هجمة يمينية على البرلمان الأوروبي

هجمة يمينية على البرلمان الأوروبي: هل تنجح الأحزاب المتطرفة والمناهضة للاتحاد بالهيمنة؟

06 مايو 2019
تجري الانتخابات بين 23 و26 مايو المقبل(فريديريك فلوران/فرانس برس)
+ الخط -
بين 23 و26 مايو/أيار الحالي، من المقرر أن يختار أكثر من 512 مليون أوروبي في 27 دولة أوروبية، 751 نائباً لتمثيلهم في البرلمان الأوروبي خلال الفترة الممتدة بين 2019 و2024، وذلك بعد أن ظلّ رقم النواب على حاله بعد تمديد بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي عاماً كاملاً، إذ كان من المقرر تخفيض عدد النواب الأوروبيين إلى 705 (يمثل بريطانيا 46 نائباً في أوروبا).
وتكتسب انتخابات البرلمان الأوروبي، الذي يعد المؤسسة الأوروبية الوحيدة التي يتم انتخاب أعضائها عن طريق الاقتراع العام المباشر، أهمية مضاعفة هذا العام لأسباب عديدة في مقدمتها توقيتها الذي يتزامن مع محاولات بريطانيا الخروج من الاتحاد الأوروبي، والذي ظهر بوضوح صعوبته، ليكون بذلك "درساً" ماثلاً أمام مواطني دول الاتحاد حول صعوبة الانفصال عن المنظومة الأوروبية والتكلفة السياسية والاقتصادية الباهظة لهذه الخطوة. وإذا كانت هذه الانتخابات بالنسبة لمؤيدي الاتحاد تشكل فرصة للتأكيد على التشبث بالبناء الأوروبي، رغم نقائصه، كمكسب للشعوب الأوروبية، فإن كل المتتبعين يترقبون نتائج الأحزاب الشعبوية والمعادية للتكتل التي استفادت من ملف بريكست واستمرار السجال حول ملف اللاجئين والمهاجرين، لا سيما أن كل استطلاعات الرأي تشير إلى سيطرة قوى اليمين، بمختلف اتجاهاته، على البرلمان الأوروبي المقبل. وتعزز تصريحات ومواقف ومخططات أبرز قادة اليمين المتطرف في عدد من البلدان الأوروبية المخاوف من نوايا أحزابهم عقب الانتخابات، خصوصاً بعدما شهدت الفترة الماضية محاولة واضحة للتنسيق في ما بينهم. 
ويقود وزير الداخلية الإيطالي، رئيس حزب الرابطة اليميني المتشدد، ماتيو سالفيني، هذه الجهود، من خلال إشرافه على ما بات يعرف بـ"تحالف ميلانو" الذي يضم أبرز الأحزاب القومية المتشددة في أوروبا، والتي عقدت اجتماعها التنسيقي بشأن الانتخابات الأوروبية في إبريل/نيسان الماضي على أن تلتقي مرة أخرى في 18 مايو الحالي قبل أيام من موعد التصويت. ضمن هذا السياق، جاء أيضاً اللقاء الذي عقده مع رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، قبل أيام في محاولة لحشد لتشكيل ما سمياه تحالف أوروبي ضد الهجرة.
وخلال اجتماع سالفيني بأوربان، يوم الخميس الماضي في بودابست، أكد الأخير، في مؤتمر صحافي مشترك بحسب ما نقلت عنه وكالة "آكي" الإيطالية للأنباء، أن المحادثات جارية لتحديد آليات التعاون، قائلاً "أنا على قناعة بأن أوروبا بحاجة فعلاً إلى تحالف أحزاب ضد الهجرة"، وفق كلامه. أما سالفيني فذهب أبعد من ذلك قائلاً إن أوروبا ستصبح "خلافة إسلامية" ما لم تحقق الأحزاب القومية مكاسب في الانتخابات الأوروبية. وأضاف "من أجل أطفالنا، فإني لا أريد إتاحة المجال للخلافة الإسلامية وتطبيق الشريعة (الإسلامية) في بلادنا، وسأبذل قصارى جهدي لتجنب هذه النهاية المحزنة لأوروبا". مع العلم أن الأخير لا يخفي طموحاته بعد أن قال أخيراً إنه "بالنسبة للكثيرين، فإن أوروبا تمثل كابوساً وليس حلماً". وأضاف "نحن نعمل من أجل حلم أوروبي جديد، والهدف هو أن نصبح أول وأهم وأكبر مجموعة من حيث العدد في البرلمان الأوروبي".

وتلتقي أحزاب يمينية متطرفة عدة مع حزب الرابطة الإيطالي بينها حزب الحرية الحاكم في النمسا، وحزب الشعب الدنماركي، وحزب الفنلنديين إلى جانب كل من حزب البديل من أجل ألمانيا والتجمع الوطني في فرنسا، الذي سبق أن تنبأت زعيمته مارين لوبان في فبراير/شباط الماضي بحسب رصد أجرته وكالة الأنباء الألمانية "د ب أ"، أخيراً، بأن البرلمان الأوروبي سوف "ينقلب رأسا على عقب" عن "طريق صعود الأحزاب المؤيدة للسيادة الوطنية التي ترى أن الدول الأوروبية منفردة لا بد أن تكون لها سلطات أكبر مقابل سلطات أقل لبروكسل".
وفي ظل هذه الأجواء تتجه الأنظار على نحو خاص إلى طبيعة التحالفات التي ستنشأ داخل البرلمان بنسخته الجديدة، وسط مخاوف من أن تحصل الأحزاب المتشككة في الاتحاد الأوروبي على قرابة ثلث إجمالي مقاعد البرلمان الأوروبي، بحسب ما نقلت "د ب أ" عن المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية. وتفسر هذه المخاوف مسارعة المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، قبل أيام إلى إعلان رفضها دعوة أوربان إلى التعاون بين الديمقراطيين المسيحيين الأوروبيين مع الاحزاب الشعبوية اليمينية بعد الانتخابات.

ويضع هذا الوضع الاتحاد الأوروبي أمام فصل جديد من التحديات التي يواجهها بسبب صعود اليمين المتطرف وإمكانية تغلغله على نحو واسع في واحدة من أهم مؤسساته، أخذاً بعين الاعتبار أن البرلمان يتمتع بسلطات تشريعية، فهو مكلّف باعتماد التشريعات الأوروبية مع مجلس الاتحاد الأوروبي، وإعداد الموازنة بالتعاون مع المجلس أيضاً، إضافة إلى ممارسة الدور الرقابي. كما يختصّ في انتخاب رئيس المفوضية الأوروبية ويمارس السيطرة على المؤسسات.

وحضرت هذه المخاوف في الرسالة التي وجهها رئيس البرلمان الأوروبي، أنطونيو تاجاني، قبل أكثر من شهر بمناسبة تنظيم هذه الانتخابات، بقوله: "سيقوم مواطنو الاتحاد الأوروبي بتقييم المرشحين والبرامج بعناية، قبل اتخاذ قرار سيُشكّل مستقبل قارتنا ودورنا في العالم لسنوات مقبلة. إن الاتحاد الأوروبي، وهو مشروع فريد من نوعه، يقوم على أساس التعاون السلمي، ومهدد من قبل القوى التي تريد أن ترى كل ما فعلناه معاً مدمراً". وأشار إلى أن "نتائج الاستطلاعات الحديثة تُظهر أن الرأي العام مؤيد بشكل متزايد للاتحاد الأوروبي. فـ48 في المائة من المواطنين الأوروبيين يعتقدون أن صوتهم مهم في الاتحاد الأوروبي. وعلى الرغم من أن هذا المعدل يختلف من دولة عضو إلى أخرى، فإن هذا يمثل زيادة إجمالية قدرها 10 في المائة على مدى السنوات العشر الماضية".
لكن ذلك لا يبدو كافياً، إذ إنه وفقاً لمختلف التوقعات، فإنه يمكن للقوى المناهضة للاتحاد الأوروبي الحصول على ثلث المقاعد، وبالتالي تقويض الاتحاد. وفي السياق، رأى الخبير في الشؤون الأوروبية، فرانسوا جان، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أنه "في حال تأكدت هذه التوقعات، سيعني ذلك انبثاق توجه سياسي آخر ونجاحه. فخلال عقد من الزمن، ضاعفت الأحزاب السياسية المعارضة للتكامل الأوروبي أصواتها تقريباً". وأضاف أن هذا الأمر بدأ مع رفض الاستفتاء لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في عام 2016. وأوضح أن أوروبا كلها تأثرت بهذا الأمر. إذ ارتفع التصويت لصالح الأحزاب المعارضة بشدة في الاتحاد الأوروبي من 10 إلى 18 في المائة بين عامي 2000 و2018. وأعاد التذكير بأنه "في عام 2004 لم تحصل هذه الأحزاب سوى على 28 في المائة من الأصوات. وارتفع هذا الرقم إلى 47 في المائة في عام 2012 بعد الأزمة المالية لعام 2008، قبل أن ينخفض إلى 39 في المائة في عام 2018، ثم بسبب بريكست".



وإذا كان القلق هو الذي يطبع حالياً تعامل كل السياسيين الأوروبيين، خصوصاً مع تنامي هذه الظاهرة منذ عام 2000، فإن جان شدّد على أن الظاهرة جزء من أزمة عامة دورية تشهدها القارة العجوز منذ ثمانينيات القرن الماضي. وأضاف أن "أوروبا شهدت بالفعل هذا النوع من الاضطراب وتغلبت عليه، وأيضاً كانت الظروف مماثلة. ففي أوائل الثمانينيات من القرن الماضي استفادت القوى المناهضة للتكتل الأوروبي من التشنجات الناتجة عن انخفاض مستوى التصنيع في بعض المناطق. وهذا هو الحال اليوم أيضاً، مع الأزمة المالية، وإدارتها الكارثية، بالإضافة إلى الصعوبات المستمرة للتغيير الهيكلي الذي حدث قبل عقود عدة". وبالنسبة إليه "تكشف هذه النظرة العامة أيضاً، أنه خلال فترة الازدهار الاقتصادي في التسعينيات وأوائل العقد الأول من القرن العشرين، تراجعت الموجة المعادية لأوروبا وارتفع دعم المشروع الأوروبي". ولفت إلى أنه "إذا كانت أوروبا تريد محاربة توسع جغرافيا السخط هذه، فمن الأفضل أن تبدأ بمعالجة محنة المناطق المهمّشة وتوفير فرص لتعويض التراجع الصناعي، وهجرة الأدمغة، وفخ الدخل المتوسط". ورأى أن "التصويت المناهض للاتحاد يهدد ليس فقط التكامل الأوروبي، بل أيضاً الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي الذي أشرف على أطول فترة من السلام والازدهار في القارة".

وبحسب دراسة نشرتها المفوضية الأوروبية قبل فترة بعنوان "جغرافية مناهضة الاتحاد الأوروبي"، استندت إلى مجموعة من الدراسات الاستقصائية التي أجرتها مراكز البحث المختلفة، فإن هناك مجموعة من الفوارق الدقيقة غير المتوقعة في إحساس اللامبالاة أو حتى عدم الثقة في أوروبا في العديد من الدول الأعضاء في الاتحاد. وفي الدراسة فإنه "في الدنمارك، لا تزال نسبة نقد البناء الأوروبي متدنية للغاية في استطلاعات الرأي، بينما تحصل الأحزاب المناهضة لأوروبا على أعلى عدد من الأصوات، عكس ما يحدث في إسبانيا. أما في اليونان، فالظاهرة تتوافق، إذ يزداد عدد المنتقدين لأوروبا ويمنحون أصواتهم لأحزاب معارضة للاتحاد. بالإضافة إلى ذلك، فإن التباينات الإقليمية تمنع التعميم على دولة بأكملها. فشمال إيطاليا أكثر مناهضة لأوروبا من بقية البلاد، كما هو الحال في شرق ألمانيا. والمناطق الريفية والبلدات الصغيرة هي أيضاً أكثر تخوفاً من البناء الأوروبي. ونتجت حركة السترات الصفراء في فرنسا بشكل أساسي من هذا الإحساس، بأن أوروبا لا تعمل لصالح المواطنين".

وبحسب الدراسة فإن "التصويت المناهض لأوروبا هو نتيجة للأزمة الاقتصادية والصناعية أساساً، بالإضافة إلى تدني مستوى التعليم ونقص في الوظائف المحلية. وبمجرد أخذ هذه العوامل في الاعتبار، من المرجح أن تصوت المناطق الأكثر ثراءً للأحزاب المعارضة للاتحاد أكثر من الأقل ثراءً، على عكس التفسيرات التي تربط الاقتراع ضد البناء الأوروبي بالفقراء الذين يعيشون في المناطق المحرومة". وتابعت الدراسة بأن "أولئك الذين يواجهون صعوبات في تحقيق غاياتهم لم يعودوا معادين للتكامل الأوروبي أكثر من بقية السكان".