بين الجزائر والسودان... عسكر

بين الجزائر والسودان... عسكر

04 يونيو 2019
متظاهرة تطالب بابتعاد قايد صالح عن المشهد(كينزو تريبيار/فرانس برس)
+ الخط -
في الجزائر يقول مثل شعبي "إذا بدأ صديقك في حلق شعره، فعليك أن تبلل رأسك فدورك التالي". يحضر هذا المثل في البال عند مشاهدة تحوّل الموقف والعلاقة الميدانية بين الجيش والمدنيين في السودان، من حالة تفاوض إلى حالة صدام دامٍ، من دون أن يكون هناك ما يبرر ذلك، وسط مخاوف من أن يحذو الجيش في الجزائر حذو نظيره السوداني باتجاه صدام دامٍ مع الحراك الشعبي لإنهاء الحالة الاحتجاجية في البلاد.

تبدو الإجابة من دون تردد، لا، فليس في وارد تطور الأحداث أن يتحوّل الجيش الجزائري إلى حالة صدام مع الحراك الشعبي، فالمسافة الفاصلة بين الطرفين ما زالت بعيدة عن أي احتكاك ميداني على الرغم من مؤشرات احتكاك سياسي ما زال على مستوى المواقف والشعارات والمطالب. كما أن الثقل المعنوي للجيش، وهامش الاعتبار الشعبي والسياسي لمواقفه التي ساعدت في رحيل الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة من الحكم، وملاحقة رموز في نظامه، لا تتيح له السقوط في فخ مواجهة ليست مطلوبة من أحد.

التاريخ لا يغلق عينيه، وقد يفتح أحد ما الدفاتر ليقول إن العساكر إذا حكموا بلداً أفسدوه وجعلوا أعزة أهله أذلة، وإن العساكر على ملة واحدة ولا يؤمن لهم جانب، وإن الجيش في الجزائر سبق أن أطلق النار على المدنيين في حالات احتجاج سياسي مماثل وفي احتكاك دام في بداية التسعينيات، وفي أحداث منطقة القبائل في عام 2001، وكانت القيادة الحالية للجيش في الصف العسكري الأول حينها.

في معطيات الراهن الجزائري، مجتمعياً وعسكرياً، متغيرات كثيرة تجعل من أي سيناريو للصدام بين الحراك والجيش غير وارد البتة، لكن ما يدفع إلى القلق في الوقت نفسه هي المخاوف من تآكل المسافة بين الطرفين شيئاً فشيئاً، بسبب الصمم السياسي وتمسك الحراك الشعبي بحل سياسي ورحيل رموز نظام بوتفليقة، في مقابل تشدد الجيش في رفع فيتو ضد أي مشروع لمرحلة انتقالية، وتجمّد الوضع السياسي.

مرد هذا التآكل الذي يبرز واضحاً من جمعة إلى أخرى في الشعارات المناوئة لقائد الجيش الفريق أحمد قايد صالح في المسيرات، هو اعتماد قائد الجيش خطاباً سياسياً لا يرتكز على تصور عملي لوضع أي من مقترحاته موضع تنفيذ. في الغالب يفترض أن يعمد الجيش، وهو في واقع الحال السلطة الفعلية في البلاد، إلى تجهيز خطط أكثر وضوحاً إزاء المشاريع السياسية التي يطرحها، حتى لا تسقط في الماء وتنهار معها صورة الجيش، كما سقطت تباعاً مشاريعه للحوار والانتخابات، وليس من الحكمة مثلاً أن يصر الجيش على انتخابات يوليو/ تموز المقبل، من دون أن تكون الهيئة المستقلة للانتخابات جاهزة.
قد يكون الجيش في السودان ضحية جشع عسكريين وطموحهم في السلطة، وفي الجزائر يتوجب أن ينتبه الفريق السياسي المحيط بقائد الأركان إلى ضرورة حماية الجيش من تآكل المعنى والمسافات.