جلبة مدمرة في الخليج

جلبة مدمرة في الخليج

16 مايو 2019
طهران فضّلت أنظمة ديكتاتورية بوجه خيارات الشعوب(عطا كيناري/فرانس برس)
+ الخط -


على ضفتي الخليج تتشابه سياسات مدمرة، يعرفها العرب والخليجيون. في نهاية مطاف التشويش، السياسي والإعلامي، يصبح المواطن ضحية ممارسي هذه السياسة من الحكام ومستشاريهم، غير المعنيين بالنتائج الكارثية لتسويق الأوهام كحقائق. فمنذ انطلاق حصار قطر قبل نحو عامين، وبث الفيلم الكرتوني لـ"فتح طهران"، تحوّل هؤلاء الحكّام إلى "دفيعة"، وأشبه بجمهور مفعول به، على طاولة مساومات وتسويات طهران-الغرب.

قبل أشهر، حين عرّجت البوارج الأميركية على منطقة الخليج، باتجاه كوريا الشمالية، في إطار مساعي الرئيس الأميركي دونالد ترامب المستمرة لتحصيل المال، ذكّرنا أن على العرب التجهز لمفاوضات واشنطن مع طهران. ومن دون أوهام أيضاً، فإن طهران، في سياساتها العربية، تمارس جلبة مع "جيرانها"، في التجييش وأوهام الهيمنة. فمنذ الغزو الأميركي للعراق عام 2003، وهي تنتهج تأسيس كيانات طائفية، تذكّر برغبات الاحتلال الإسرائيلي بالهيمنة، عبر تقسيم شعوب المنطقة، بالتهجير والتلاعب الديمغرافي، وهو نهج ممتد حتى يومنا في سورية، التي باتت المثال الصارخ باستجلاب المرتزقة وتأسيس عصابات تهجير شعب طالب بحريته. كما أن طهران فضّلت أنظمة ديكتاتورية بوجه خيارات الشعوب، من صنعاء إلى المتوسط، شأنها في ذلك شأن النفاق الغربي، في اصطفاف إيراني مفضوح ضد خيارات الشعوب مع الخندق الذي تدعي طهران رفض "استكباره". فرفع إيران وأتباعها شعار "الموت لإسرائيل وأميركا" أنتج موتاً يطارد العربي المسحوق.

في المقابل، إذا بقينا في سورية، يقفز ألف سؤال عن سياسات محور الرياض - أبوظبي، وتابعيه، في أهداف ضرب ثورة السوريين، ودفع الأموال لروسيا، بوهم عزل نظام بشار الأسد عن طهران، فيما كان الناتج الصفري في مصلحة طهران. وغير بعيد عن هذا المحور، وتوابعه، فتأييد انقلاب عبد الفتاح السيسي في مصر، والإمعان بضرب الثورات العربية، والغرق في القرصنة والتجسس وحصار قطر، وضرب العلاقات مع تركيا، وغيرها، ممن يفترض أنهم أقرب إلى مصالحهم، سياسة لم تثمر سوى مخاطر أشد وأعمق خليجياً. تعميق الأزمات، وتكميم الأفواه بما يوسّع الاستبداد بحجة "التحديث"، والزج بالنُخب في السجون، والممارسات المعيبة بحق المعتقلات، واختلاق نُخب وهمية، كلها أعمال لا تشي سوى بارتباك وارتجال مدمرين. تلك الممارسات وغيرها، في مسار الهروب من مواجهة تحديات الواقع، بالاستعانة بالجلبة السياسية بدل الاستراتيجيات، لن تنتج سوى كوارث أكبر من جعل تل أبيب "حليفاً" ناظماً لمستقبل الأوطان، إذ يسود انفصام وإحباط وصولاً إلى التطرف.