30 عاماً على اتفاقية "بيلوفيجسكايا"... رصاصة الرحمة بالجسد السوفييتي

30 عاماً على اتفاقية "بيلوفيجسكايا"... رصاصة الرحمة في الجسد السوفييتي

09 ديسمبر 2021
مواطنة روسية بجانب نصب يعود إلى الحقبة السوفييتية في موسكو (ألكسندر نيمينوف/فرانس برس)
+ الخط -
وجّه رئيس مجلس الدوما (البرلمان) الروسي فياتشيسلاف فولودين، أمس الأربعاء، انتقادات لاذعة للنخب السوفييتية الحاكمة نهاية ثمانينيات وبداية تسعينيات القرن الماضي وحمّلها مسؤولية انهيار الاتحاد السوفييتي في عام 1991، واتهمها بالاستفادة من الانهيار الذي ربح بنتيجته الغرب وخسرت كل الشعوب والدول التي كانت منضوية تحت لواء الاتحاد السوفييتي.
 
وجاءت تعليقات فولودين تزامناً مع الذكرى الثلاثين لاتفاقية "بيلوفيجسكايا" التي وقّعها الرئيس الروسي الراحل بوريس يلتسين، مع الرئيس الأوكراني السابق ليونيد كرافتشوك، ورئيس البرلمان البيلاروسي ستانيسلاف شوشكفيتش ورئيس الوزراء البيلاروسي فياتشيسلاف كيبيتش (لم يكن هناك منصب رئيس في جمهورية بيلاروسيا الاشتراكية السوفييتية حين التوقيع). واتفقوا فيها على انهاء معاهدة الاتحاد بعد اجتماعهم في منتجع للمكتب السياسي للحزب الشيوعي في بيلوفيجسكايا في غابات بيلاروسيا.
اتهم فولودين النخبة السوفييتية السابقة بأنها "جنت فوائد اقتصادية وسياسية من انهيار الاتحاد السوفييتي"
واتهم فولودين في قناته على "تلغرام" النخبة السوفييتية السابقة بأنها "جنت فوائد اقتصادية وسياسية من انهيار الاتحاد السوفييتي"، وحمّلها مسؤولية الانهيار، مشيراً إلى أنه "في وقت عصيب، هربت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفييتي، وأمناء اللجان الإقليمية، واختاروا الجلوس بعيداً حين كان من الضروري اتخاذ قرارات. لقد خانوا مثلهم العليا، البلد، المواطنين". 
 
ورأى فولودين أن الغرب استفاد فقد "قضت الولايات المتحدة وأوروبا على عدو أيديولوجي قوي، بتقسيمه إلى دول منفصلة". وخلص إلى أنه "لم تنتصر أي من الدول الخمس عشرة (روسيا، أرمينيا، أذربيجان، بيلاروسيا، إستونيا، جورجيا، كازاخستان، قيرغزستان، لاتفيا، ليتوانيا، مولدافيا، طاجيكستان، تركمانستان، أوكرانيا، أوزبكستان) التي تشكلت بعد انهيار الاتحاد". 
 
عواقب المأساة
ولفت إلى أنه "حتى يومنا هذا تواجه كل منها عواقب هذه المأساة، فقد قطعت العلاقات الاقتصادية والصناعية وفُقدت الإمكانات الصناعية". وانتقد الزعماء الموقعين على الاتفاقية لتجاهلهم موقف الشعب السوفييتي للحفاظ على دولة الاتحاد.

وكشف فولودين أنه نظم استفتاء على قناته على " تلغرام" وسأل فيه عن رأي المواطنين حول أسباب انهيار الاتحاد السوفييتي. وقال إن "الغالبية تعتقد أن السبب في ذلك هو خيانة النخب الحزبية (57 في المائة) والتدخل الأجنبي (21 المائة)، والقيادة الضعيفة للبلاد (11 في المائة)، احتكار الحزب الشيوعي السوفييتي للسلطة (9 في المائة)". 

وسبق أن وجه فولودين انتفادات حادة لميخائيل غورباتشوف آخر زعيم سوفييتي، وقال إن "حكمه أدى إلى تفكك الشعوب، وهي أكبر كارثة جيوسياسية في القرن العشرين"، معتبراً أن منح غورباتشوف جائزة نوبل للسلام (في عام 1990) كان من الخطوات التي أساءت إلى مصداقيتها.

وأطلقت اتفاقية "بيلوفيجسكايا" في 8 ديسمبر/كانون الأول 1991 رصاصة الرحمة في الجسد السوفييتي المنهك، وكتبت السطور الأخيرة في تاريخ اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية، بعد اتفاق قادة الدول السلافية الثلاث، العمود الفقري للاتحاد، روسيا وبيلاروسيا وأوكرانيا، على تفكيك الدولة السوفييتية.
 
تجاهل رغبة الشعب
وتجاهل الزعماء الثلاثة نتيجة الاستفتاء الشعبي العام الذي نظم في مارس/ آذار من العام ذاته، حين صوّت 76 في المائة من المواطنين السوفييت لصالح المحافظة على الاتحاد السوفييتي بصيغة عصرية جديدة. ووضعت الاتفاقية عملياً حداً للاتحاد السوفييتي، الذي شكّل نحو سدس اليابسة، بين عامي 1917 و1991.

وتسارعت التطورات بعد الاتفاقية، وأصبح مصير الاتحاد السوفييتي مجرد تحصيل حاصل، وأقرّ الاجتماع الذي عقد في العاصمة الكازاخية ألماتا في 22 ديسمبر 1991، بحضور تسعة من قادة الجهوريات السوفييتية بالأمر الواقع، وتقرّر فرط عقد الاتحاد السوفييتي.
 
وفي محاولة للتخفيف من وقع القرار تداعى الرؤساء بعدها بيوم إلى تشكيل "رابطة الدول المستقلة"، ليسدل الستار عن آخر مرحلة في انهيار الدولة السوفييتية. وفي 25 من الشهر ذاته أعلن غورباتشوف استقالته من منصبه وانتهاء الاتحاد السوفييتي، وعلى عجل طُرد زعيم "البيروسترويكا" من مكتبه، ونُكس العلم السوفييتي وُرفع العلم الروسي فوق الكرملين، اثناء إعلان غورباتشوف قرار الاستقالة.

وشكّلت الفترة الممتدة بين أغسطس/آب 1991 وديسمبر/كانون الأول من العام نفسه الفترة الحاسمة في انهيار الاتحاد. وتميّزت هذه الفترة بتعطل عمل الحكومة المركزية، وسادت حالة من الفوضى والتخبط في السلطة، فكل المراسيم الرئاسية، والإيعازات من قبل غورباتشوف كان مصيرها الإلغاء أو الإهمال من قبل يلتسين، بل وإصدار قوانين مخالفة لها.
 
وأضحى نظام الحكم في البلاد برأسين ومركزين منفصلين، وتضاربت الأوامر التي يتلقاها قادة أجهزة الدفاع والأمن، ما ساهم في إشاعة الفوضى والجريمة وانتشارها في كل الجمهوريات السوفييتية، فضلاً عن تعطل العمل في المؤسسات الإنتاجية الكبيرة، وبداية ضعف اقتصادي شامل.
 
وفقدت القيادة المركزية في موسكو السيطرة على الجمهوريات السوفييتية مع اندلاع حرب القوانين والمراسيم، وإلغاء عدد من الجمهوريات السوفييتية العمل بتشريعات المركز، والتأكيد على أن هذه القوانين لا تسري على أراضيها.
وبرز غورباتشوف كأول زعيم سوفييتي من جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945)، وبعد تخليه عن سياسة انتقاد الغرب والتلويح بتهديده تمكن من طي صفحة الحرب الباردة (1947 ـ 1991).
 
وأطلق غورباتشوف برنامجاً إصلاحياً على الصعيد الداخلي والخارجي، يرتكز على إعادة بناء الدولة فيما أطلق عليه "البيروسترويكا"، ومنح مزيد من الحريات السياسية عبر سياسة "الغلاسنوست" بما تتضمنه من المكاشفة والشفافية.
وأنعشت خطط غورباتشوف آمال الشعوب السوفييتية في الحصول على حياة أفضل، سواء على الصعيد الاقتصادي أو لجهة رفع مستوى الحرية والديمقراطية، وإنهاء الحكم الشمولي والقمع الأمني والفكري. 
أدت سنوات الانفتاح وإعادة البناء إلى تدهور اقتصادي شامل في الاتحاد السوفييتي
وبدا أن إصلاحات غورباتشوف ستبعث الروح في الجسد السوفييتي المنهك لكن اتضح لاحقاً أنها لا تتفق مع واقع وإمكانات الدولة، ومما زاد الأوضاع سوءاً جملة من القرارات غير المدروسة التي لم تراع الظروف الاجتماعية والاقتصادية في البلاد.
 
ومما عجّل في الانهيار التردد في اتخاذ قرار حاسم يختار بين تحرير السوق وخصخصة المشروعات الإنتاجية، أو اللجوء إلى الاقتراض من الغرب. وانتهى الأمر إلى فشل غورباتشوف في تنفيذ البرنامج الأول وعدم حصوله على المساعدات الغربية.
 
وأدت سنوات الانفتاح وإعادة البناء وما رافقها من فوضى عارمة إلى تدهور اقتصادي شامل في الاتحاد السوفييتي، بالإضافة إلى انبعاث الروح القومية بقوة، ما خلق نوعاً من التململ بدأ يتطور سريعاً ليأخذ شكل الغليان. عندها لم يستطع غورباتشوف إيجاد التوازن المطلوب الذي يحافظ على حقوق القوميات ويمنع خطر التفكك في ذات الوقت، في ظل آلة سوفييتية رسمية أهلكتها البيروقراطية وسنوات الجمود الطويلة.
تقارير دولية
التحديثات الحية