أزمات النظام والحلول المضحكة

أزمات النظام والحلول المضحكة

21 ابريل 2019
تصطف السيارات في طوابير طويلة (لؤي بشارة/فرانس برس)
+ الخط -


اعتاد النظام السوري خلال فترات الأزمات الداخلية، حتى في مرحلة ما قبل الثورة (2011)، أن يعزو أسباب تلك الأزمات إلى مؤامرات خارجية تحيكها القوى الإمبريالية والصهيونية العالمية، للنيل من صمود النظام الممانع في وجه تلك القوى. كما اعتاد على تسيير المسيرات التي تتحدى الأزمات وتبرهن من خلال الهتاف وحلقات الدبكة عن تأييدها لنهجه وصموده في وجه تلك المؤامرات. في المقابل، يكون المواطن هو المتضرر الأساسي من تلك الأزمات، والمواطن هو آخر ما يفكر به النظام، بل حتى على العكس فهو غير مسموح له التعبير عن الضرر الذي لحق به جراء الأزمة. وكل من يتذمر من آثار الأزمة عليه، يُعتبر في عرف النظام غير وطني ومساهم في وهن عزيمة الأمة ويساعد المتآمرين الخارجيين على تحقيق أهدافهم. إلا أن النظام يعمد في بعض الأزمات الكبرى إلى إجراء بعض التغييرات لبعض مسؤولي السلطة التنفيذية، كنوع من التنفيس من خلال تحميل المسؤولية لهؤلاء الأشخاص، الذين غالباً ما يكونون بعيدين عن الأسباب الحقيقية للأزمة.

إلا أن النظام خلال الأزمات الحالية التي يعاني منها، وعلى رأسها أزمة الوقود التي شلّت الحركة في شوارع العاصمة والمدن الكبرى التابعة لسيطرته بنسبة فاقت الـ80 في المائة، ابتكر أساليب لمعالجة الأزمة أو الحد من تداعياتها، معبّرة عن مدى استخفافه بالمواطنين وسخريته من معاناتهم. ابتكر النظام عدداً من المبادرات تحت اسم "مبادرات من المجتمع المدني" المحظور أساساً في مناطقه. ولم تعالج المبادرات أسباب الأزمة أو تخفف منها، بل تعايشت معها وصوّرتها كحدث إيجابي وترفيهي، فنشرت فرقاً "تطوعية" توزع الورود على سائقي السيارات الذين ينتظرون دورهم في محطات الوقود، فضلاً عن نشر فرق "تطوعية" أخرى تقيم العراضات بينهم وتدعوهم للغناء والرقص ابتهاجاً بأزمة الوقود. كما تمّ الإتيان بفرق "تطوعية" ثالثة وزّعت الكتب من أجل أن يستغل أصحاب السيارات وقتهم في المطالعة، بدلاً من الملل بانتظار دورهم. وهو الأمر الذي أثار استياء واستغراب الكثير من المواطنين الذين رأوا في تلك المبادرات من النظام وكأنها نوع من السخرية بهم وبمعاناتهم. سخرية تصل إلى حدّ التعامل معهم كعبيد، عليهم فقط أن يرقصوا ويغنوا ويمتدحوا "القيادة الحكيمة"، وهم في قمة المعاناة من الأزمة، وذلك من دون أن يكترث النظام إلى أن للمواطنين أعمالاً أخرى غير الوقوف في الطابور، هذا عدا عن أن المواطنين يدركون أن كل أنواع العمل المدني في سورية تُدار من قبل أجهزة المخابرات وبشكل مدروس ولأهداف محددة.