المخرج من أفغانستان: بين استعجال ترامب وتعقيدات الساحة

المخرج من أفغانستان: بين استعجال ترامب وتعقيدات الساحة

19 فبراير 2020
ترامب مستعجل بتحقيق وعد الانسحاب من أفغانستان (باولا برونشتاين/Getty)
+ الخط -
خلافاً للسوابق، تبدو الحلحلة جدية هذه المرة بشأن أفغانستان، إذ يسود اعتقاد في واشنطن أنّ الاتفاق حول "عملية السلام" مع حركة "طالبان" قد يُكشَف عنه هذا الأسبوع، بعدما وُضعَت اللمسات الأخيرة عليه خلال مؤتمر ميونخ للأمن، وبعد تأخير إعلانه إلى ما بعد الكشف عن النتائج النهائية للانتخابات الرئاسية الأفغانية، التي أكدت، أمس الثلاثاء، فوز أشرف غني بولاية رئاسية ثانية. وبذلك يفتتح هذا الأخير ولايته الجديدة لخمس سنوات بمشروع سلام كمن كسب اعتراف واشنطن برئاسته المتنازع عليها وبأهمية وجوده كرئيس "باشتوني" في هذا الوقت بالذات، يمكنه التفاوض مع "طالبان".

معظم الخطوط العريضة للاتفاق صارت متداولة، بعدما سرّبها كبار المسؤولين الأميركيين الذين تحدثوا في الموضوع بتفاؤل غير مسبوق، وكأن الأمور رست على المقبول من الجانبين لحفظ ماء الوجه. فالرئيس الأميركي دونالد ترامب، مستعجل في تحقيق واحد من أبرز وعوده الانتخابية، و"طالبان" رأت في ذلك فرصة من الأفضل التقاطها. لكن هذا حتى الآن على الورق، قد تحول دون ترجمته عوائق ومطبات تنفيذية وسياسية أفغانية.
وفي التنفيذ يتوقف المراقبون أمام اختبارات محفوفة بالمخاطر، أولها التزام شرط "خفض العنف" لمدة 7 أيام. ومع أنّ التعبير ضبابي ويعكس عمق الارتياب وانعدام الثقة، لكن المقصود به وقف إطلاق النار. وتفيد تلميحات مسؤولين مثل وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر، ومستشار ترامب لشؤون الأمن القومي روبرت أوبراين، إلى أن هناك "تفاهماً" إن لم يكن ضماناً، بشأن التقيد به، مع أن السوابق لا تشجع، وقد أدت إلى وقف المحادثات بين واشنطن و"طالبان" التي ترعاها قطر في الدوحة في سبتمبر/ أيلول الماضي.
يتبع ذلك "في غضون 10 أيام" بدء الحوار "الأفغاني – الأفغاني"، بين الحكومة وحركة "طالبان"، وهو الاختبار الأصعب والأكثر حساسية، باعتباره الأول من نوعه، ويشكل - في حال حصوله - تحولاً في موقف الحركة التي طالما رفضت التفاوض مع السلطة في كابول.
الأمر الثالث، وهو الأكثر صعوبة، اختبار الاستمرار في التفاوض لمدة 4 أشهر ونصف، وهي مدة محسوبة بعناية من جانب البيت الأبيض، بحيث تنتهي مع بداية المرحلة الأخيرة والحاسمة من الحملة الانتخابية للرئاسيات الأميركية، في يوليو/ تموز المقبل، وبصورة تسمح بسحب نحو 5 آلاف جندي أميركي من أفغانستان، حيث يمكن توظيف ذلك كإنجاز ينزل في رصيد ترامب الانتخابي، والباقي من القوات، نحو 8 آلاف، يغادر "خلال 3 إلى 5 سنوات".


وتظل الأسئلة كثيرة عن الضمانات والآليات لتطبيق اتفاق يطوي صفحة حرب من هذا العيار، ولا سيما أنّ التفاصيل غير واضحة بعد، وأن هناك "أربعة ملاحق" للاتفاق حسب كلام منسوب إلى بعض أعضاء الكونغرس الذين شاركوا في مؤتمر ميونخ. وبالتالي هناك شكوك ومخاوف من التعثر وربما الانهيار في نقل الاتفاق من الحبر إلى الواقع، خاصة بعد أن نشب الخلاف المكشوف حول إعلان فوز غني في الانتخابات بعد مرور خمسة أشهر على إجرائها، وحصول اعتراضات على نتائجها، ثم رفض قرار لجنة الانتخابات بتجديد رئاسته وما أثاره ذلك من ردود فعل حادة من جانب فريق الرئيس التنفيذي، عبد الله عبد الله. تعقيد جديد يثير الخشية من تفاقمه، خاصة إذا ما رأى الطرف المعارض انحياز واشنطن إلى الرئيس غني.

لكن إدارة ترامب عازمة على ما يبدو على المضي في الاتفاق، ويندرج هذا الخيار ضمن توجهها للانسحاب العسكري من الشرق الأوسط. تلميحاتها في هذا الخصوص كثرت في الآونة الأخيرة، وبدت عازمة على تحقيق ذلك قبل دخول الحملة الانتخابية مرحلتها الأخيرة في الصيف القادم، وذلك من باب الظهور بأن ترامب أوفى حسب المستطاع بوعد "إنهاء حروب الخارج".

حاول في سورية، لكنه اضطر إلى التراجع بضغط من الكونغرس والبنتاغون. أما العراق، فغير واردة مغادرته، لحسابات تتعلق بالصراع مع إيران. بقيت أفغانستان التي صار الخلاص من حربها المكروهة مطلباً يحظى بالترحيب الواسع في الساحة الأميركية. ومن هنا، كان دخول إدارة ترامب في المحادثات مع حركة "طالبان"، التي يبدو أنها شهدت في الأيام الأخيرة حلحلة جدّية تؤذن باتفاق قريب على ترتيبات أولية تسمح لترامب بترجمة وعد الانسحاب ولو الجزئي، إلا إذا تفجر الاتفاق بألغامه الأفغانية.