فضّ الاعتصامات العراقية: قرار سياسي باستخدام القوة لإنهاء الانتفاضة

فضّ الاعتصامات العراقية: قرار سياسي باستخدام القوة لإنهاء الانتفاضة

بغداد

عادل النواب

avata
عادل النواب
بغداد

محمد علي

avata
محمد علي
26 يناير 2020
+ الخط -


قبيل دخول التظاهرات العراقية شهرها الرابع، وهي التي انطلقت في الأول من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، اتفقت القوى السياسية الحاكمة على إنهاء هذه الانتفاضة عبر الخيار الأمني، لتهاجم قوات عراقية مشتركة من الجيش وجهاز فضّ الشغب والشرطة الاتحادية ساحات الاعتصام في البصرة وبغداد، وتحاصر باقي ميادين التظاهرات في المحافظات الأخرى، مستخدمة العنف ضد المنتفضين، ليُسجَّل سقوط 8 قتلى وعشرات الجرحى حتى عصر أمس السبت، في حصيلة مرشحة للارتفاع. وجاء الهجوم على ميادين الاعتصام، بعد ساعات قليلة من انسحاب أنصار زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر منها، ليكشف ذلك عن وجود اتفاق بين القوى السياسية الفاعلة لتحجيم تأثير الحركة الاحتجاجية، التي أسقطت العديد من الأسماء التي كانت قد ُطرحت لتولي رئاسة الحكومة، وذلك مع تمهيد القوى الحاكمة للإعلان عن تكليف مرشح لرئاسة الحكومة.

وطاولت عمليات فضّ الاعتصامات، حتى عصر أمس، ساحات الخلاني والطيران والكيلاني وقرطبة وشارع محمد القاسم وجسري الأحرار والسنك في بغداد، وسط تطويق القوات العراقية لساحة التحرير بشكل كامل من اتجاهاتها الأربعة، وذلك بعد اقتحام ساحتي البحرية وذات الصواري وأم البروم في البصرة، والطريق الدولي وجسر الفهود في ذي قار. ووفقاً لمصادر طبية عراقية، فإن 8 قتلى عراقيين، بينهم فتى، سقطوا ضحية الاقتحامات والمواجهات في بغداد على طريق محمد القاسم وساحة الخلاني وفي البصرة والناصرية، فضلاً عن إصابة العشرات، واعتقال عشرات الناشطين وتسجيل اختفاء آخرين في بغداد. وقال الدكتور سلام فاضل، وهو طبيب بصفة مقيم في مستشفى الحسين في مدينة الناصرية مركز محافظة ذي قار، لـ"العربي الجديد"، إن المستشفى استقبل قتيلين من المتظاهرين خلال مواجهات على جسر الفهود، لافتاً إلى أن حصيلة الضحايا مرشحة للارتفاع بسبب خطورة حالات بعض الجرحى.
وفي وقت لاحق، وبعد نداءات عبر وسائل التواصل الاجتماعي للتجمّع في الساحات، نجح متظاهرو البصرة في استعادة السيطرة على ساحة ذات الصواري بعد مواجهات مع قوات الأمن، فيما وصلت قوات إضافية إلى البصرة وذي قار. كذلك توافد آلاف المتظاهرين إلى ساحة التحرير في بغداد عصراً للانضمام إلى المحتجين هناك، مرددين شعارات غاضبة ورافضة لهجوم القوات العراقية.

وقال الناشط البارز في ساحة التحرير ببغداد، علي الكناني، لـ"العربي الجديد"، إن الأمم المتحدة كذبت عليهم عندما زودتهم بأرقام هواتف قالت إنها مستعدة لتلبية أي نداء في حال اتصلوا مع بعثتها في بغداد داخل المنطقة الخضراء، مضيفاً "أجرينا اتصالات منذ فجر السبت ولم يرد أحد علينا". وتابع أنهم على الرغم من ذلك استمروا بتوجيه نداءات طلب حماية كما تعهدت الأمم المتحدة في وقت سابق لكن لم يحصلوا على رد، مضيفاً "لم يبقَ لنا سوى الشارع، وكان هناك اندفاع لآلاف المتظاهرين إلى ساحة التحرير بسبب نداءات وجهناها على فيسبوك، وأوقف ذلك عملية اقتحامها، لكن لا ندري متى يتم اقتحامها، ونحن محاصرون بين ساحة التحرير ومبنى المطعم التركي وجسر الجمهورية". وأكد الكناني أن "المتظاهرين الذين فروا من ساحة الخلاني والطيران والكيلاني وشارع محمد القاسم، عادوا وتحصنوا في ساحة التحرير، وانسحبت فرق وزارة الصحة". ووصف الحال بأنهم يواجهون "خطة قمع بتوافق سكان المنطقة الخضراء"، وفقاً لقوله.

وفي السياق، كشف جنرال رفيع في وزارة الدفاع العراقية، تحدّث لـ"العربي الجديد" طالباً عدم ذكر اسمه، أن ما سماها عملية فضّ الاعتصامات وتطويق التظاهرات هي خطة وُضعت من قبل معاون قائد العمليات المشتركة الفريق عبد الأمير يار الله مع مكتب رئيس حكومة تصريف الأعمال عادل عبد المهدي، وعدد من القيادات السياسية في البلاد، أبرزها نوري المالكي، وهادي العامري، وهمام حمودي، إلى جانب قيادات مليشياوية مختلفة، مثل قيس الخزعلي وأبو آلاء الولائي وأكرم الكعبي وآخرين دعموا الخطة التي من المتوقع أن تستمر اليوم الأحد.
وبحسب المسؤول العسكري ذاته، فإن الصدر سحب أنصاره من ساحات التظاهر بوساطة وضغوط حتى لا تحصل مواجهات بين القوات الأمنية وأصحاب القبعات الزرق، وهم الفرق التابعة لمليشيا "سرايا السلام"، التابعة لمقتدى الصدر والمكلفة بحماية المتظاهرين منذ مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي. وأكد أن القوات العراقية تلقّت أوامر لفضّ الاعتصامات في الطرقات الرئيسية والشوارع والجسور التي تعيق حركة المارة والسيارات، واعتقال من يواجه الأوامر بالرفض، كما أن الأوامر ذاتها تقضي بفتح ساحات وميادين وحدائق يتخذها المتظاهرون مقرات لهم منذ شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، كاشفاً عن أن "هناك ساحات سيتم تحجيم رقعة نشاطها وفرض رقابة عليها لتتحوّل إلى وقفات أو تجمعات وليس اعتصاماً أو نقطة خروج تظاهرات كما كانت طيلة الأشهر الماضية".

كذلك كشفت تسريبات خاصة حصلت عليها "العربي الجديد"، عبر قيادي بارز في تحالف "النصر" الذي يرأسه رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، أن السلطات أطلقت على العملية "استعادة النظام"، ويشارك فيها الجيش والشرطة الاتحادية والشرطة المحلية في المحافظات الجنوبية وقوات جهاز مكافحة الشغب وبدعم قوى سياسية، وجرى إقرارها في اجتماع لمجلس الأمن الوطني الذي يرأسه عادل عبد المهدي بعضوية وزراء الدفاع والداخلية والأمن الوطني ورئيس جهاز المخابرات و"الحشد الشعبي" ورئاسة أركان الجيش. وبحسب المسؤول ذاته، فإن الخطة "أعدت تمهيداً للإعلان عن تكليف مرشح لرئاسة الحكومة يرجح أنه سيلاقي رفضاً من قبل المتظاهرين"، متوقعاً أن تثير الخطوة غضب النجف التي عُرفت بدعمها للمتظاهرين ورفضها عمليات القمع الدموية.


في السياق، قال قيادي في تحالف "الفتح"، لـ"العربي الجديد"، إن "هناك اتفاقاً بين القوى السياسية الفاعلة والحاكمة، بضرورة تحجيم ساحات التظاهرات بهدف إنهاء تأثير الحركة الاحتجاجية في الأيام المقبلة في الاعتراض على من سيتم اختياره كبديل لعبد المهدي، ولهذا تم استخدام القوة في فضّ الاعتصام". ورأى أن "هذا قرار خاطئ، فهناك ردة فعل سوف تحدث من المتظاهرين، كذلك الأمر لا يُختصر في اختيار شخصية رئيس الحكومة الجديد، بل هناك قلق وخشية لدى القوى السياسية من حجم التفاعل مع التظاهرات داخلياً ودولياً، ولهذا تم اتخاذ قرار كهذا". وأشار القيادي في "الفتح" إلى "وقوف مرجعية النجف مع المتظاهرين ونقدها المباشر في خطبة الجمعة للقوى السياسية، وأنها ما تزال تعمل على المناورة ولا تقدّم حلولاً، ولهذا هذه القوى تجد أن إنهاء الحركة الاحتجاجية سينهي حالة حرقها أمام المرجعية، ويوقف الانتقاد لها".

وجاء الهجوم على ساحات التظاهرات بعد ساعات قليلة من انسحاب أنصار الصدر من تلك الساحات. وأعلن الصدر عن غضبه من متظاهري ساحة التحرير، بسبب عدم دعمهم لتظاهراته التي خرجت الجمعة مطالبة بخروج القوات الأميركية. وقال العضو في التيار الصدري محمد الدراجي لـ"العربي الجديد" إن "التظاهرات الآن خالية من أنصار الصدر"، موضحاً أن القرار جاء بعد حملات تشكيك عدة بسبب مشاركة الصدريين وأنهم يريدون ركوب موجة التظاهرات أو مصادرتها وغيرها من الاتهامات، لذا يمكنهم إكمال الطريق بمفردهم".
كذلك قال مقرب من الصدر، في اتصال مع "العربي الجديد"، إن "الصدر أراد إيصال رسائل من سحب أنصاره، وربما يعود قريباً وخلال الساعات المقبلة لدعمها بشكل أقوى من السابق". وأوضح أن "من تلك الرسائل أنه من يسيطر على ساحات الاحتجاج، ولأنصاره الثقل الأكبر فيها، وهو مصدر قوة لها، وكذلك رسائل سياسية للأحزاب والكتل بأنه قادر على فضّ الاحتجاجات من خلال سحب أنصاره فقط، ومن دون ذلك لا فضّ لأي اعتصام".

في المقابل، قال الناشط في ساحة التحرير في بغداد، عزيز اللامي، لـ"العربي الجديد"، إنهم كانوا يعتمدون على الصدريين في تفتيش الداخلين والخارجين والحماية من هجمات المليشيات، بينما الجيش والشرطة والمليشيات كانت تتحاشى الدخول للساحات خوفاً من الاصطدام بالصدريين، أما اليوم فالمتظاهرون عادوا كما كانوا مطلع أكتوبر بلا حماية ولا غطاء، وقتلهم سهل من قبل السلطة، لافتاً إلى أن المتظاهرين وجهوا نداءات لمرجعية النجف وشيوخ عشائر ويأملون ألا يخذلوهم ويتركوهم بوجه السلطة والمليشيات الداعمة لها.

من جهته، قال عضو الحزب الشيوعي في البصرة عباس اللافي، لـ"العربي الجديد"، إن "الشبان المتظاهرين في البصرة وباقي المدن المتظاهرة تعرضوا للغدر"، مضيفاً أن "المصلحة المشتركة بين القوى السياسية الممسكة بزمام السلطة دفعتها لاتخاذ قرارها بقمع التظاهرات وإنهائها، وعلى هذه القوى أن تفهم أن ذلك يسحب ما تبقى لها من شرعية دولية". واعتبر أن "عملية اقتحام الساحات وفض التظاهرات بمثابة دفن بذور ستنبت ربما بعد أيام أو أسابيع وتطوق هذه القوى مرة أخرى".

وتعليقاً على ما حصل، اعتبر زعيم ائتلاف "الوطنية"، إياد علاوي، الهجوم على الساحات بأنه غدر وقمع. وقال في بيان إن "مشروع الإصلاح هو قرار شعب منتفض سلمياً لا قرار أشخاص، ولن يوقفه الإرهاب أو القمع أو الغدر أو الاتفاقات المذلة"، مضيفاً أن "القمع والعنف لن يعفيا أحداً من الحكام من المسؤولية مهما طال الزمن، وهو في الوقت ذاته وقود حماسة وإصرار جموع الشعب على المواصلة والاستمرار حتى تحقيق المطالب".

من جهته، قال القيادي في "جبهة الإنقاذ والتنمية"، أثيل النجيفي، لـ"العربي الجديد"، إنه "بعد موقف الصدر الأخير، فإن التظاهرات سيتم إنهاؤها وفضّها بأي طريقة، حتى لو تطلب الأمر التصادم مع المتظاهرين". ولفت إلى أن "السلطة والأحزاب الحاكمة أعادت ترتيب نفسها من خلال هذه المواقف، ولا نعلم ما هي التنازلات السياسية الداخلية التي قدّمتها لبعضها، حتى يتم الترتيب لإنهاء التظاهرات بهذه الطريقة". وحذّر من أن "الإصرار على فضّ الاحتجاج قد يدفع المتظاهرين الرافضين لذلك إلى اتخاذ طرق أخرى غير التظاهرات السلمية للمطالبة بحقوقهم، فمن الخطأ جداً أن يتم التعامل مع مطالب المتظاهرين بالقوة والعنف، فهذا يُبقي الأزمة".

أما النائب العراقي المستقل باسم خشان، فقال لـ"العربي الجديد"، إن "الحكومة تحاول أن تستغل فرصة انسحاب التيار الصدري من ساحات الاحتجاج من أجل فضّها، فالصدريون كشفوا ظهر المتظاهرين، لكن المحتجين متماسكون"، معتبراً أن الصدر، وفي قراراته الأخيرة، "رجع إلى الخندق الذي يجمعه مع المالكي والقوى السياسية الشيعية الأخرى، فهو حنّ إلى ذلك التحالف القديم، ونعتقد أن إيران لها تدخّل في تغيير قرارات الصدر". وأكد أن هناك مخاوف من عودة الجرائم التي استهدفت المتظاهرين عند انطلاق ثورة أكتوبر من عمليات القنص والقتل والقمع وغيرها من أجل فض الاحتجاج بالقوة، خصوصاً أن الحكومة العراقية والمسؤولين فيها لم يحاسبوا على الجرائم السابقة، حتى لا يكرروها مجدداً، مضيفاً أن "الحل للأزمة التي يمر العراق هو ثبات المتظاهرين واستمرار الحركة الاحتجاجية".

في المقابل قال المحلل السياسي والخبير الأمني هشام الهاشمي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "الحكومة العراقية وبعض القوى السياسية تحاول اغتنام فرصة انسحاب التيار الصدري من التظاهرات، فضبط إيقاع العنف كان خوفاً من التيار الصدري". وبيّن أن "القوى السياسية تريد اغتنام انسحاب الصدريين من ساحات الاحتجاج، ولهذا بدأت أعمال العنف ضد المتظاهرين، كالتي حصلت في بداية أكتوبر". وأكد الهاشمي أن "القوات الأمنية كانت تخشى التعامل بعنف مفرط أو مهاجمة ساحة التظاهرات لوجود أنصار التيار الصدري، واليوم انسحب أنصار التيار"، لكنه توقع ألا تنتهي التظاهرات "بهذه السهولة والسرعة، وربما يعيد الصدر تعديل موقفه خلال الساعات المقبلة، فهو لا يريد أن تنتهي التظاهرات بهذه الطريقة". وختم المحلل الأمني قوله إن "هناك فكرة لجعل الاعتصام والاحتجاج حصراً في ساحة التحرير وسط بغداد، وأيضاً في المحافظات تكون هناك ساحة في كل محافظة مخصصة للاحتجاجات".

من جهته، حذر النائب العراقي، أحمد الجبوري، من محاولات إنهاء الاحتجاجات بالقوة من دون تلبية مطالب المتظاهرين. وقال في بيان "من يحاول إنهاء الاحتجاجات بالقوة من دون تلبية مطالب المتظاهرين، فليعلم أنه يدفع المعتصمين السلميين ومن يؤيدهم إلى التطرف والمواجهة". وأكد ضرورة أن تعي أحزاب السلطة هذه الحقيقة وتسرع بتلبية ما يريده الشعب من إصلاح حقيقي.

ذات صلة

الصورة
أبو تقوى السعيدي (إكس)

سياسة

أسفر استهداف طائرة مسيّرة مقراً لفصائل "الحشد الشعبي" يتبع لـ"حركة النجباء"، عن مقتل المسؤول العسكري للحركة مشتاق طالب علي السعيدي المكنى "أبو تقوى".
الصورة
قاعة الأعراس في الحمدانية في نينوى في العراق 1 (فريد عبد الواحد/ أسوشييتد برس)

مجتمع

أعاد حريق قاعة الأعراس في محافظة نينوى العراقية الذي خلَّف مئات القتلى والمصابين، ليلة أمس الثلاثاء، مشهد الحرائق المتكرّرة التي شهدتها البلاد في السنوات الأخيرة والتي خلّفت مئات القتلى والجرحى.
الصورة
صندوق من فاكهة الرمان (Getty)

مجتمع

أفاد تحقيق صحافي عراقي بأنّ بغداد تلقّت شحنة رمّان من بيروت تبيّن أنّها محشوّة مخدّرات، علماً أنّ هذه الشحنة جزء من سداد قيمة مستحقّات النفط العراقي المخصّص لبيروت.
الصورة

سياسة

تطابقت شهادة العراقي طالب المجلي لـ"العربي الجديد" مع ما حمله تقرير لمنظمة "هيومن رايتس ووتش"، نشر اليوم الاثنين، بخصوص صنوف التعذيب والقتل التي تعرض لها سجناء عراقيون من أمثاله في سجن أبو غريب سيئ الصيت قبل نحو 20 عاماً.

المساهمون