الجزائر: من ثورة إلى ثورة

الجزائر: من ثورة إلى ثورة

03 يوليو 2019
ليس مسموحاً للثورة الثانية أن تخطئ الهدف(بلال بن سالم/Getty)
+ الخط -
يكتب القدر على الجزائريين أن يحتفلوا بالذكرى الـ57 للاستقلال في الخامس من يوليو/ تموز 1962 وانتصار ثورة أول نوفمبر/ تشرين الثاني 1954، وهم في قلب ثورة ثانية، كانت الأولى ضد الظلم ومن أجل الحرية، وتأتي الثانية ضد الطغيان السياسي ومن أجل الديمقراطية. أنجزت الثورة الأولى هدفها المركزي بامتياز وبعبقرية المناضلين والثوار الذين كان سلاحهم الحق والإيمان. وحقق الجزائريون في يوليو 1962 منجز الاستقلال والحرية بكلفة دم باهظة، وأعادت تلك الثورة المظفرة بلداً كبيراً إلى الجغرافيا بعدما طمسه لقرن ونيف الاستعمار الفرنسي، وسحبته من طي النسيان وظلام الاحتلال إلى مجرى التاريخ مجدداً.

لكن هذه السردية التاريخية العملاقة في الجزائر لم تكتمل باتجاه تحقيق منجز الدولة الديمقراطية العادلة، التي تحقق الغايات الكبرى للشهداء والمناضلين، إذ قفز الجيش إلى السلطة بعد الاستقلال، ودخلت البلاد في نفق عسكرة الحكم وفي نهج الحزب الواحد والرأي الواحد والإقصاء والحكم الفردي.

قد لا تكون مناسبة الآن العودة إلى تلك الظروف، وقد يكون من العدل الأخذ بالسياقات التاريخية التي وضعت الجزائر في ذلك الاتجاه، لكن الشعور الجمعي في الثورة الثانية والحراك الشعبي، الذي بدأ في 22 فبراير/ شباط الماضي، اتجه مباشرة إلى المرجعية النوفمبرية (البيان التاريخي لانطلاق ثورة التحرير في أول نوفمبر 1954)، ليتخذ منه متكئاً مركزياً. وكان من الإيجابية بمكان أن يعود الجزائريون، وهم يتطلعون إلى المستقبل الديمقراطي، إلى الحاضنة الثورية كمرجع محدد للمسار والخيارات، حيث هو القاسم المشترك الذي يجمع الجزائريين. قد يبدو من الغرابة بالنسبة للمتابعين للحالة السياسية الجزائرية، أن تستهدف ثورة سياسية وشعبية تقوم في 2019 العودة إلى الالتزام التاريخي بمرجعية ثورية عمرها 65 سنة. والحقيقة أن هناك شعوراً سياسياً في الضمير الجمعي لدى الجزائريين بأن المنجز التحرري لثورة 1954 لم يكتمل بعد، برغم تحقق الاستقلال السيادي، وأن الأهداف والغايات التي رسمها ذلك البيان المرجعي لم تتحقق في أبعادها السياسية والاجتماعية، من حيث إقامة دولة ديمقراطية قوية، وتحتاج إلى جهد إضافي يتماشى مع السياقات الراهنة لتحقيقها.

ثمة إقرار جماعي في الجزائر بوجود إخفاق في بناء دولة مستقلة في قرارها السياسي، ومؤثرة بحكم ثقلها الثوري في محيطها الإقليمي، وقوية باقتصادها المتنوع، وعادلة في توزيع الثروة على المواطنين، ومنتجة للمعرفة والقيم الثقافية، لكن هذا الإخفاق مرده أساساً إلى الانحرافات السياسية وعسكرة النظام وتنامي الرغبة في التسلط وإقصاء الآخر. والمريع أن هذه الانحرافات تأسست في الغالب باسم الشرعية الثورية. اجتمع الجزائريون في الثورة الأولى على هدف التحرير والحرية وتناسوا اختلافاتهم وخلافاتهم. وبعد 57 سنة يجتمع الجزائريون للمرة الثانية حول المسألة الديمقراطية وقد وضعوا جانباً مطالبهم الفئوية والمناطقية وخلافاتهم السياسية. ظفرت الثورة الأولى بالهدف، فليس مسموحاً للثورة الثانية أن تخطئ الهدف المركزي.

المساهمون