الحل يتأخر في ليبيا.. فمن يستطيع تسريعه؟

الحل يتأخر في ليبيا.. فمن يستطيع تسريعه؟

30 يناير 2020
يبدو الموقف التركي الوحيد الذي لم يختلف في جوهره(Getty)
+ الخط -
تكثر التقديرات بشأن المواقف الأوروبية والإقليمية المتصلة بالملف الليبي، على خلفية المستجدات المتسارعة التي فرضها واقع الميدان جنوب طرابلس، لكنّ الموقف التركي يبدو الوحيد الذي لم يختلف في جوهره، وحافظ على ثباته، على الرغم من اضطراره لمسايرة روسيا، كونها الدولة الوحيدة التي يمكنها إحداث مقاربة معها للتأثير على مواقف الآخرين الأشد تأثيراً في تصعيد الأوضاع في ليبيا، في ظل الحديث عن استحالة الحلّ العسكري، ودفع الأمم المتحدة بالملف الليبي نحو جنيف، لإقناع الأطراف الليبية بالجلوس إلى طاولة تفاوض، للتوافق على حلّ سياسي.
وتبدو أهمية ميل تركيا لروسيا من واقع أن قرار الطرف العسكري تملكه دول إقليمية وأوروبية، وعلى وجه التحديد، الإمارات وفرنسا، الدولتان اللتان بات جلياً أنهما من أفشلتا جهود موسكو وبرلين أخيراً.

وتبدو أهمية روسيا أنها قادرة وراغبة أيضاً في إحداث تغيير في مجموعة حلفاء اللواء المتقاعد خليفة حفتر، وهو ما تترجمه رعايتها لمشروع التوقيع على وقف إطلاق النار، قبل أن يفشله القائم بأعمال السفارة الإماراتية في موسكو الذي كان مرافقاً لحفتر، على عكس فرنسا، التي أفشلت أكثر من مرة قرارات أممية لإدانة حفتر أو للمطالبة بوقف القتال، أو الإمارات التي عكست مواقفها الأخيرة مدى الضعف الذي وصل إليه معسكر حفتر، والذي بيّنته بوضوح تغريدة عبد الخالق عبد الله، مستشار ولي العهد الإماراتي، عبر "تويتر"، والتي هدّد فيها بأن الجيش المصري قادر على الحسم إذا فشل حفتر، وبالتالي فـ"الرغبة التركية في إحداث تقارب مع روسيا في الملف الليبي، يبدو أنها لا تزال قائمة في مجال جديد هذه المرة، بعيداً عن تأثير الأوروبيين، وتحديداً في قمة برازافيل"، بحسب الأكاديمي الليبي، خليفة الحداد.


ويرى الحداد، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "التوجه لأفريقيا أزعج فرنسا وأربك حساباتها في المجال الأفريقي، الذي تحتسبه من مجالات تأثيرها الأولى، وأثار حفيظة ماكرون الذي لم يترك وسيلة خلال خطاباته بالأمس إلا وهاجم بها تركيا التي يجري رئيسها حالياً زيارة لبعض العواصم الأفريقية المؤثرة".
وعلى الرغم من تعدّد المبادرات والجهود لحلّ الأزمة الليبية، إلا أن الجميع يدرك أن الواقع على الأرض وميدان القتال هو صاحب الكلمة الفصل في أي توجه لحلّ سياسي مهما تأخر، ولذلك سعت تركيا لتقوية ودعم معسكر حكومة الوفاق، لوقف تنفيذ مشروع في ظاهره يسعى لعسكرة الدولة، لكن يحمل في طياته حمايةً لمصالح من يقف وراءه ويدعمه، فلن تكون لمسارات برلين الثلاثة أي أهمية، لا سيما المسار السياسي، في حال اقتحام حفتر لطرابلس، حتى ولو حضر بمفرده على طاولة جنيف، في مقابلة ممثلي كل الأطياف والأحزاب التي تعارضه من دون أن يكون لها وجود على الأرض.

ووفرت المواقف العسكرية لقوات الحكومة أوراقاً قوية لحليفتها تركيا، للتحرك بأريحية، والتوجه لفضاءات جديدة لحشد التأييد، وآخرها الفضاء الأفريقي، انطلاقاً من الجزائر. مواقف أصبحت مفروضة على حلفاء حفتر، سواء في الإفشال المستمرّ لاقتحام طرابلس منذ عشرة أشهر، أو إفشال محاولة الالتفاف من سرت، التي سعى من خلالها لتحييد مصراته، المدينة الأبرز سياسياً وعسكرياً في معسكر حكومة الوفاق.
هذه المكاسب يعتبر الحداد أنها ما سرّع من عقد قمة برلين، التي كان من المفترض أن تفصّل المصالح في ليبيا على مقاسات الدول الداعمة لحفتر، لكنها أتت بما لا تشتهي سفنها، فألقت بكل قواها لإفشال مفاوضات موسكو، وبعثرة جهود التقارب في برلين، لكن الحداد يؤكد أن "إصرار تركيا على الثبات على موقفها الداعم لحكومة الوفاق حدا بها إلى البحث عن شركاء جدد، إضافة لروسيا، ما سيعدّل من كفة الموازين الدولية، وسيجعل من أي عملية سياسية مقبلة ذات مصداقية لحل أزمة البلاد"، ولذلك، فإن تصريحات وزير خارجية فرنسا جان إيف لودريان عن قرب انعقاد لقاءات اللجنة العسكرية الليبية 5+5، ولجنة الأربعين السياسية في جنيف، "تؤكد أن فرنسا سبقت الجميع للوصول إلى جنيف، للتأثير على مخرجات اللجنتين لصالحها أو إفشالها"، بحسب الحداد.
لكن الباحث الليبي في العلاقات الدولية، مصطفى البرق، يرى أن هذه التحليلات أغفلت الدور الأميركي، فهو على الرغم من استمرار بقائه في الظل، إلا انه يراقب الأوضاع عن كثب ويتدخل كلما حانت الفرصة، أو فرض الواقع تدخله. ويؤكد البرق في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن أرشيف تصريحات قادة واشنطن لا يعكس تغيراً في الموقف الأميركي، فـ"اتصال ترامب بحفتر هاتفياً، الذي قرأه كثيرون بأنه مباركة أميركية، قابله رفض من وزارة الخارجية الأميركية، ما يعني أن البيت الأبيض لم يغير موقفه، وأنه لا يزال في موضع المراقبة".


ويتفق البرق مع آراء مراقبين تشير إلى أن الانخراط التركي المفاجئ في الملف الليبي، ودعمها لحكومة الوفاق، جاء بضوء أخضر من واشنطن، على خلفية قلقها من تزايد التوغل الروسي في معسكر حفتر، لموازنة القوى، وكونها الدولة الأقدر على إحداث مقاربة مع روسيا، وإقناعها بتغيير موقفها في ليبيا. وعلى الرغم من ذلك، يلفت الباحث الليبي إلى أن الموقف الأميركي الغامض لا يزال مقلقاً، ومن الممكن أن يُرجّح كفة الحل العسكري إذا رأى في حفتر شريكاً مناسباً لمصالحه، خصوصاً وأنه يملك قرارات أكثر داعميه في أبوظبي والقاهرة والأردن.

ويردّ الحداد بالقول إن "واشطن تعرف جيداً أن تركيا دولة مؤثرة في محيط المتوسط، وبات موقفها الداعم لحكومة الوفاق مرتبطاً بمشاريع استراتيجية كبيرة في البحر المتوسط، ولن يكون من السهل ترجيح كفة حفتر ومشروعه"، ولذا، بحسب رأيه، فإن واشنطن ستراقب عن كثب، خصوصاً أن ليبيا لا تمثل أولوية في سلّم سياساتها في المنطقة.
ومقابل بدء تدريجي في اعتراف الأمم المتحدة بجرائم حفتر، وتحديداً من خلال تقرير الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، الذي سمّى للمرة الأولى حفتر وعدّه مسؤولاً عن مقتل ما يزيد عن 280 مدنياً وإصابة 363 آخرين، بل وسمّى الإمارات كمسؤول عن قصف مواقع مدنية، إلا أنه يبدو أنه تواجه السياسة التركية في ليبيا الكثير من المحاذير، أولها ضعف حليفها السياسي في ليبيا، الممثل في حكومة الوفاق، التي يبدو أنها تواجه خلافات مع قادة قواتها ومطالب من المجلس الأعلى للدولة بتغييرها بأخرى، يمكنها "تحقيق أهداف الثورة"، على حد تعبير رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، الذي استجاب سريعاً لطلب تشكيل ممثلي مجلسه لتأليف لجنة الأربعين التي من المقرّر أن تبدأ مشاورات في جنيف لتشكيل حكومة وحدة وطنية بديلة عن حكومة الوفاق.
وفي السياق، يرى البرق أن تحدي محادثات جنيف أكبر التحديات التي تواجه تركيا، فعلى الرغم من أهدافها الظاهرة لمعارضة مشاريع الانقلابات العسكرية في أتون موجة الربيع العربي، إلا أن مصالحها الخاصة المرتبطة بليبيا ستواجه التهديد إذا ما أُزيحت حكومة الوفاق من المشهد، وفقد الاتفاق البحري الاستراتيجي سنده القانوني، مؤكداً أنّ "هذا ما تسعى إليه فرنسا ودول أخرى من خلال رغبتها المعلنة في تسريع انعقاد محادثات جنيف".
ويشير البرق إلى أن أبرز ما بحثه أردوغان في الجزائر هو ملف التبادل التجاري، ما يعني أن حقيبته في جولته الأفريقية تحمل ما يمكن أن يضغط على الموقف الفرنسي في مجالات نفوذ باريس الأفريقي، ما يعني أن اللهجة الفرنسية الحادة أخيراً ضد تركيا، في طريقها للتراجع.

المساهمون