الفلسطينية، لكن على الوكالة ألا تتنصل من دعم اللجان الشعبية في المخيمات، من أجل تفعيل مراكز الشباب والأشخاص ذوي الإعاقة والنساء كما كانت في السابق، كما يجب على السلطة أن تدعم صمود اللاجئ ومراكز التأهيل في المخيمات".

المساهمون